مفكرة الرضا والامتنان
ليلى إبراهيم شلبي
آخر تحديث:
الجمعة 25 يوليه 2025 - 9:40 م
بتوقيت القاهرة
يحدث لمن اعتاد متابعة الدوريات العلمية والمنشورات من الأبحاث ونتائج الدراسات الطبية أن يتمهّل قليلًا أمام الدراسات التى تخرج عن نطاق «العلم للعلم» فتتجاوزه إلى علم يعكس سلوكًا إنسانيًّا أو يمسّ النفس البشرية. صادفتنى دراسة علمية فى دورية مرموقة ذات طابع خاص: الروحانيات فى ممارسة الطب الإكلينيكى (Spirituality in Clinical Practice).
سجّل فريقٌ للبحث العلمى من جامعة كاليفورنيا - سان دييجو الأمريكية نتائج دراسة مهمة عن مشاعر الشكر والإحساس بالرضا والامتنان، وكيف أن لها أثرًا إيجابيًّا ملموسًا على تطور حالتهم الصحية (Heart Failure - Thankfulness).
اعتمدت الدراسة على عمليات تقييم نفسى واختبارات ذهنية لمئتى مريض من مرضى هبوط القلب، وهو المرض الذى تتعدّد فيه الأسباب المؤدية إلى فشل عضلة القلب فى أداء وظيفتها الأساسية فى استقبال الدم وإعادة ضخه فى الشريان الأورطى، ليصل إلى كل أعضاء وأنسجة الجسم عبر الدورة الدموية فى شبكة فريدة التصميم من الشرايين والأوردة.
ركّزت الدراسة على مدى إحساس كل مريض بالرضا رغم مرضه، وعلى الامتنان وتمتّعه بروح معنوية مرتفعة، ورغبة فى الشفاء، وإقبال على الحياة، وتمسّك بها. ورغم أن الدراسة لم تُبنَ أساسًا على تلك الظواهر النفسية، فإنها صُمّمت خصيصًا عند تكرار ملاحظة الأطباء وجود علاقة واضحة بين مستوى الشعور بالرضا والشكر وبين مؤشرات تدهور الحالة الصحية.
طلب الأطباء من مرضاهم الاحتفاظ بمفكرة صغيرة يدونون فيها بانتظام مظاهر إحساسهم بالرضا والشكر وفقًا لتفاصيل حياتهم اليومية. «مفكرة الامتنان» يعرفها جيدًا أطباء علم النفس، فهى إحدى الأدوات التى يلجأ إليها الطبيب النفسى ليعاون مريضه على استعادة الثقة بالنفس، والرغبة فى الحياة، ومشاركة الآخرين تجاربهم الحياتية.
التأمل فى نعمة الشكر، وتقدير ما منحنا الله سبحانه وتعالى من نعم، والذكريات الجميلة التى تجمع الإنسان بأصدقائه، ومشاعر الحب للآخرين، وتضحيات الأصدقاء، والمحطات المختلفة فى حياة الإنسان الناجحة، وهواياته ومدى استمتاعه بها.. كلها مظاهر للامتنان وتقدير لنعمة الرغبة فى الشكر.
استمر الجميع فى تدوين ملاحظاتهم على مدى ثمانية أسابيع، تمّ بعدها تقييم حالتهم الصحية وفقًا للمعايير العلمية. ورصد الباحثون أن الحالات التى تحلّت بمؤشرات عالية ومتفائلة من مشاعر الرضا والامتنان والشكر، كانت أفضل حالًا بصورة ملموسة؛ فقد كانوا أفضل فى جودة النوم، كما رصدت تحاليل الدم لديهم انخفاضًا فى مستوى التفاعلات الالتهابية، وهو أمر مهم فى تطور هبوط القلب. كذلك كانت احتمالات إصابتهم بتفاوت معدل نبض القلب - وهو العرض الذى تزيد معه احتمالات الوفاة - أقل بكثير.
عزيزى القارئ، لا أظننا بحاجة إلى الإصابة بهبوط القلب حتى ندرك أهمية تلك المفكرة التى تُحيى فى النفس الرغبة فى الشكر ومشاعر الامتنان. فإذا كانت قد أحيت فى القلب العليل مؤشرات الصحة، فهل تجدى نفعًا مع القلب المثقل فى تلك الأيام العسرة؟ تجربةٌ، إن لم تنفع، فلن تضر!