الحرب تفكّك معارضة نتنياهو.. وهذا لا يقل خطورة عن إيران

من الصحافة الإسرائيلية
من الصحافة الإسرائيلية

آخر تحديث: الأربعاء 25 يونيو 2025 - 8:45 م بتوقيت القاهرة

خلال فترة تقديم لائحة الاتهام ضده، قال بنيامين نتنياهو لأحد المقرّبين منه أنه يرى أن الدولة العميقة ورأس حربتها - النيابة العامة - «أخطر من حزب الله وحتّى إنهم أخطر من إيران». وفعلاً، فإن الحرب الإسرائيلية الإيرانية لا تدفعه، لا هو ولا أذرعه، إلى التخلى عن المشروع الذى من أجله أقاموا الائتلاف: السيطرة على الشرطة، و«الشاباك»، والمنظومة القضائية، والإعلام، والردع المنهجى لمعارضيه ومنتقديه، والانتصار المُطلق على العدو فى الداخل.

والخطة لعزل المستشارة القضائية للحكومة لم تُلغَ، ونتنياهو مصمّم على تعيين رئيس «الشاباك» المُقبل، على الرغم من تعارُض المصالح الواضح الذى يتواجد فيه بسبب التحقيقات ضد المقرّبين منه. والجنود فى الحكومة والكنيست يستمرون فى الدفع قُدُمًا بمشاريع قانون هدفها وقف هيئة البث العام، وتحويل ميزانيات الإعلانات إلى قناة الدعاية «القناة 14». هذا بالإضافة إلى أن الحرب سرّعت من حملة نتنياهو من أجل إلغاء المحاكمة فى ملف «الآلاف» بعد ثلاثة أيام من التحقيقات المضادة التى نجح خلالها رئيس الحكومة فى التورّط بسلسلة من الأكاذيب المُخجلة. حاليًا، المتظاهرون ضد الحكومة يحصلون على معاملة تميّز الشُرطة السرّية ــ حتى لو كانوا يقفون بلا أى حراك وحدهم أمام منزل نتنياهو الفارغ فى شارع غزة 35 فى القدس ــ إذ تتعرض النساء للتفتيش عراة . وكالعادة، يحصل الإعلام على المعاملة المعتادة. وقد أعلن شلومو كرعى وإيتمار بن غفير حربًا على المراسلين الأجانب، و«الظل» ومَن يشبهونه يعملون بصورة تتناسب مع هذه الحرب، كما يتم الاعتداء على الصحفيين العرب من جانب مواطنين من دون أن تقوم الشُرطة بأى حركة تُذكر.

لا تزال رغبة نتنياهو فى الانتقام من كُل مَن تآمر ضده، كما يدّعى، هى الدافع الأقوى من كل شىء آخر، وليس اعتباطًا أنه استعمل ضدهم اللهجة المُستعملة ضد الأعداء من الخارج نفسها؛ ففى مارس 2023، عندما اجتاحت التظاهرات ضد التغييرات القضائية البلد، وبعد التجمهر أمام صالون كانت تتواجد فيه زوجته، تم تعيين اجتماع أسبوعى بين نتنياهو ورئيس «الشاباك» رونين بار، وبحسب ما وصل إلى صحيفة «هاآرتس»، فإن رئيس الحكومة نَعَتَ بعض أسماء زعماء الاحتجاجات ضده بأنهم نشطاء إرهابيون، وادّعى أنهم يريدون تغيير «جوهر الدولة»، واستغل الفرصة كى يوضح لبار أنه فى حال باتت إسرائيل أمام أزمة دستورية، فعليه أن ينصاع له: «المحكمة العليا ليست قائد الشُرطة ولا «الشاباك» ولا الموساد ولا الجيش».

وتسلط خريطة الطريق التى طرحها نتنياهو الضوء بصورة ساخرة على محاولته تأطير الحرب ضد إيران كمواجهة توراتية بين أبناء النور وأبناء الظلام، حيث تُصوَّر إسرائيل على أنها رأس الحربة للعالم الحر فى مواجهة الديكتاتوريات القمعية. وخلال الأعوام الأخيرة، سعى نتنياهو لتفكيك كل الأسس التى تشكّل مفهوم الديمقراطية، بما فى ذلك الصلة بين ثقة الجمهور بالقيادة وبين الشرعية لقيادتها فى أوقات الأزمات فى مقابل أثمان باهظة يدفعها المواطنون؛ كتعطيل الحياة بالكامل، والقلق الجماعى، وسقوط ضحايا بالأرواح. وعندما كان زعيمًا للمعارضة، هاجم يتسحاق رابين «المُنغلق»، الذى نفّذ خطوات تاريخية من دون دعم شعبى، قائلاً: «لِيَخرُج إلى المفترقات، وإلى الشوارع، وَلْيَسْمَعِ الموجة المتصاعدة». أمّا هو، فقد خرج إلى الحرب متجاهلاً تلك الموجة المتصاعدة، بينما يقود مجتمعًا مكوَّنًا أساسًا من قبائل معادية بَعْضُهَا بَعْضَهَا الآخر، غارقًا فى حرب أهلية باردة كان يحرص بجنون على تأجيجها لخدمة مصالحه الشخصية التى لطالما مجّدها حتى أصبحت فى فمه مجرد كليشيه سخيف. وكنموذج؛ حظى ونستون تشرشل خلال الحرب العالمية الثانية بنسبة تأييد بلغت نحو 80٪، وكذلك نموذج آخر يحتذى به؛ وهو فرانكلين روزفلت، عندما دخل الحرب. أمّا نتنياهو، فلم يكن فى حاجة إلى دعم شعبى كهذا ليجرّ إسرائيل إلى واحدة من أكثر المغامرات العسكرية طموحًا فى تاريخها.

لو كنّا فى دولة صحيّة، لكان نتنياهو قد عُزل بعد أيّام من 7 أكتوبر، ولَكَان هناك آخرون يحاولون تصحيح الكارثة الأمنية والاجتماعية والاقتصادية التى جرت خلال فترة حكمه الأبدية. نتنياهو قال عن إيهود أولمرت بعد حرب لبنان الثانية إن فكرة أنّ مَن ارتكب أخطاءً مصيريّة بهذا الحجم سيصحّحها بذاته هى فكرة مرفوضة من أساسها. وسأل بسخرية: «مَن منّا سيضع حياته فى يد طبيب جرّاح فشل فى العمليّة؟ مَن منّا كان سيركب حافلة سائقها كان مسئولاً عن حادثة قاتلة قبل وقت قصير؟» سائق الحافلة بنيامين نتنياهو لم يترك القيادة منذ الحادثة الأكثر قتلاً فى تاريخ الدولة، حتّى عندما كان يبدو أن السقوط حتمى. بقاؤه فى السُلطة، بمهارات سياسيّة استثنائية، فاجأت حتّى أقرب المقرّبين منه.

والآن، وبعد أن ضرب «رأس الأفعى»، وجنّد من أجل ذلك القوّة العظمى الأكبر فى العالم، بات نتنياهو وحده فى القمّة، من دون أى مُعارضة تتحدّاه، ورؤساء الأجهزة الأمنية لا يتجرأون حتّى على كتابة تغريدة كافرة. أحد الأشخاص المقرّبين منه قال لصحيفة «هاآرتس» إنه «بمزاج مسيانىّ تقريبًا». وظهوره العلنى يذكّر بما فعله بعد انتصاره فى الانتخابات سنة 2015 و2022. إن تعزُّز قوّة نتنياهو المصحوبة بحالة نشوة قومية يمكن أن يدفعه مع شركائه إلى الهجوم على بقايا الديمقراطية واستكمال خطّتهم الكُبرى. وأشك فى أن إيران النووية ستشكل خطرًا أكبر على إسرائيل.

غيدى فايتس
هاآرتس
مؤسسة الدراسات الفسطينية

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved