تايوان.. «الرقم الصعب» فى معادلة التحول نحو نظام عالمى جديد

العالم يفكر
العالم يفكر

آخر تحديث: الثلاثاء 26 يوليه 2022 - 2:41 م بتوقيت القاهرة

نشر المركز المصرى للفكر والدراسات والاستراتيجية مقالا للكاتب أيمن سمير، يقول فيه إن من سينتصر فى الخلاف الصينى ــ الأمريكى حول تايوان سيعتلى قمة هرم القيادة الدولية. تناول الكاتب أيضا محفزات الصراع وكيف يمكن تجنبه... نعرض من المقال ما يلى.
دخلت الخلافات الصينية الأمريكية مرحلة جديدة من التلاسن والتهديد باستخدام القوة، وذلك لأول مرة منذ اعتراف الولايات المتحدة بالصين عام 1979، كما أن مساحات الخلاف باتت أكبر بكثير من فرص التعاون حيث يختلف البلدان بشدة حول ملفات مثل هونج كونج وشينجيانج وبحر الصين الجنوبى وجزر سينكاكاو وجزر المحيط الهادئ والتبت والملكية الفكرية، ناهيك عن الخلافات التجارية التى لا تنتهى، لكن يظل الخلاف حول جزيرة تايوان هو جوهر التنافس والصراع بين واشنطن وبكين، الأمر الذى يهدد باندلاع صراع شامل يرى البعض أنه سوف يكون العامل الفاصل والحاسم فى ترتيب القوى العظمى فى سلم القيادة العالمية، وأن الطرف الذى سوف ينتصر فى هذه المواجهة المصيرية حول تايوان سيعتلى رأس هرم القيادة الدولية، وهو ما يطلق عليه «فخ ثيوسيديدس».
• • •
تقوم نظرية «فخ ثيوسيديدس» على أن أى قوة صاعدة مثل «الصين» عليها التفوق على القوة المهيمنة كـ«الولايات المتحدة»، لكى تحل محلها على الصعيد الدولى، وخلال آخر 500 عام حلت 16 قوة صاعدة محل 16 قوة كانت مهيمنة، فى 12 مرة منها انتهى الأمر بين الطرفين بالحرب، بينما وصلت فى 4 مرات فقط دول صاعدة إلى قمة العالم دون حرب، وهو ما يعنى أن احتمال نسبة الحرب بين الصين والولايات المتحدة تصل إلى 75 %، بينما خيار عدم الحرب بينهما لا يتجاوز نسبة 25 % فقط، ولذلك قال الجنرال الصينى الكبير شو كى ليان، الذى يحتل المنصب الثانى فى الجيش الصينى أن بلاده مستعدة لمواجهة فخ ثيوسيديدس، ورسم كى ليان خريطة طريق لتجاوز هذا الفخ عندما قال: «فى مواجهة فخ ثيوسيديدس والمشكلات الحدودية، يجب على الجيش زيادة قدرته بسرعة، ويجب أن نحقق اختراقات فى أساليب القتال والقدرة، وأن نرسى أساسا سليما للتحديث العسكرى».
وتجدد الحديث عن اقتراب واشنطن وبكين من الصدام المباشر والوقوع فى فخ ثيوسيديدس عندما تبادل وزير الدفاع الأمريكى لويد أوستن التهديدات مع نظيرة الصينى وى فنغى فى سنغافورة الشهر الماضى حيث قال وزير الدفاع الصينى «إن بلاده ستقاتل بأى ثمن، وستقاتل حتى النهاية، هذا هو الخيار الوحيد للصين لمنع تايوان من إعلان الانفصال… هذا هو الخيار الوحيد للصين».
• • •
رغم إقرار الطرفين الصينى والأمريكى بأن الصراع بينهما ليس فى صالح أى منهما إلا أن هناك مجموعة من العوامل يمكن أن تشكل دوافع للصدام والحرب حتى لو كانت «الحرب بالخطأ»، ومن هذا العوامل ما يلى:
أولا: الاستدارة شرقا
التحول الرئيسى فى العلاقات الصينية الأمريكية جاء عندما أعلن الرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب فى 18 ديسمبر 2017 «استراتيجية الأمن القومى الأمريكى» التى وصفت لأول مرة «الصين وروسيا» كمنافسين استراتيجيين للولايات المتحدة على الساحة الدولية بعد أن كانت استراتيجية الأمن القومى الأمريكى منذ أحداث 11 سبتمبر 2001 وحتى 18 ديسمبر 2017 تعتبر ما يسمى بالإرهاب الراديكالى هو الخطر على الولايات المتحدة، كما أن «الدليل المبدئى» للأمن القومى الأمريكى الذى أعلنه البيت الأبيض فى 3 مارس 2021 تحدث 18 مرة عن خطر الصين بينما تحدث 7 مرات فقط عن خطر روسيا على الأمن القومى الأمريكى، وهو ما يعكس الهاجس الأمريكى من اعتلاء الصين لمكانة الولايات المتحدة فى الساحة الدولية.
ثانيا: تنامى «الأبعاد القومية» لدى الصين وأمريكا
فالخطاب السياسى والاقتصادى الصينى يركز على البعد القومى، ويرى أن القضايا القومية تشكل «المنصة» التى يمكن من خلالها إطلاق توافق صينى ليس فقط فى القضايا الداخلية بل أيضا لمواجهة التحديات الخارجية، ومنها تحدى الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين، وعلى الجانب الآخر تعهد الرئيس جو بايدن بأن تظل أمريكا على قمة العالم والقطب الأوحد ما دام هو رئيس للولايات المتحدة الأمريكية، ولهذا عمل الرئيس بايدن على اتخاذ سلسلة من القرارات ضد الصين ومنها؛ تشكيل تحالف «الأوكوس» فى 15 سبتمبر 2021، والذى يضم مع الولايات المتحدة كلا من أستراليا والمملكة المتحدة، وهو تحالف عسكرى يهدف لمجابهة التفوق الصينى البحرى فى منطقتى المحيطين الهندى والهادئ.
كذلك تعزيز قدرات تحالف «الكواد» الرباعى الذى يضم مع الولايات المتحدة كلا من اليابان والهند وأستراليا، وينظر إليه على نطاق واسع أنه جبهة اقتصادية قوية لنقل الصناعات الاستراتيجية التى تنتجها الصين ويعتمد عليها الغرب مثل «أشباه الموصلات» إلى خارج الصين، وغيرهما من القرارات.
رابعا: الصين والرسائل الخشنة
نتيجة للثقة بالنفس والتقدم الكبير فى الاقتصاد الصينى، وتحقيق نجاحات ضخمة فى المجال العسكرى كان آخرها الشهر الماضى عندما أضافت الصين حاملة الطائرات الثالثة «فوجيان» التى صنعتها بالكامل بتكنولوجيا صينية، نتيجة لكل ذلك بدأت الصين تتحول فى التعامل مع تايوان من «الدبلوماسية الناعمة» القائمة على تشجيع الجزيرة للعودة لحضن الدولة الأم إلى «الرسائل الخشنة» ومنها: التأكيد الدائم بأن تايوان جزء لا يتجزأ من الأراضى الصينية، وتأكيد المسئولين الصينيين فى الاجتماعات الأخيرة مع نظرائهم الأمريكيين وآخرها لقاء وزيرى الدفاع من البلدين فى سنغافورة الشهر الماضى بأن «مضيق تايوان» الذى يفصل الصين عن تايوان هو «مضيق صينى» بامتياز ومياه صينية خالصة، وليس مياها دولية كما تقول واشنطن وحلفاؤها.
كذلك إرسال أسراب من الطائرات العسكرية الصينية للتحليق قرب المياه الإقليمية لتايوان خاصة تلك التى تتزامن مع زيارات مسئولين أمريكيين للجزيرة، وترسل الصين رسالة واضحة وهى أن بكين تستطيع الوصول لأى مكان فوق تايوان رغم الدعم الأمريكى غير المحدود للجزيرة. أخيرا، ترفض الصين أى نوع من التمثيل الدبلوماسى بين تايوان وأى دولة أخرى فى العالم، وقامت الصين على سبيل المثال بطرد سفيرة ليتوانيا اعتراضا على فتح تايوان ممثلية لها فى ليتوانيا فى يوليو 2021 حتى لو كان تحت مسمى «مكتب تايبيه التمثيلى»، كما ترفض الصين أى علاقة دبلوماسية أو تمثيل دبلوماسى رسمى مع تايبيه حتى من جانب الدول التى تعترف بمبدأ «الصين واحدة».
• • •
المؤكد أن كلا من الصين والولايات المتحدة فى حاجة للتواضع السياسى والعمل على مساحات جديدة من المصالح المشتركة، وهى كثيرة، ويكفى الإشارة هنا إلى أن معدلات التجارة بين بكين والولايات المتحدة وصلت عام 2021 إلى 750 مليار دولار، وبين بكين والاتحاد الأوربى 850 مليار دولار، ولو أضفنا حجم الميزان التجارى بين الصين وحلفاء واشنطن الآسيويين مثل أستراليا ونيوزيلاندا واليابان وكوريا الجنوبية سوف نكون أمام أكثر من 2 تريليون دولار بين الصين من جانب، والولايات المتحدة وحلفائها من جانب آخر، وكلها عوامل تشجع على السلام والاستقرار وعدم اللجوء للغة البندقية والرصاص.

النص الأصلى:

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved