انهيار السلطة الفلسطينية سيناريو يجب تلافيه
من الصحافة الإسرائيلية
آخر تحديث:
الخميس 25 يوليه 2024 - 6:40 م
بتوقيت القاهرة
منذ تأليف الحكومة الإسرائيلية الحالية فى سنة 2022، تفاقم الضعف وفقدان الشرعية لدى السلطة الفلسطينية، وذلك على خلفية تنفيذ وزير المالية والوزير فى وزارة الدفاع بتسلئيل سموتريتش خطته المسماة «خطة الحسم»، والتى تهدف إلى حسم الصراع الإسرائيلى الفلسطينى من دون تسوية سياسية، وكذلك نتيجة مطالبات وزير الأمن القومى إيتمار بن غفير بتشديد استخدام القوة ضد الشعب الفلسطينى.
أثار هجوم السابع من أكتوبر والحرب على قطاع غزة غضبا هائلا داخل إسرائيل على «حماس»، وعلى الشعب الفلسطينى بصورة عامة. كما ساهم تصريح نتنياهو «فتحستان هى حماسستان» فى إذكاء الغضب العام الإسرائيلى، الذى يدعم شطب مصطلحات «دولة فلسطينية» و«حل دولتين لشعبين» من القاموس العبرى، هذا التصريح يعزز كل خطوة تُضعف السلطة الفلسطينية.
فى الآونة الأخيرة، اتخذت الحكومة الإسرائيلية سلسلة من القرارات التى تهدف إلى معاقبة السلطة الفلسطينية وإضعافها. وشملت هذه القرارات رفع نسبة الحسومات من أموال الضرائب التى تجمعها إسرائيل شهريا، فى حين تُبذل محاولات لقطع العلاقات بين البنوك الإسرائيلية والبنوك الفلسطينية، وتم منع دخول العمال الفلسطينيين إلى إسرائيل، الذين يعملون فى قطاع البناء، وزاد بشكل ملحوظ عدد الوحدات السكنية التى يتم إنشاؤها فى المستوطنات فى جميع أنحاء الضفة الغربية، وتمت الموافقة على قوننة البؤر الاستيطانية والمستوطنات، كما قررت الحكومة الإسرائيلية سحب صلاحيات من السلطة الفلسطينية فى مناطق «ب»، التى تُعتبر «محمية بالاتفاقات»، ونسبتها إلى نفسها. كما أضاف الكنيست الإسرائيلى إلى هذه الخطوات قرارا يعارض إقامة دولة فلسطينية، بأغلبية 68 عضوا، فى مقابل 9 معارضين.
• • •
إن عمليات إضعاف السلطة ستزيد فى الظواهر الخطِرة التى تشهدها إسرائيل منذ عدة أشهر، والتى تشمل اتساع حلقة العنف وامتدادها نحو وسط الضفة وجنوبها. وتصاعُد الاحتكاكات بين المستوطنين والفلسطينيين، الأمر الذى يُفاقم التوتر فى الضفة الغربية، ويزيد فى دفع الفلسطينيين إلى تنفيذ عمليات يُذكى خطاب الانقسام الإسرائيلى الداخلى. كذلك سيؤدى إضعاف السلطة إلى إحداث توتر فى صفوف عرب إسرائيل، الذين يعتبرون أنفسهم فلسطينيين، والذين امتنعوا، حتى اللحظة، من الاحتجاج والتعبير عن تضامنهم مع إخوتهم خلف الخط الأخضر، والذين من شأنهم الانطلاق فى احتجاجات شعبية.
• • •
فى المقابل، السلطة الفلسطينية لن تنعى نفسها وتعلن انتهاء دورها التاريخى، إذ إن التوتر السائد بين إسرائيل والولايات المتحدة والمجتمع الدولى حيال هذا الأمر سيساعدها على البقاء. لكنها، بصفتها كيانا حكوميا، سيتعين عليها مواجهة تحديات صعبة للغاية، يفرضها عليها الواقع. أمّا على مستوى العلاقات الفلسطينية الإسرائيلية، أو المستوى الإقليمى، أو الدولى، فإن انهيار السلطة سيكون له آثار بعيدة المدى: أولا ستضطر منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية إلى الاعتراف أمام منافسيها الداخليين والدول العربية الداعمة للاتفاقيات بفشل خيارها السياسى. سيمثل الأمر نهاية «رسمية» لعصر أوسلو.
ثانيا: ارتفاع مكانة «حماس» وغيرها من المنظمات الإسلامية فى الإقليم كبديل للسلطات الحالية.
ثالثا: سيكون السعى لتسوية بين إسرائيل والدول الراغبة فى التطبيع، والتى يُعتبر حل المشكلة الفلسطينية دعامة رئيسية تستند إليها هذه الدول، معرض تشكيك كبيرا.
• • •
فى ظل هذا الوضع، ستضطر إسرائيل إلى تحمّل مسئولية الإدارة المدنية فى المدن والبلدات الفلسطينية، التى كانت تحت السيطرة الفلسطينية خلال الثلاثين عاما الماضية، بما ينطوى عليه ذلك من أعباء مالية.
سيكون العبء الاقتصادى الذى ستتحمله إسرائيل ثقيلا. إذ سيتعين عليها، من ضمن أمور أُخرى، التعامل مع ديون السلطة، أو عدم استعداد الجهات المالية الدولية لتزويدها بالائتمان.
ستتسع حرب الاستنزاف المتعددة الجبهات، والتى تديرها إيران ضد إسرائيل، عبر وكلائها، وستشتعل جبهات أُخرى لا تزال نائمة حتى الآن. كما سترتفع الحاجة إلى نشر قوات كبيرة فى الضفة الغربية لحماية الطرقات والمستوطنات والأماكن المقدسة. كذلك سيزداد التوتر فى العلاقات بين الجانبين الإسرائيلى والفلسطينى، وهو ما يعزز العداء ويعقّد فرص التوصل إلى حلّ سلمى مستقبلى.
• • •
ختاما، إن انهيار السلطة الفلسطينية ليس مجرد مسألة محصورة فى العلاقات بين إسرائيل وفلسطين، بل هو قضية إقليمية ودولية. فالدول العربية الرئيسية ومعظم الدول الغربية تشارك فى العمليات السياسية التى تهدف إلى تعزيز اتفاق إسرائيلى - فلسطينى. وعلى الرغم من فشل اتفاقيات أوسلو فى تمهيد الطريق لمناقشة قضايا الحل النهائى، فإنها لا تزال تُعتبر آلية تحافظ على الاستقرار النسبى والحيلولة دون تدهور الأوضاع. هذه السلطة هى بمثابة الخيار الافتراضى هنا، نظرا إلى الجمود الذى آلت إليه العملية السياسية منذ سنة 2009.
لا يزال الوقت متاحا لتجديد الجهود الرامية إلى تعزيز السلطة الفلسطينية وجعلها جهة مسئولة ومستقرة وفعّالة، ملتزمة بمسار الحل السلمى، ومن المهم تذكر التالى: سيكون لانهيار السلطة الفلسطينية تداعيات سلبية على إسرائيل فى المجالات الداخلية والإقليمية والدولية. يجب تجنّب حدوث ذلك، وبصورة خاصة فى ظل الوضع الحالى. على إسرائيل تركيز جهودها على تفكيك وإزالة التهديد الذى تشكله حركتا «حماس» والجهاد الإسلامى فى قطاع غزة والضفة الغربية، وتجنّب التحركات التى من شأنها إضعاف السلطة إلى حد يوصلها إلى الانهيار، أو الفشل الوظيفى، وأن تكسب بطاقة الدخول إلى تحالف أمنى/اقتصادى إقليمى بقيادة الولايات المتحدة، وتمهيد الطريق من جديد لتسوية الصراع مع فلسطينيين معتدلين.
يوحنان تسوريف
معهد دراسات الأمن القومى
مؤسسة الدراسات الفلسطينية