هل ضاع العقل فى مصر؟!

ناجح إبراهيم
ناجح إبراهيم

آخر تحديث: السبت 25 يوليه 2015 - 9:00 ص بتوقيت القاهرة

• إذا أحببت فبعقل وعدل.. وإذ كرهت فلتكره أيضا بعقل وعدل.. وإذا خاصمت واضطررت للخصام فخاصم بعقل وعدل ولذلك كان دعاء الرسول عليه الصلاة والسلام «اللهم إنى أسألك العدل فى الرضا والغضب».. وإذا حاربت واضطررت للحرب والمواجهة فحارب بعقل وعدل واجعل الباب مواربا للمصالحة.. وإذا صالحت فصالح بعقل حقنا للدماء ومنتظرا جوائز السماء.. وإذا تزوجت فلا تلغ عقلك أمام طوفان عواطفك الجياشة.. وإذا اضطررت للطلاق والانفصال فافعل ذلك بحكمة وتعقل وعدل ولا تنجرف نحو مشاعر الكراهية والخصومة وعش مع قوله تعالى «ولا تنْسوا الْفضْل بيْنكمْ»

• العقل والحكمة والعدل مرغوب فيهم ومطلوبون فى كل الأوقات.. ولكن يبدو أن الحكمة قد غابت عن كل الأطياف المصرية حكومة وأحزابا وإعلاما وحركات إسلامية.. يبدو أن الجميع يريد أن يعطى لعقله وحكمته إجازة.. ويريد الجميع هدم الجميع وهدم كل شىء.

• ولعلك تجد ذلك وتلمسه بجلاء فى «قضية دعاء الشيخ محمد جبريل فى ليلة القدر».. فلا الشيخ جبريل كان مضطرا أن يدعو بهذه الأدعية التى تحمل من الدلالات ما يخفى على كل المتربصين به وبأمثاله وبالحالة الإسلامية عموما فى هذه الظروف المصرية العصيبة والمحتقنة والتى لا تتحمل سوى إعمال العقل والبعد عن مواطن الإثارة والفتنة.

• والشيخ جبريل بخبرته فى الحياة وتجاربه الطويلة فيها كان ينبغى عليه أن يبتعد عن شكل هذا الدعاء الذى يدرك قبل غيره أنه سيؤول لغير صالحه وسيحول بينه وبين الاستمرار فى دعوته ونقلها من مكان لآخر والصدح بصوته الرائع مبلغا ومعلما لكتاب الله.

• وفى المقابل كان يمكن للدولة والأوقاف التغافل عن الدعاء والأمر بالكلية.. وكأن شيئا لم يكن أو معاتبة الشيخ فى صمت وحكمة.. لا أن تثير الأوقاف والحكومة حولها كل هذه الضجة من أنها لا تتحمل أن يعارضها أو يخالفها أو يشير إليها أحد.. وأن صدرها ضيق بأى نقد أو معارضة.. وأنها هشة للغاية بحيث تخاف من أى تصرف ترى فيه شبهة مخالفة لرأيها أو معارضة لسياستها حتى لو كان بمجرد دعاء عام لا يخص أحدا فى مجمله.

• لقد كان آلاف الخطباء والأئمة فى عهد مبارك يدعون بمثل هذه الأدعية وكان من ذكاء نظامه أنه يتغاضى عن هذه الأشياء ويمررها كأن لم تكن.. وبذلك يفقدها الكثير من مفعولها ودلالتها وتربص الآخرين به وبهم وإثارة اللغط حولها.

• إن منع الشيخ جبريل من السفر وإثارة الموضوع وإشعاله بهذه الطريقة يضر الدولة أكثر مما ينفعها ويظهرها بصورة الضعيف الذى يخاف من ظله.. وما حدث مع الشيخ جبريل تكرر أيضا فى موضوع إحالة 1500 متهم فى جلسة الإجراءات إلى المفتى فى سابقة قانونية فريدة لم تحدث بنفس العدد أو الطريقة فى تاريخ مصر كله.. ثم تمخض الأمر فى محكمة النقض إلى 27 متهما كلهم هاربون إلا ثلاثة.. ولكن العالم كله سمع وقرأ وتناقل واحتج وهاج وماج على 1500 إعدام.. ونسى العالم كله أو تناسى أنهم ثلاثة فقط ولم ينفذ فيهم حتى اليوم.

• إذا الحكومة تضر نفسها بنفسها وتسىء إلى نفسها أكثر مما يسىء إليها غيرها.. وتحتاج إلى ربان حكيم وبوصلة دقيقة تدرك بها مصالحها ومصالح الوطن.

• وتكرر هذا الأمر أيضا فى مصادرة أموال اللاعب الشهير الذى يحبه الجميع «أبوتريكة» وكان يمكن معالجة الأمر كله بحكمة ودون ضجيج.. وجلوس أحد المسئولين الكبار مع أبوتريكة لتحذيره من وضع أمواله موضع الشبهات أو استغلالها فيما يضر الدولة أو يسىء إليها وإليه ومواجهته بما لدى الدولة من مستندات أو شكوك وحل المشكلة ببساطة معه.

•وإذا كانت الحكمة والعقل قد ضاعت أيضا من هؤلاء فقد ضاعت من أولئك الذين يصرون فى كل عيد أن يسيروا المظاهرات فى بلد قلق ومتوتر ومشحون ويعانى من إرهاب منظم روع مصر كلها فى شهر رمضان.. ولم يكن هناك أى داع لهذه المظاهرات فى العيد وفى كل عيد لأنها بلا مردود إيجابى على أهلها ولا على أحد ولها مردودات سلبية على الجميع.

• وفى المقابل غابت الحكمة والتعقل والتريث من الذين واجهوا هذه المظاهرات بالخرطوش والرصاص من أماكن قريبة من المتظاهرين فأودى بحياة ستة أشخاص فى يوم العيد.. مع أن هؤلاء يعلمون أن هذه المظاهرات لا ولن تؤثر على الاستقرار فى مصر.. بعد أن فقدت زخمها وسرعان ما تنفض بالماء والغاز.

• يا قوم العالم كله يستطيع فض أقوى مظاهرة بالغاز والماء إلا نحن.. فنصر فى كل مظاهرة أن يكون فيها قتلى.. وهؤلاء يصبحون بعد ذلك وقودا للإرهاب والتطرف وحجة للذين يكفرون ويفجرون.. فأين العقل والحكمة من الطرفين؟!.

• ويلحق بذلك كله تلك الحرب الكلامية التى أشعلت مصر كلها قبل مباراة «القاع بين الأهلى والزمالك».. والتى حفلت بكم لا بأس به من الإثارة والفتنة والسباب والشتائم.. بداية من رؤساء أندية حتى أصغر المشجعين فى تدن لم تشهده مصر من قبل.. والذى ينذر فى حالة أى خلل أو ضعف أمنى إلى كوارث مدمرة.. مع أن كل الفرق المصرية والدورى المصرى مستواه الكروى أقل من أصغر الدول الأوروبية فى كل شىء.

• يا قوم: أين العقل؟! إنه غير موجود.. أين الحكمة؟! ذهبت ولم تعد.. والآن مطلوب عقل جديد وحكمة جديدة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved