دفاعًا عن قواعد اللعبة

أحمد عبدربه
أحمد عبدربه

آخر تحديث: الأحد 25 أغسطس 2013 - 9:00 ص بتوقيت القاهرة

تمر مصر بمرحلة حرجة ومحبطة ومخيفة، تشهد أراضيها عنفا داخليا لا مثيل له فى التاريخ المعاصر، تسيل دماء أبنائها أنهارا حتى قالت إحدى الزميلات لى مؤخرا إن مصر كلها قد أصبحت فى المشرحة!

الأخطر فى تلك المرحلة أن الأوراق مختلطة بشدة، فمصادر المعلومات مشوشة ومتضاربة بحيث لا يمكنك التوصل الى حقيقة واحدة يستريح إليها ضميرك ويقبلها عقلك حتى تبنى عليها تحليلات أو تتخذ إزاءها مواقف. فى ظل هذه الظروف يقرر الناس عادة اتخاذ موقف محدد والتشدد له ورؤية الحقيقة من منظوره، أنت إذا فى مصر مدعو إما الى أن تنضم الى الدولة فى حربها ضد الإرهاب أو إلى الجماعة فى دفاعها عن الشرعية، بيد أننى وغيرى قررنا أن نخوض الطريق الأصعب، ليس الطريق الوسطى أو الثالث بمعناه التقليدى الذى تم تشويهه عن عمد فى مصر خلال الفترة الفائتة، ولكنه طريق تجنب النفوق فى بحور التفاصيل وحروب الاستنزاف المتواصلة لتعرية الأطراف المتصارعة ووضعها أمام مسئولياتها التاريخية فى بلد ينزف بشدة!

●●●

إن هذا التيار الذى يتشكل ويكتسب تدريجيا أنصارا جددا من مختلف الأجيال والأطياف لا يراهن على تيار القومية المستعرة المتعصبة التى أخذت تطيح بكل الثوابت والمكاسب الثورية بدعوى مكافحة الإرهاب، ولا على تيار الجماعة وحلفائها الذى كان ومازال مسئولا عن ضياع سنوات عديدة من عمر تلك الثورة بلا طائل سوى الفشل والإحباط، ويصر وياللغرابة فى كل مرة يتعرض فيها لضربة أن يبحث عن الظهير الثورى الذى لا يحتاجه إلا فى أوقات الأزمات. إن هذا التيار مدعو فى تقديرى الى الدفاع بكل ما أوتى من قوة عن أجندة مكونة من خمس نقاط تمثل قواعد اللعبة السياسية فى الفترة المقبلة وهى كما يلى:

• الصراع من أجل وضع دستور ديموقراطى بحق، يصاغ بعد مرحلة حوار مجتمعى حقيقى هى بطبعها نتاج تدافع طبقات وتيارات وجماعات سياسية واقتصادية وثقافية، وليست مجرد عملية ينفذها أساتذة القانون الدستورى مع خالص التوقير والاحترام لهم. لابد أن يحافظ هذا الدستور على طبيعة الدولة المدنية وهويتها الإسلامية الوسطية التى تعتبر أقباطها وسائر شعبها مواطنين كاملى الأهلية ويعيد المؤسسة العسكرية إلى مربعها الأصلى حيث الدفاع عن حدود وسيادة الوطن دون التغول على حياة المدنيين بأى شكل، مع احترامه للعملية الديموقراطية وما تحويه الأخيرة من تكتيكات التوازن والفصل بين السلطات وتفتيت مراكز صنع القرار وعدم احتكارها واختزالها فى شخص أو مؤسسة.

• الدفاع عن صياغة القوانين التى تعبر عن الحد الأدنى من مطالب ثورة يناير، فلا تنازل عن تشريع قوانين منصفة بخصوص المجتمع المدنى وحرية تداول المعلومات والحد الأدنى والأقصى للأجور، فضلا عن قوانين حرية الصحافة والرعاية الصحية وغيرها من القوانين المعنية بضبط العلاقة بين المدنيين والعسكريين (المحاكمات العسكرية للمدنيين.. الخ).

• السعى إلى الحفاظ على استقلالية ونزاهة العملية الانتخابية بعيدا عن أى تغول إدارى محتمل للدولة ورفض خوض الانتخابات بالنظام الفردى فقط الذى من شأنه أن يعيد كل موبقات عصر ظننا أنه ولى، حيث تزوير الانتخابات اسهل، وتدمير الأحزاب أيسر، وتهميش الفئات الأقل حظا (الأقباط، المرأة، الشباب) أكثر احتمالا!

• النضال من أجل الحفاظ على تعددية الدولة، فالدول الشمولية لا موضع لها فى التنمية والتقدم حتى لو تمسحت فى ديمقراطية شكلية مؤممة، وهو ما يعنى ضرورة رفض ومقاومة هيمنة المداخل الأمنية لصنع القرار والتأثير على الرأى العام، فتعبير «الارهاب» لا بد من ضبط تعريفه وتحديد محتواه ومداه، والأحزاب ذات المرجعية الدينية لابد أن تبقى فاعلة مادامت ملتزمة بقواعد اللعبة، وإلا أين يذهب الآلاف من أبناء التيارات الإسلامية؟ هل يراد لهم التطرف والاغتراب المجتمعى؟ أم يراد لهم التحول الى قنابل موقوتة للانفجار فى المجتمع لإرضاء فريق سياسى بعينه؟ لا يمكن لفظ هؤلاء مهما اختلفنا معهم فكريا، نعم لا بد أن يتم وضع قواعد لعدم استغلال الدين فى العملية السياسية، لكن المراجع للتاريخ القريب قبل 2011 يعلم جيدا أنه وقت لم يكن هناك أحزاب دينية كان العديد من المرشحين يستخدمون الدين فى دعايتهم الانتخابية، وهو ما يعنى أن وضع الضوابط هو الأوقع من الغاء الأحزاب ذات المرجعية الدينية، هذا بفرض أن الهدف بالفعل هو الحفاظ على قدسية الدين وعدم تشويهه وليس استبعاد واقصاء تيار بعينه!

• وأخيرا لابد أن نسعى لتحقيق سيادة القانون وتحقيق العدالة الانتقالية وليست الانتقائية التى إما أن تحاسب الجميع أو تصمت للأبد! فإما التحقيق النزيه فى كل حوادث القتل والمجازر التى ارتكبت منذ 28 يناير وحتى الآن وإما اغلاق الملف والاعتراف بعدم إمكانية تحقيقه، أما غض الطرف عن فريق ونظام، وتسديد الضربات لفصيل ونظام بعينه واجباره على تسديد فواتير سياسية دون غيره فهو عين الظلم وعدم العدالة التى أنأى بنفسى وبتيار كامل يدعى الليبرالية والمدنية والديموقراطية أن يقبل به.

●●●

لم يعد هناك رفاهية للحديث عن قضايا خلافية أو الدخول فى متاهات الصراع بين الدولة والجماعة، كما لم يعد مقبولا أن يتم تجنيد الغالبية العظمى من ساستنا وصناع قرارنا ونجوم مجتمعنا وقادة الرأى العام من أكاديميين وشخصيات عامة لحساب أجندة أمنية ضيقة، بحيث تحول معظمهم الى أبواق للدولة الأمنية لينضموا الى كتيبة كاملة من الخبراء الاستراتيجيين والعسكريين الذيم ملئوا سمواتنا المفتوحة وجيشوا وعينا العام، بل هو وقت الدفاع وخوض الصراعات السياسية بكل الطرق المشروعة للحفاظ على قواعد اللعبة السياسية التى لم يعد هناك مفر من الدفاع عنها ليس من أجل هذا الفصيل أو ذاك ولكن من أجل ثوابت سياسية فى أى دولة تدعى التحول الديمقراطى ونحن الآن نضيعها تدريجيا فى سكرة ما نعتقد انه دفاع عن أمننا القومى، نعم نحن ندعم جيشنا وشرطتنا ودولتنا فى كفاحها ضد الارهاب المسلح ولكننا لا نقبل أن يكون الأخير غطاء لتغيير قواعد اللعبة السياسية الديمقراطية التى دافعنا عنها طويلا.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved