إسرائيل.. وسلاحها النووي
رخا أحمد حسن
آخر تحديث:
الثلاثاء 25 يونيو 2024 - 7:05 م
بتوقيت القاهرة
يعد امتلاك إسرائيل أسلحة نووية من القضايا بالغة الأهمية سواء للدول العربية، خاصة دول الطوق، أو دول الشرق الأوسط، باعتبارها الدولة الوحيدة فى المنطقة التى لديها أسلحة نووية من تصنيعها، وأن إسرائيل دولة استعمارية استيطانية عنصرية متمردة على ميثاق الأمم المتحدة الذى مزقه مندوبها، وهو على منصة اجتماع للجمعية العامة للأمم المتحدة وعلى مرأى كل العالم دون تعرضه لأى نوع من المساءلة أو العقاب. كما أن إسرائيل ترفض تمامًا الانضمام إلى اتفاقية منع انتشار الأسلحة النووية منذ نشأت الاتفاقية، وترفض خضوع مفاعلاتها النووية لأى نوع من الرقابة الدولية، وهذا كله يمثل خطورة كبيرة على أمن واستقرار منطقة الشرق الأوسط، ويتطلب مواجهة شاملة وحاسمة ومستمرة، خاصة من جانب الدول العربية ودول الجوار.
• • •
بدأت إسرائيل تصنيع الرءوس النووية بعد حرب يونيو 1967، وتشير بعض التقديرات إلى أنها تمتلك نحو 400 سلاح نووى من أنواع وأنظمة مختلفة، ومنها القنابل النيوترونية، والأسلحة النووية التكتيكية، وما يعرف بقنابل حقيبة السفر النووية، والصواريخ النووية المخبأة فى سراديب تحت الأرض فى عدة أنفاق لحمايتها من أى هجوم مضاد. كما أن لديها قدرة على استخدام صواريخ كروز البحرية ذات قدرة نووية وتطلق من الغواصات الإسرائيلية. كما أن ما لدى إسرائيل من طائرات مقاتلة إف 15 وإف 16 المطورة، قادرة على إيصال الأسلحة النووية إلى مسافات استراتيجية.
إسرائيل بدأت برنامجها النووى فى خمسينيات القرن العشرين، وكانت تجرى تجاربها النووية مع جنوب إفريقيا أثناء حكم الأقلية البيضاء الذى امتد حتى عام 1994 والتحول إلى حكم الأغلبية الإفريقية والتخلص من السلاح النووى والتركيز على استخدام الطاقة النووية للأغراض السلمية التزاما بجعل إفريقيا خالية من الأسلحة النووية. اختار رئيس وزراء إسرائيل ديفيد بن جوريون فى عام 1952 الكيميائى من أصل ألمانى إرنست ديفيد بيرجمان ليرأس هيئة الطاقة النووية الإسرائيلية، ورأس أيضا إدارة البحث والبنية التحتية بوزارة الدفاع الإسرائيلية، والتى تحولت فى 1985 إلى هيئة تطوير التسليح، وكلفت بتصنيع قنبلة نووية، وكان يتولى مهمة تسليح الجيش الإسرائيلى منذ عام 1955 مدير وزارة الدفاع آنذاك شيمون بيريز، وتم فيما بعد تشكيل الإدارة العليا للبرنامج النووى الإسرائيلى.
وإزاء حاجة إسرائيل إلى مساعدات خارجية فى المجال النووى، خاصة تصنيع قنبلة نووية، فقد وافقت الولايات المتحدة الأمريكية، فى عام 1955، على بيع مفاعل أبحاث نووية تحت رعاية برنامج «الذرة من أجل السلام» لإسرائيل، وهو مثل المفاعل الذى حصلت عليه إيران فى عهد الشاه بمساعدة واشنطن فى برنامجها النووى فى نفس الفترة. لم يكن مسموحًا لإسرائيل وفقا لعقد البيع إنتاج البلوتونيوم، إلا أنه ورد فى تقرير سرى تم تسريب أجزاء منه تكشف اتجاه إسرائيل إلى تحويل مفاعل الأبحاث الأمريكى لمجمع أبحاث نووى أكبر لاكتساب خبرة أكثر تقدمًا فى فصل البلوتونيوم. كما استطاع شيمون بيريز الحصول على دعم فرنسا لبرنامج إسرائيل النووى نظرا لمحدودية المساعدة الأمريكية، واتفق على أن تبقى المساعدة الفرنسية سرية خشية إثارة مشاعر عدائية فى العالم العربى، وقد زاد الدعم المقدم من فرنسا بعد حرب السويس 1956. وفى عام 1957 أقامت فرنسا مفاعلا نوويا فى إسرائيل بطاقة 24 ميجاوات، وحصلت إسرائيل على نحو 20 طنا من الماء الثقيل من النرويج لتشغيل سلسلة مفاعلاتها النووية.
أوفدت واشنطن لجنة تفتيش على المفاعلات الإسرائيلية فى عهد الرئيس كينيدى عام 1961، ومرة أخرى عام 1962، وانتهت اللجنة فى تقاريرها إلى أن المجمع النووى الإسرائيلى يهدف إلى الحصول على الطاقة النووية على المدى الطويل وأن برنامجه ذو طابع سلمى، وأنه لا يملك القدرة على إنتاج البلوتونيوم لأغراض عسكرية. ولكن بعض التقارير المستقلة حذرت من أن عملية التفتيش الأمريكية كانت عملية صورية لا قيمة لها، ولم يسمح للمفتشين باستخدام معداتهم الخاصة، أو جمع عينات لتحليلها.
وإزاء تحفظ الرئيس الفرنسى، شارل ديجول، على التعاون النووى الفرنسى مع إسرائيل، دفع ذلك تل أبيب إلى الاتجاه للأرجنتين لشراء نحو 100 طن من اليورانيوم الخام المعروف باسم "الكعكة الصفراء". وقد حافظت إسرائيل على مدى سنوات طويلة على إحاطة برنامجها النووى بالسرية والغموض المتعمد، وتكتفى بقول أنها لن تكون أول من يدخل السلاح النووى إلى الشرق الأوسط. ولكن فى عام 1988 اعترف شيمون بيريز- رئيس وزراء إسرائيل الأسبق- بأنهم طوروا قوة نووية ليس لتكرار ما حدث فى هيروشيما، وإنما لضمان تنفيذ اتفاق أوسلو مع الفلسطينيين. وكان د. محمد البرادعى، المدير الأسبق للوكالة الدولية للطاقة الذرية، يعتبر إسرائيل دولة تمتلك أسلحة نووية.
• • •
إذا كان ثمة اختلاف فى الفترات السابقة حول كمية الأسلحة النووية التى تمتلكها إسرائيل، ونوعية هذه الأسلحة، وقدرتها التدميرية، فإنه لا اختلاف على أن إسرائيل لديها أسلحة نووية وبكميات ونوعيات كفيلة بأن تثير أمرين بالغى الأهمية؛ أولهما إثارة قلق وحذر شديدين لدى جيرانها ودول الشرق الأوسط، وثانيهما علامات الاستفهام التى تملأ سماء المنطقة حول تجاهل دولها ودول العالم خطورة امتلاك إسرائيل أسلحة نووية فى منطقة تفصل بين دولها مسافات قصيرة للغاية، ويتداخل سكانها بدرجة كبيرة حتى وإن اختلفوا عرقيًا وعقائديًا.
أكد عميحاى إلياهو، وزير التراث الإسرائيلى فى حكومة نتنياهو الحالية، امتلاك إسرائيل أسلحة نووية وقدرتها المؤكدة على استخدامها بوسائل متاحة لديها عندما دعا إلى أن أحد الاختيارات الممكنة أمام إسرائيل فى حربها الحالية على قطاع غزة، ضرب القطاع بقنبلة نووية. وقد سارع نتنياهو وكل الأجهزة الإسرائيلية إلى إسكات هذا الوزير والترويج بأنه كان يعبر عن رأيه الشخصى. ولم يعد يسمع له صوت ولا صورة وكأنه غير موجود فى الحكومة الإسرائيلية الحالية. لكن السيناتور الجمهورى الأمريكى ليندسى جراهام، حرض إسرائيل فى تصريح علنى على ضرب قطاع غزة بقنبلة نووية كما فعلت الولايات المتحدة الأمريكية مع اليابان فى الحرب العالمية الثانية، وأنهت بذلك الحرب. حاول جراهام بعد ذلك التنصل بسذاجة من تصريحه هذا ومسحه من على وسائل التواصل الاجتماعى، لكنه تصريح مثل طلقة الرصاص لا تعود ويظل أثرها قائمًا.
إن تأكيد امتلاك إسرائيل أسلحة نووية سواء على لسان كبار مسئولين إسرائيليين أو على لسان سيناتور أمريكى من أشد المؤيدين المتعصبين لإسرائيل، يمثل خللًا كبيرًا بتوازن القوى فى منطقة الشرق الأوسط، وقد يدفع أطرافًا أخرى فى المنطقة إلى السعى للحصول على أسلحة نووية ما يؤدى إلى انتشارها فى المنطقة وزيادة الصراعات وسباق التسلح وعدم الاستقرار.
وإن المواقف الإقليمية والدولية من الملف النووى الإيرانى، وما تم توقيعه عليها من عقوبات اقتصادية ومالية وعسكرية وسياسية طوال العقدين الماضيين وتوقيع اتفاق دولى معها فى عام 2015 لضمان عدم سعيها للحصول على أسلحة نووية، وإثارة حملات سياسية وإعلامية لا تتوقف حتى اليوم للتحذير من مخالفات إيران النووية وما تمثله من خطورة، وتزعم إسرائيلى أمريكى لهذه الحملات، أمر يثير علامات استفهام نظرًا لأن إيران موقعة على اتفاقية منع انتشار الأسلحة النووية وتخضع لرقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ويؤكد المسئولون الإيرانيون ابتداء من المرشد الأعلى ورئيس الجمهورية، أن إيران لا تسعى لإنتاج أسلحة نووية. بينما لا أحد يكاد يتحدث عن امتلاك إسرائيل ترسانة نووية، ولا تتورع فى أن تهدد باستخدامها. ولا تتعدى ردود أفعال دول المنطقة تصريحًا هنا أو هناك، ثم يعود من جديد الصمت والتجاهل لمدى خطورة امتلاك إسرائيل أسلحة نووية.
• • •
لقد بلغ ملف امتلاك إسرائيل أسلحة نووية درجة عالية من الخطورة خاصة بعد ما قامت به قوات الاحتلال الإسرائيلى من مجازر ضد النساء والأطفال والمدنيين العزل فى قطاع غزة، وارتكاب جميع أنواع الجرائم وانتهاك كافة القوانين الدولية والإنسانية والتهديد باستخدام قنبلة نووية ضد سكان القطاع. ولم يعد سكوت أو تجاهل الدول العربية للملف النووى الإسرائيلى أمرًا مقبولًا أو مبررًا، ويتطلب العمل من الآن على أن تتضمن القرارات التى تصدر عن جامعة الدول العربية، والاتحاد الإفريقى، ومنظمة التعاون الإسلامى، والجمعية العامة للأمم المتحدة، إنذارًا لإسرائيل بضرورة الانضمام لاتفاقية منع انتشار الأسلحة النووية خلال فترة زمنية معينة تفرض بعدها عقوبات اقتصادية وتجارية وثقافية وسياسية عليها، وجعل مطلب نزع سلاح إسرائيل النووى ضمن المطالب الأساسية للتسوية النهائية للقضية الفلسطينية، والصراع العربى الإسرائيلى والتطبيع مع كل الدول العربية.
قد يبدو الأمر صعبًا ومعقدًا، لكن رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة.