مقدمات ونتائج زيارة رئيس وزراء العراق لواشنطن

رخا أحمد حسن
رخا أحمد حسن

آخر تحديث: الثلاثاء 25 أغسطس 2020 - 6:50 م بتوقيت القاهرة

قام رئيس وزراء العراق مصطفى الكاظمى، يرافقه وفد رفيع المستوى يضم وزيرى الخارجية، والدفاع ــ بزيارة إلى الولايات المتحدة الأمريكية فى الفترة من 19 إلى 20 أغسطس 2020، وذلك بعد أشهر قليلة من رئاسة الكاظمى للحكومة التى تولاها فى مايو 2020. وقد حرص الكاظمى قبل توجهه إلى واشنطن على الالتقاء والتشاور مع الفصائل السياسية العراقية على مختلف اتجاهاتها السياسية والمذهبية والعرقية وذلك بهدف أن يكون لديه إلمام كاف بآخر تطورات الأوضاع الداخلية فى العراق من ناحية، وأهم مطالب كل من هذه الفصائل من ناحية أخرى.
وقد استمع الكاظمى فى لقاءاته مع الكتل السياسية الشيعية خاصة المرتبطة بإيران إلى ضرورة التأكيد خلال الزيارة على وضع جدول لانسحاب القوات الأمريكية من العراق، وكان صوت الميليشيات المسلحة المرتبطة بالحشد الشعبى العراقى عاليا فى رفضه القاطع لوجود القوات الأمريكية فى العراق. وكان البرلمان العراقى قد أصدر قرارا فى يناير 2020 بإخراج هذه القوات من العراق عقب عملية اغتيال قائد فيلق القدس الإيرانى الجنرال قاسم سليمانى، ومعه نائب رئيس الحشد الشعبى العراقى أبو مهدى المهندس بصاروخ أمريكى قرب مطار بغداد الدولى.
أما الكتل الأخرى ومعظمها من الأكراد فيرون استمرار التعاون مع القوات الأمريكية الموجودة فى العراق لمحاربة المنظمات الإرهابية خاصة داعش، والمساعدة فى استكمال تدريب الجيش العراقى إلى أن يتحقق الأمن والاستقرار والقدرة على مواجهة المخاطر الخارجية، والحد من التوغل الإيرانى فى الشئون الداخلية العراقية.
كما أثارت زيارة خليفة قاسم سليمانى فى قيادة فيلق القدس الإيرانى الجنرال إسماعيل قانى، إلى بغداد يوم 17 /8 /2020 ولقائه مع رئيس الوزراء الكاظمى قُبيل سفره إلى واشنطن، عدة تكهنات وما قد تبعثه طهران من رسائل إلى واشنطن فى ظل ظروف بلغ فيها التوتر مداه بينهما، خاصة أن واشنطن تسعى بدأب لدى مجلس الأمن الدولى من أجل تجديد قرار حظر تصدير الأسلحة إلى إيران والذى ينتهى العمل به فى 18 أكتوبر 2020 وفقا لما تم الاتفاق عليه فى الاتفاق النووى الدولى مع إيران والذى انسحبت منه واشنطن فى عهد الرئيس ترامب والذى يطالب باتفاق نووى جديد يشمل الصواريخ الباليستية وشروطا أخرى. والمثير فى هذا الأمر أن الرئيس ترامب صرح بأنه إذا فاز فى انتخابات الرئاسة الأمريكية فإنه سيعقد اتفاقا مع كل من كوريا الشمالية، وإيران. وفى ظل كثرة التكهنات بمضمون اللقاء بين الكاظمى والجنرال قانى، صرح الكاظمى بأنه لا يقوم بمهمة ساعى البريد بين طهران وواشنطن.
ومع ذلك فقد كان موضوع إيران ــ ولو من زوايا أخرى ــ من الموضوعات المهمة على جدول أعمال المباحثات بين الكاظمى وترامب، وبين وزيرى خارجية العراق وأمريكا، لما لإيران من تأثير كبير فى الشئون الداخلية العراقية، وخاصة عن طريق الحشد الشعبى وحزب الله العراقى، وكيف يمكن العمل على الحد من هذا التأثير الذى ترى أمريكا أنه سيئ ومثير لعدم الاستقرار.
وقد حرصت إيران على القيام بتجربة إطلاق صاروخ باليستى أثناء وجود الكاظمى فى واشنطن، كما قامت الميليشيات المسلحة فى العراق بعدة عمليات مسلحة على معسكرات وقوافل الإمدادات المدنية لقوات التحالف الدولى الذى تقوده الولايات المتحدة فى العراق.
***
ومن ثم يمكن إيجاز البنود التى تناولتها زيارة الكاظمى لواشنطون فيما يلى:
• الحوار الاستراتيجى فى جلسته الثانية حيث جرت الجلسة الأولى يونيو فى 2020. وقد تم خلاله بحث وجود القوات الأمريكية فى العراق والتعاون المشترك وفقا للاتفاقية الاستراتيجية بين البلدين بهدف بناء القدرات الدفاعية العراقية، وتقديم المساعدات الأمنية من أجل تحسين أمن واستقرار العراق ومنع عودة ظهور داعش والتنظيمات الإرهابية الأخرى.
ويلاحظ وجود تباين فى رأى الجانبين بالنسبة لوضع القوات الأمريكية فى العراق، فبينما تهرب كل من الرئيس ترامب ووزير خارجيته بومبيو من الحديث عن موعد محدد لانسحاب القوات الأمريكية، وقول ترامب أن وجودها سينتهى عندما تصبح الحكومة العراقية قادرة على حماية أمنها الداخلى والخارجى، وأن وجود هذه القوات مرتبط بمحاربة داعش ضمن قدرات التحالف الدولى، وحذر من الرد بقوة على من يعتدون على هذه القوات.
• العلاقات الاقتصادية، سواء فى مجال النفط، أو الكهرباء حيث يعانى العراق عجزا كبيرا فى الطاقة الكهربائية ويلجأ إلى إيران للمساعدة، وقد اتفق الوفد العراقى مع إحدى الشركات الأمريكية على مشروعات للطاقة الكهربائية بنحو مليار دولار أمريكى. وكذلك الاتفاق على تشجيع الاستثمارات الأمريكية فى العراق حيث يواجه أزمة اقتصادية ومالية حادة للغاية.
• التعاون الأمريكى العراقى فى المجال الصحى، وخاصة فى مواجهة أزمة كورونا وتداعياتها الاقتصادية والاجتماعية، والعمل على إنتاج أمصال للوقاية من فيروس كورونا المستجد.
• اهتمام الجانب الأمريكى بضمان حقوق الأكراد العراقيين وعلاقاتهم المالية والاقتصادية مع الحكومة المركزية فى بغداد، والإشارة إلى اهتمام واشنطن بالتحدث مع تركيا بشأن غاراتها على الأكراد فى شمال العراق خاصة أن واشنطن على علاقة جيدة بكل من تركيا والأكراد ــ على حسب قول ترامب ــ وأنهم على ثقة أن الحكومة العراقية قادرة على إدارة شئون العراق، وأن واشنطن تقدم المساعدة فقط. وأكدت واشنطون على ضمان حقوق واحتياجات الأقليات الدينية المضطهدة بما فى ذلك المسيحيون والأيزيديون، وتمكينهم من التعبير عن معتقداتهم الدينية وممارستها بحرية ودون اضطهاد.
• علاقات العراق مع جيرانه وأهمية التوسع فى هذه العلاقات على عدة مستويات وذلك من أجل مواجهة نفوذ إيران المزعزع للاستقرار. ومن اللافت للانتباه تصريح كريستن جيمس، المتحدث باللغة العربية باسم الخارجية الأمريكية، بأن كثيرا من أفراد الطبقة السياسية العراقية عملاء لإيران، ودمى تحركهم على هواها. وأن المظاهرات الشعبية التى اندلعت فى معظم المدن العراقية كانت ضد الهيمنة الإيرانية فى العراق حيث تعمل طهران بصفة مستمرة من أجل السيطرة على كل جوانب الحياة السياسية والاقتصادية، وتشعل التوترات، وتساهم فى أعمال العنف.
• عرض الجانب الأمريكى مساعدة الحكومة العراقية فى إجراء الانتخابات المبكرة التى وعد الكاظمى بإجرائها فى 6 يونيو 2021، وتوفير الأمن والاستقرار والمناخ المناسب لأن تكون انتخابات حرة ونزيهة وبعيدة عن العنف.
***
ولاشك أن تطورات الأوضاع فى منطقة الخليج كانت حاضرة فى المباحثات بين الجانبين سواء العلاقات المتوترة بين معظم دول مجلس التعاون الخليجى وإيران، أو بين أعضاء المجلس وبعضهم البعض، والتطور الأخير بشأن الاتفاق على تطبيع العلاقات بين دولة الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل وما أثاره من ردود أفعال متباينة فى دول الجوار العراقى سواء تركيا وإيران أو السعودية والكويت وغيرها فى اتجاهات مختلفة، ويلاحظ عدم تسرب أى معلومات حول هذه الموضوعات حيث أن لدى الحكومة العراقية ما يكفيها من قضايا داخلية وخارجية.
ولم ترض فصائل المقاومة العراقية بما أسفرت عنه الزيارة من نتائج خاصة فيما يتعلق بوجود القوات الأمريكية فى العراق، فأصدرت بيانا أعربت فيه عن غضبها من هذه النتائج وهددت بأنها ستعمل على مواصلة التصعيد واستهداف القوات والمصالح الأمريكية فى العراق.
وقد حاول الكاظمى توجيه رسائل تهدئة من واشنطون بتأكيده حرص حكومته على حماية أكراد العراق ضد أى اعتداء خارجى وفقا للدستور العراقى. وأن العلاقات جيدة جدا بين بغداد وواشنطن، والتطلع للعمل معا لبناء العراق ومستقبله الاقتصادى. كما حاول تهدئة الموقف بالنسبة لوجود القوات الأمريكية فى العراق بقوله أنه سيتم إعادة جدولة وجودها، وإعادة انتشارها خارج العراق، وهو أمر كان مهما للغاية فيما صدر عن كل من ترامب ووزير خارجيته ووزير دفاعه بما يشير إلى أن الموضوع ما يزال مفتوحا للحوار لأنه فى نهاية الأمر مرتبط بعدة أمور منها التوتر بين واشنطون وطهران والحرب الدبلوماسية والاقتصادية التى تشنها أمريكا على إيران، وأيضا استمرار الأزمة السورية واعتبار وجود القوات الأمريكية فى العراق مرتبط بوجود قوات أمريكية رمزية فى سوريا، وأيضا موضوع توحيد السلاح فى العراق فى يد الدولة وما يلقاه هذا الموضوع من مقاومة شديدة من جانب الميليشيات المسلحة وحزب الله العراقى، وكذلك بقايا داعش وغيرها من التنظيمات الإرهابية حيث أن قوات التحالف الدولى بقيادة القوات الأمريكية لم تقض تماما على داعش وغيره، ولا يبدو أن ذلك سيتحقق على المدى القصير، إما لرغبة أمريكا فى أن تظل داعش مصدر عدم استقرار يستدعى بقاء قواتها، وإما أن داعش متوغل وله حاضنة سكانية فى العراق تجعل من الصعوبة بمكان تصفيته كلية.
وقد حرصت واشنطن على أن يكون تسليم قاعدة التاجى العسكرية القريبة من شمال بغداد والتى كانت مقرا لقوات التحالف الدولى بقيادة الولايات المتحدة، وأيضا معسكر لتدريب نحو 45 ألف جندى عراقى على مدى نحو ثمانى سنوات، عقب عودة الكاظمى من واشنطون مباشرة وتسمية هذا التسليم بأنه انسحاب لتخفيف حدة الانتقادات لنتائج الزيارة وإظهار أن واشنطن على استعداد للتجاوب مع المطالب العراقية. بينما ما حدث فى حقيقة الأمر هو إعادة انتشار للقوات الأمريكية بنقلها إلى قاعدة أخرى داخل العراق فى إطار عملية اختصار عدد القواعد الأمريكية وأبعادها قدر الإمكان عن المناطق السكانية المكتظة وقد تم ذلك فى نحو سبع قواعد أخرى خلال السنوات الأخيرة.
***
إن العراق سيبقى لفترة قد تطول بين شقى الرحى تتجاذبه إيران بحكم الجوار والتغلغل فى داخل العراق عن طريق كتل سياسية شيعية وميليشيات مسلحة وعلاقات اقتصادية وتجارية وسكانية ودينية، وبين الولايات المتحدة التى تعمل بكل جهد على الحد من الوجود الإيرانى فى العراق من خلال دورها العسكرى فى توفير الحماية الجوية للعراق إلى أن يشتد عود قواته كما أوضح ترامب، ولكن العراق سيبقى لفترة غير قصيرة فى حاجة إلى كلا الطرفين المتصارعين على أرضه رغم الغضب الشعبى تجاه كليهما. ويشير اهتمام واشنطون بالزيارة إلى رغبتها فى دعم حكومة الكاظمى التى تحاول أن تضع قواعد قانونية وأمنية على الحدود مع إيران وتسعى لتوحيد السلاح فى يد الدولة. ولكن هل يمكن أن تستمر بعد الانتخابات العراقية القادمة فى يونيو 2020؟ إنه أمر مفتوح لعدة احتمالات تتوقف على مواقف الكتل السياسية بعد هذه الانتخابات.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved