أزمة كشمير لا تتعلق بالأرض.. ولكن بانتصار الهندوس على الإسلام

صحافة عالمية
صحافة عالمية

آخر تحديث: الأحد 25 أغسطس 2019 - 10:45 م بتوقيت القاهرة

نشرت صحيفة The Washington Post مقالا للكاتب Kapil Komireddi يتناول فيه بالتحليل أزمة كشمير والسيطرة الهندوسية على الهند ونعرض منه ما يلى:

لمدة أسبوعين، كانت كشمير، المنطقة الوحيدة ذات الأغلبية المسلمة فى الهند، فى حالة غياب تام عن الوجود. منذ أن ألغى مرسوم رئاسى الدولة، وألغى الحكم الذاتى وقسمها إلى منطقتين تداران فيدراليا، تم إغلاق الإنترنت، وتم تعطيل شبكات الهواتف المحمولة، وحتى الخطوط الأرضية. التجمع العام محظور، والمواطنون خاضعون لحظر التجول. تمركز جندى خارج كل منزل فى بعض القرى. لقد انفصل ثمانية ملايين شخص عن العالم وعن بعضهم البعض. نفدت الأدوية من الصيدليات، وعانت الأسر من نقص شديد فى الأغذية، والمستشفيات ممتلئة بالمصابين. ويصر ناريندرا مودى، رئيس وزراء الهند، على أن كل هذا لصالح شعب كشمير.
إن استيلاء مودى المفاجئ على كشمير هو تحقيق لهدفهم الأيديولوجى والذى يتمثل فى جعل سكان معظمهم من المسلمين يستسلمون لرؤيته لأمة هندوسية متجانسة. إنها أيضًا رسالة إلى باقى المناطق فى الهند ــ اتحاد الدول المتنوعة بشكل مثير للدهشة ــ أنه لا أحد معفى من القوة الهندوسية التى يريد أن يبنى عليها فى شبه القارة الهندية. كشمير تمثل تحذيرا ونموذجا: وأى دولة تنحرف عن هذه الرؤية يمكن إخضاعها لدلهى تحت اسم «الوحدة».
إلى أولئك الذين يعتقدون أن مثل هذا اليوم لن يأتى أبدا ــ وأن المؤسسات الديمقراطية فى الهند واحترام الأقليات سينتصرون – والذين لم يخطر ببالهم مطلقا أن شخصًا مثل مودى سيتولى قيادة البلاد يومًا ما. كان مودى من المنتظر أن يسجل فى التاريخ باعتباره شخصا متطرفا ومتعصبا. فبصفته رئيس وزراء لولاية غوجارات المعين، كان شاهدا على أفظع المذابح الجماعية بحق المسلمين فى تاريخ الهند الحديث فى عام 2002، عندما تم ذبح ما يقرب من حوالى ألف مسلم، من قبل الهندوس.. واتهم البعض مودى بالتحريض على الفوضى، فى حين رأى آخرون أنه غض الطرف عن المذبحة.. وتسببت هذه المذبحة فى جعله منبوذا: حيث شبهه الهنود الليبراليون بهتلر، وسحبت الولايات المتحدة منه تأشيرة الدخول لأراضيها، وقاطعته بريطانيا والاتحاد الأوروبى.
لكن مودى عزز شعبيته بين الهندوس فى الهند، وهم أغلبية دينية مستاءة بشدة من حكم المسلمين على مدى قرون طويلة. واعتمد مودى على ثلاث وسائل لتعزيز شعبيته ودفع صعوده. الأول كان السادية.. وفى مؤتمر له فى عام 2007 وبعد مقتل رجل مسلم فى حجز الشرطة، على سبيل المثال، ردد مودى قائلا «إذا كانت بنادق AKــ57 تم العثور عليها فى منزل شخص... ألا يجب أن أقتله؟»، (وهتفت الحشود:« اقتلهم! اقتلهم!»)، والثانى كان «الشماتة»، فى عذاب الأقليات العزل: ففى تجمع حاشد سابق فى عام 2002، كان مودى يتحدث عن مصير المسلمين الذين شردتهم أعمال الشغب الأخيرة فى جوجارات، متسائلا: «ماذا علينا أن نفعل لهم؟ هل نشغل معسكرات الإغاثة لهم؟ هل نفتح مراكز لإنتاج الأطفال؟»، وثار جمهوره بالضحك. وقال «علينا أن نلقن درسًا لهؤلاء الذين يزداد عددهم بمعدل ينذر بالخطر». وكان الأسلوب الأخير هو «الشفقة على الذات»، وهى رخصة للهندوس لكى يعتبروا أنفسهم الضحايا الحقيقيين. وقال للبرلمان إن الهند كانت دولة مستعمرة لأكثر من ألف عام.
***
منذ انتخابه عام 2014 لرئاسة الوزراء، كان تعصبه ضد المسلمين وسيلة لتأكيد الذات. نادرا ما يعترف رئيس الوزراء بقتل الأقليات. نادرا أن يدين مثل هذه الحوادث ضد الأقليات. لم يسبق له أن ذكر، بالاسم، المسلمين الذين ذبحهم الأصوليون الهندوس. وهذا ليس من قبيل المصادفة. إنها خطوة صغيرة من السماح للهندوسيين بإخضاع جيرانهم المسلمين، باستخدام سلطة الدولة، كما فعل الآن فى كشمير.
انضم مودى فى شبابه إلى معسكرات تدريب «راشتريا سوايامسيفاك سانغ»، وهى مجموعة شبه عسكرية يمينية احتضنت السياسة الحديثة للقومية الهندوسية. يقدم المعسكر «للمتطوعين» الشباب مجموعة واسعة من الأشرار المفترضين الذين سلبوا الهند وقهروها على مر العصور ــ الغزاة الإسلاميون فى العصور الوسطى، والسكان، مثل: غاندى وحزب المؤتمر الذى قاده، والقوميون المسلمون الذين شوهوا الهند لإنشاء باكستان ــ ويحثهم على التخلص من عجزهم الهندوسى. وكان التأثير على عقل مودى الصغير قويا لدرجة أنه اعتبر هذه الحركة بمثابة عائلته، وتخلّى عن زوجته ووالدته، وتجوّل عبر الهند كرجل دين للقضية الهندوسية القومية.
***
من خلال الاستيلاء على كشمير، قام مودى بتهدئة الناخبين من القومية الهندوسية وأرسى نفسه كأب لما يسمونه بفخر «الهند الجديدة». حيث كانت كشمير دائمًا على رأس قائمة رغباتهم، والتى تتضمن أيضًا بناء معبد فى أيوديا، حيث وقف المسجد لمدة نصف عام قبل أن يزيله القوميون الهندوس فى عام 1992، ومحو الامتيازات الصغيرة الممنوحة للأقليات (مثل إعانة الحج إلى مكة المكرمة) نهاية قانونية للتحويلات الدينية من قبل الهندوس؛ تقييد الزواج بين الأديان، وخاصة عندما تكون العروس هندوسية ومسلمة.. وفى النهاية، إعادة صياغة الدستور لإعلان الهند دولة هندوسية رسمية.
لكن هل يمكن للهند، أكثر المجتمعات غير المتجانسة على وجه الأرض، أن تنجو من صعود أغلبية كهذه؟ فى خطابه الافتتاحى الذى ألقاه أمام أول جمعية منتخبة لكشمير فى عام 1951، حدد الشيخ عبدالله، الاشتراكى الذى يتمتع بشعبية كبيرة والذى دافع عن انضمام كشمير إلى الهند، الخيارات أمام الكشميريين. وأوضح أن التزام الهند بـ «الديمقراطية العلمانية القائمة على العدالة والحرية والمساواة» يدحض «الحجة القائلة بأن مسلمى كشمير لا يمكن أن يتمتعوا بالأمن فى الهند». وقال الشيخ عبدالله إن دستور الهند «نبذ بشكل واضح ونهائى مصطلح الدولة الدينية والذى هو بمثابة عودة إلى العصور الوسطى».
لقد ندد الشيخ عبدالله بباكستان، وهى حكومة شبه دينية خاضت حربًا فى عام 1948 للاستيلاء على كشمير، باعتبارها «دولة إقطاعية». لكن مهاجمته لباكستان كانت بمثابة تذكير للهند بأن العلمانية كانت الشرط الذى لا يمكن التفاوض عليه بشأن ولاء كشمير. وقال إن الكشميريين «لن يقبلوا أبدًا مبدأ يسعى إلى دعم مصالح دين معين أو مجموعة اجتماعية معينة ضد دين آخر». وكانت هذه الجملة موجهة ضد باكستان.. أما الآن أصبح الأمر ينطبق على الهند.
إن الهند التى توقفت عن أن تكون علمانية ستفقد إلى الأبد حجتها بشأن كشمير. الهدوء المفروض حاليا على المنطقة يخفى الغضب العميق الذى ينتظر أن ينفجر. إن إساءة استغلال كشمير والسيطرة عليها والتى يبررها مودى كـ «تكامل» قد تكون، إذا لم يتم مواجهتها والتصدى لها، بداية النهاية لوحدة الهند.

إعداد: ريهام عبدالرحمن العباسى
النص الأصلى:من هنا

 

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved