وأسئلة أخرى .. «غائبة»

أيمن الصياد
أيمن الصياد

آخر تحديث: الأحد 25 أغسطس 2013 - 2:41 م بتوقيت القاهرة

«أسئلة الإخوان الغائبة.. والواجبة»، تحت هذا العنوان وفى هذا المكان عددت قبل أسبوعين ثمانية أسئلة «مفتوحة» حسبتها فى حينه واجبة، وتمنيت يومها ألا تغيب عن المعنيين بها، حقنا للدماء وحفاظا على الوطن. إلا أن الأسئلة التى كانت واجبة، ظلت «غائبة».. ثم كان «للأسف» ما كان.

ثم كان أيضا، بحكم ما جرى أن تركت الأسئلة مكانها لأسئلة أخرى وربما لمعنيين آخرين.

***

• ماذا سنفعل «واقعيا» مع أولئك الذين رأيناهم بأعيننا يرفعون المصاحف، وبعضهم يرفع «السلاح» بعد أن نجحت دعايات التكفير السوداء فى جعلهم يتصورون أنها معركة بين الإسلام ومعارضيه؟ وأن الأمر لا يخرج عن كونه «مؤامرة كونية» للإطاحة بأول رئيس «مسلم» (!) لا تستغربوا، إذ لطالما قيلت هكذا. وربما ها هنا تكمن «الجريمة الحقيقية».

• كيف نُطَمْئِن آلافا من الذين لاقوا الأمرين على أيدى أجهزة أمنية «قمعية» وقت مبارك، إلى أنهم «طالموا التزموا بسلميتهم»، واحترموا حق الآخر فى العيش كما يحب والاعتقاد بما يشاء، فلن يتعرض لهم أحد، مهما أطالوا لحاهم أو قصروا ثيابهم. وأنه لن يكون هناك فى المستقبل «سيد بلال» آخر.

• كيف سنتعامل مع جماعة ذات تاريخ طويل وتنظيم حديدى وأتباع «تابعين» وأنصار «كثيرين»، بعد كل ما جرى.. ويجرى؛ منهم.. «ومعهم». وهل هناك حقا من يعتقد أن عصا الأمن «وحدها» مهما بلغت شدتها أو قسوتها كفيلة «بالعلاج»؟

• كيف سيتداوى المجتمع من كل هذا التوتر، وكل هذه المشاعر السلبية الانتقامية، وكيف سنتعامل مع آثار اجتماعية متوقعة لمشاهد عنف يومية، رخصت فيها الدماء، واعتادها الناس؟

• ماذا سنفعل مع جيش من البلطجية، إن لم يكن هناك من استخدمه، فهو على الأقل قد وجد فى الهرج فرصة لممارسة وظيفته، وتأكيد نفوذه؟

• كيف سنتعامل مع ما تفشى من داء «إدانة الحياد»، وافتراض الجميع المسبق أنه يملك الحقيقة المطلقة، وأن من ليس معى «مائة فى المائة» فهو على الضلال المبين. بعد أن نسينا أن «كلٌ يؤخذ منه ويرد...» رضى الله عن مالك.

• ثم.. أما آن للإعلام (على الناحيتين)؛ مقروءا ومسموعا ومرئيا وعلى الإنترنت، أن يتوقف عن هذا الهزل، والكذب الصراح، والافتراء المفضوح، وانتهاك حقوق الإنسان «حتى لو كان متهما»، والحض على الكراهية والطائفية والإقصاء وهدم الوطن؟

• كيف سنحمى جيلا جديدا حَلم يوما بمستقبل جديد، وأنشد يوما «ارفع رأسك فوق.. أنت مصرى”، كيف سنحميه من مشاعر إحباط كفيل بأن يهدد مستقبلا وقوده بالتعريف هو الأمل.. والحلم؟

• مع كل هذه التحديات والمخاطر الأمنية «الحقيقية»، كيف سيمكننا الحفاظ على حقوق الإنسان التى ينبغى ألا تقبل المساومة؟ وكيف سيمكن الوقوف أمام من سيجد فى تلك المخاطر والدماء مبررا «يُخرسُك به» لإجراءات استثنائية تُعَبد الطريق لدولة قمعية اعتادها، ويتصور أن لا بديل واقعيا لها. وكيف يمكن أن نكبح جماح آلة بوليسية، بعد ما جرى فى كرداسة أو أسوان، أو بعد ما رأيناه فى سيناء من مشهد الأبرياء المقيدة أيديهم من الخلف، مضرجين بدمائهم، بعد أن قتلهم بدم بارد أولئك الذين لم يُعلمهم دعاتهم {أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ} النجم ٣٨

• بعد أن اختلطت الأوراق.. والدماء، وتداخلت الشرعيات.. والأسماء، وانكسرت النصال على النصال، وتعددت مراحل الانتقال (مجلس عسكرى، ثم إخوان، ثم حكومة مؤقتة)، كيف سنتعامل مع  قواعد العدالة الانتقالية الخمس Transitional Justice التى بدونها لا يمكن أن ينجح الانتقال «الحقيقى» والسلمى إلى دولة ديموقراطية حديثة؟ كيف ستكون المحاسبة، ولمن؟ وكيف السبيل إلى إماطة اللثام عن الحقيقة «الكاملة»؟ ومن سنعتبرهم، وسط هذا الاستقطاب «الضحايا الواجب تعويضهم وتكريمهم»، وكيف سيكون فى هذا الجو المضطرب والملتبس، إصلاح «المؤسسات» واردا وفعالا وحقيقيا؟ وكيف سيكون كل ذلك ممكنا بعد أن تستقر أوضاع دستورية تغل يد كل من يفكر فى الارتكان إلى شرعية تستند إلى ثورة؟

• كيف سنكتب دستورا للمستقبل «وللجميع» فى وقت انقسم فيه الناس، ليس فقط فى أحزابهم ومنتدياتهم السياسية، بل وأيضا فى مقاهيهم وبيوتهم وغرف نومهم.

• كيف سنتعامل مع مجتمع دولى، أسير لتجاربه ومعجمه اللغوى، وقيل له بأن سيطرة الإخوان على الحكم فى منطقتنا هو الضمان الوحيد لاستيعاب التشدد الإسلامى من مالى غربا إلى باكستان شرقا. ويعتقد بعض ساسته بأن وجود كتلة سنية قوية تقف أمام إيران الشيعية وحلفائها من شأنه أن يشغل المسلمين بمعاركهم التاريخية، وأن يبرر وجود دولة «يهودية» تقوم على أساس دينى.

***

رغم أهمية هذه الأسئلة التى لا ينبغى لعاقل أن يهرب منها، أو يتجاهل كيف سترسم إجاباتها المفترضة خطوطا فى خارطة مستقبل هذا الوطن، يبقى السؤال الذى أحسبه الأهم على لائحة أسئلة اللحظة «الملتبسة» التى تبدو بعض إجاباتها سرابا يصعب الإمساك به فى حر أغسطس الملتهب.

هل يعنى الرفض لسياسات الإخوان المسلمين «وأجندتهم» وطريقتهم فى الحكم، الانحياز بالضرورة إلى دولة مبارك القمعية البوليسية؟ وبالعكس، هل يعنى رفضك للدولة القمعية أن لا بديل أمامك غير الإخوان المسلمين؟

للأسف هناك على الجانبين من يحاول أن يروج ما فى ذلك من إحباط. وأن يحصر المصريين بين طريقين، ربما لا يريدون أيهما. رغم أن ذلك لم يكن صحيحا أبدا. إذ تُعلمنا دروس التاريخ أن هناك دائما طريقا ثالثا. كما علمنا شبابها الأنقياء أن مصر تستحق الأفضل.

***

وبعد..

فقد كنت فى الطائرة صباح ذلك اليوم؛ الرابع عشر من أغسطس. الذى كانت كل الشواهد تدل بوضوح «رغم أوهام الهتافات» أننا سائرون اليه.. ثم إلى ما بعده. ورغم أن القاعدة البصرية تقول إن الصورة قد تكون أوضح وأكثر تكاملا إذا نظرت إليها من بعيد، إلا أننى لم أكن أتصور أن المشهد الذى بدا معقدا يمكن اختزاله، ولو إلى حين فى خبر واحد فقط. إلا أننى أحسب أن هذا ما كان. فما إن استقر بى المقام مساء هذا اليوم فى الفندق «اللندنى» البعيد، حتى نعى لى الناعى أننى «شخصيا» فقدت اثنين كانا يعتبرانى، مجازا أبا لهما، بل وكثيرا ما التقيتهما معا. ولعلها ليست مفارقة أن أحدهما من «القوات الخاصة»، والثانى من الذين كانوا فى «رابعة».. ولعل فى هذا «مع الإقرار بأن لله الأمر كله؛ من قبلُ ومن بعد»، تلخيصٌ لما كنا قد وصلنا اليه. أو بالأحرى لما أوصلونا اليه..

كما يبقى فى حقيقة أن الدماء ربما قد اختلطت، بعد أن امتزجت قَطْعا بتراب «وطن واحد» أهمية «البحث عن المشترك»، ولعل هذا، إن أذن الرحمن يكون موضوعا لحديث الأحد القادم.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved