هل ستنتعش رأسمالية الكوارث فى بلاد العرب؟

علي محمد فخرو
علي محمد فخرو

آخر تحديث: الخميس 25 أغسطس 2016 - 9:45 م بتوقيت القاهرة

منذ بضع سنين نشرت الكاتبة والصحفية نعومى كلاين كتابها المعنون «مبدأ الصدمة: صعود رأسمالية الكوارث». تؤكد المؤلفة أنه ما إن حدثت كارثة طبيعية كبيرة فى بلد، كإعصار كترينا الشهير الذى ضرب ولاية نيو أورلينز فى جنوب الولايات المتحدة الأمريكية، أو اجتياح واحتلال بربرى غير أخلاقى لبلد، كالاحتلال الأمريكى الاستعمارى التآمرى على العراق، أو أزمة مالية كبيرة، كما حدث فى العديد من البلدان عدة مرات، ما إن حدثت مثل تلك الفواجع الشاملة الموجعة للجميع حتى برزت ظاهرة ملفتة، متماثلة إلى أبعد الحدود، فى تلك الأحوال.

إنها ظاهرة الصدمة الاجتماعية التى تصاب بها كل مكوًنات المجتمع، بحيث يفقد المجتمع توازنه وكثير من قيمه وتصبح لديه قابلية لقبول الكثير مما كان سابقا لا يقبله. هذا السًقم الاجتماعى والنفسى الموجع يجعل المواطنين متلهفين للخروج من آلامهم وأوجاعهم بأيُ ثمن كان.

هنا تأتى قوى رأسمالية الكوارث، بانتهازية لجنى الأرباح، وبلؤم وقسوة لتغيير السياسات والقوانين لصالح الشركات وأصحاب الثروات وضد مصالح الفقراء والمهمًشين.

تعطى نعومى كلاين أمثلة لشرح ما تعنى، ففى نيو أورلينز الأمريكية تهدًمت الكثير من المدارس الحكومية، التى كان التعليم فيها مجانيا. فى الحال تقدم الأغنياء الممولون بغرض بناء تلك المدارس بشرط أن تسًلم تلك المدارس إلى شركات تعليم خاص لإدارتها. كان الهدف السياسى واضحا: تغيير التعليم المجانى الحكومى ليصبح تعليما خاصا مربحا تديره شركات خاصة. وهكذا، وتحت وطأة صدمة الكارثة، جرى تغيير جذرى فى النظام التعليمى، ما كان من الممكن قبوله من قبل المجتمع قبل حدوث الصدمة.

المثال الآخر ما حدث من خصخصة واسعة النطاق لأغلب الخدمات الاجتماعية، من مثل الصحة والتعليم والسًكن ورعاية الأيتام والفقراء والمعوزين المهمًشين، والتى كانت تحمل مسئوليتها الحكومات، وذلك بعد حدوث أزمات مالية أو انقلابات عسكرية أو مؤامرات من قبل استخبارات أجنبية. لقد فرضت خصخصة جائرة فى العديد من بلدان أمريكا الجنوبية وآسيا وأفريقيا وأوروبا الشرقية. لقد قبل مواطنو تلك البلدان حلول الخصخصة تلك اعتقادا منهم بأنها ستخرجهم من الأزمات الطاحنة الصادمة التى كانوا يعيشونها. كان الربح هم الشركات والممًولون من أصحاب الثروات، وكان الخاسر هم المواطنون الذين شيئا فشيئا أصبحوا يعيشون فى ظلً حكومات لا التزام لديها تجاه مواطنيها فى حقول بالغة الأهمية من مثل الصحة والتعليم على الأخص.

***

تذكر الكاتبة بإسهاب شديد أن وراء فلسفة رأسمالية الكوارث التى تستغلُ كل كارثة لصالحها من جهة ولإجراء تغييرات سياسية واقتصادية كبرى فى البلدان المصابة بتلك الكوارث.. إن وراء تلك الفلسفة، تنظيرا واقتراح وسائل وإقناعا لحكومات الغرب ولمؤسسات الضغط المالية الدولية، مدرسة شيكاغو بقيادة الاقتصادى النيوليبرالى العولمى المخاتل والمعلًم لألوف القادة العالميين، الفيلسوف ميلتون فريدمان.

إنه صاحب القول الشهير: «فقط إبان الأزمات والصدمات يمكن إحداث تغييرات حقيقية.. فما كان سياسيا أمرا مستحيلا، يصبح فى الحال أمرا ممكنا. لقد كان هو ومدرسته وراء نهب فقراء نيو أورلينز، وراء الاستشارات المقدمة للطاغية بينوشيه فى تشيلى الأمريكية الجنوبية من أجل خصخصة كل شىء، وراء تلك خلفية لسؤال يطرح نفسه: هل أن الأمر نفسه يحدث فى بلاد العرب التى تواجه أزمتين صادمتين فى آن واحد؟ أزمة هبوط أسعار البترول فى بلدان الغنى البترولى التى إن طالت ستوجد أزمة اقتصادية ومالية هائلة، وأزمة الصراعات الدموية الداخلية فى العديد من الأقطار العربية التى دمرت البنيات الحياتية والعلاقات الاجتماعية وتنذر بكوارث مستقبلية لا يستطيع أحد أن يتنبأ بمداها وحدًتها؟

هل أن الفكر النيولبرالى الرأسمالى الانتهازى لمدرسة شيكاغو سيجد لنفسه مكانا وأنصارا يستغلُون الأوضاع العربية البائسة أو المأزومة ليجنوا الأرباح من جهة وليمرًروا سياسات واستراتيجيات تؤدى إلى تخلى الحكومات عن مسئولياتها الاجتماعية والدول عن التزاماتها الإنسانية؟

لنتذكر أن ميلتون فريدمان لم يكن عرًابا أمريكيا فقط. لقد كان عرابا عولميا له أنصار ومريدون فى كل العالم، بما فيها بلاد العرب. إنً موته منذ بضع سنوات لم يمت مدرسته ولا فكره الانتهازى. إنه فكر يتلاءم تماما مع النيوليبرالية العولمية أينما تكون، وهى موجودة بقوة فى أرض العرب.

هناك حاجة لفضح ذلك الفكر وأساليب عمله الشيطانية قبل أن يصبح أداة فى أيادى من يريدون دمارا للسياسة وللاقتصاد فى أقطار الوطن العربى المنكوبة أو المأزومة.

إنها مهمة تاريخية وجودية.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved