القرضاوى والإخوان.. قراءة فى جدلية الشيخ والحركة (4)

حسام تمام
حسام تمام

آخر تحديث: الخميس 25 أغسطس 2011 - 8:31 ص بتوقيت القاهرة

 القرضاوى لدى حركة الإخوان ليس الفقيه والداعية الذى يكتفى بمد الحركة بالزاد الفقهى والدعوى فحسب، بل هو بالنسبة لها أيضا المربى والمؤطر التربوى، وهو وجه لا يقل أهمية فى وجوه القرضاوى، فهو شارك مبكرا فى وضع البناء التربوى والثقافى داخل التنظيم عبر سلسلة مقالات مطولة كتبها لهذا الغرض تحت عنوان «ثقافة الداعية» كانت تنشرها مجلة الدعوة، التى كانت تصدرها جماعة الإخوان فى السبعينيات.

كما كان من أبرز من شاركوا فى عملية التأطير والتكوين لأبناء الجماعة داخل محاضنها التربوية الخاصة مثل لقاءات الأسر والكتائب، وهى لقاءات مغلقة على أطر الحركة.

ثم هو الذى تعمد دوما متابعة الحركة فى مراحل نموها بالنصح والتوجيه وسعى إلى إرشادها إلى الوجهة الصواب فكتب عدة رسائل مهمة كانت كلها تدور حول ترشيد الحركة، من أهمها: الصحوة الإسلامية بين الجحود والتطرف، والصحوة الإسلامية وهموم الوطن العربى والإسلامى، والصحوة الإسلامية بين الاختلاف المشروع والتفرق المذموم، والصحوة الإسلامية من المراهقة إلى الرشد، ومن أجل صحوة راشدة تجدد الدين وتنهض بالدنيا، وأولويات الحركة الإسلامية فى المرحلة المقبلة.. إلى غيرها من مؤلفات ناصحة للحركة، ولكن من داخلها، قد تحمل نقدا ولكنه بروح المحب الحادب عليها.

ووجوه القرضاوى فى حركة الإخوان تتجاوز الشيخ أو العالم الأزهرى إلى المحرض السياسى، الذى يقدم الوقود الدينى لقضايا الحركة السياسية ومعاركها سواء أكانت معارك خاصة بالحركة أو كانت تتصل بالقضايا العامة أو «قضايا الأمة»، التى احتلت قمة أولوياته فيما بعد حين كفّ عن دخول السياسة من باب الحركة الإسلامية الخاص.

لقد شارك القرضاوى فى مقتبل حياته بالخطابة السياسية تأييدا ودعما لمرشحى الإخوان فى الانتخابات البرلمانية التى ترشحوا لها فى أوائل الخمسينيات.

وحين انتقل إلى خارج البلاد وتراجعت أعماله التنظيمية تدريجيا قام القرضاوى بهذا الدور فى قضايا الأمة، التى كان أبرز من تولوا الدفاع عنها وتحريض الناس من أجلها، فاحتلت قضية فلسطين مبكرا اهتمامه، وخطب وحاضر من أجلها فى كل مكان زاره ودافع عن الحقوق الفلسطينية، مؤكدا أنها أرض إسلامية من النهر إلى البحر وأنه لا حل إلا بقيام دولة إسلامية على أرضها عاصمتها القدس، وقال فيها قصائد من الشعر حفظ الناس منها مقطعا يقول فيه: فلسطين بلا قدس.. كجثمان بلا رأس. وكان من العلماء الذين وقعوا على فتوى بأن أرض فلسطين كلها وقف إسلامى لا يجوز التصرف فيه سدا للطريق على التنازلات، التى كان يخشى منها مع بدء العرب مفاوضات مع الكيان الصهيونى، واستمر الرجل يولى اهتماما خاصة بالقضية الفلسطينية باعتبارها قضية الأمة المركزية ودافع عن العمليات الاستشهادية حتى وضعت الولايات المتحدة على قوائم الممنوعين من دخول أراضيها ولاحقه اللوبى الصهيونى فى بريطانيا لمنعه من زيارتها، ثم هو الذى دشن من أجلها مشروعات الدعم المادى والمعنوى، وعلى رأسها مشروع ائتلاف الخير. وربما لم تتفجر قضية تهم الأمة أو الحركة الإسلامية إلا ووقف فيها القرضاوى محرضا يقدم وقود المعركة.

أما الوجه الذى لم يغب دائما للقرضاوى وكان شريكا فى كل وجوهه الأخرى وكان حاضرا فى كل أدواره داخل الحركة الإسلامية فهو وجه الشاعر، فمنذ شرخ شبابه وشعر القرضاوى حاضرا بين أبناء حركة الإخوان، كتب مبكرا ولم يزل طالبا فى المرحلة الثانوية مسرحيته الشهير (عالم وطاغية)، التى يمجد فيها من مقاومة العلماء ــ فى نموذج سعيد بن جبير ــ لظلم الحكام الطغاة ــ فى نموذج الحجاج بين يوسف. كما اشتهرت قصيدته النونية، التى كتبها فى السجن الحربى يصف فيها الأهوال، التى عاناها مع معتقلى الإخوان فى هذا السجن المرعب.

وأثناء حرب الإبادة التى تعرض لها المسلمون فى البوسنة والهرسك كانت فاعليات التضامن، التى تقيمها الحركة الإسلامية لا تبدأ أو تنتهى إلا بإنشاد قصيدته التى يقول فى مطلعها:

أنا عائد أقسمت أنى عائد والحق يشهد لى ونعم الشاهد

وعى القذيفة والكتاب القائد ويقودنى الإيمان نعم القائد.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved