ما أضافه الإسلام للقيم العربية

علي محمد فخرو
علي محمد فخرو

آخر تحديث: الأربعاء 25 أغسطس 2021 - 8:55 م بتوقيت القاهرة

تحدثنا فى مقال منذ ثلاثة أسابيع عن أزمة القيم، وعلى الأخص الأخلاقية، التى تجتاح العالم كله، بما فيها بلدان الوطن العربى. وبينا أهمية أن يقوم المفكرون والمثقفون والإعلاميون وقادة المؤسسات المدنية العرب بمواجهة تلك الأزمة، سواء على مستواها العالمى المشترك أم على مستواها الخاص العربى.
واقترحنا أن تكون معالجة الموضوع القيمى، قبل الانتقال إلى طرح مواجهة الأزمة، على مستويات أربع: مخزون التراث التاريخى القيمى، المنظور الإسلامى للقيم، حاضر الواقع القيمى فى بلاد العرب، وأخيرا إشكالية قيم الحضارة العولمية والموقف منها. وقد ناقشنا المستوى الأول، القيم التراثية العربية التاريخية، فى مقال منذ أسبوعين. اليوم سننتقل إلى المستوى الثانى: المنظور الإسلامى للقيم. وهذا موضوع كبير متشعب للغاية، ولكنه بالغ الأهمية.
بداية يحتل موضوع القيم الأخلاقية والسلوكية والاجتماعية حيزا كبيرا وبارزا فى القرآن الكريم والأحاديث النبوية والتراث الفقهى. من هنا قول بعضهم بأن الإسلام هو عقيدة وشريعة وأخلاق، مضيفين الأخلاق لمركزيتها فى هذا الدين. ولأن التراث الإسلامى مكون أساسى وتاريخى للثقافة العربية، فإنه يهم كل العرب، مسلمين ومسيحيين وأتباع أية ديانة أخرى.
لو أخذنا بعضا من الإشارات إلى القيم التى جاء ذكرها فى القرآن والأحاديث لتبين مدى تنوعها وتفاصيل تطبيقاتها. فى القرآن الكريم يشار إلى: «الذين ينفقون فى السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس»، أو «شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى»، أو «ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر»، أو «ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتى هى أحسن»، أو «ووصينا الإنسان بوالديه حسنا»، أو «إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذى القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر»، أو «لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم»، أو «ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب»، أو «اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا»، أو «وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم»، أو «إن الحسنات يذهبن السيئات»، أو «ولا تزر وازرة وزر أخرى».
وفى الأحاديث النبوية إشارة إلى: «اتقوا الظلم.. واتقوا الشح»، أو «الحياء من البر»، أو «البر حسن الخلق»، أو «الكلمة الطيبة صدقة»، أو «آية المنافق ثلاث، إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا عاهد غدر»، أو «المفلس من أمتى من يأتى يوم القيامة بصلاة وصوم وزكاة ويأتى وقد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا».
مثل تلك الإشارات فى عوالم القيم الإسلامية كثيرة، ولن يكفيها مقال. لكن تمعن البعض فى ماهية القيم الكبرى التى تحكم كل هذه القيم الفرعية قادهم إلى أنها فى قيمة الحق وما يماثله من القسط والميزان والعدل، وفى قيمة تزكية النفس لتسموا روحيا وسلوكيا، وفى قيمة، العمران التى تتطلب وجود أنظمة سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية عادلة ومتوازنة تؤدى إلى العمران والبناء وتمنع ما يؤدى إلى الهدم والخراب.
ولأن تلك الإشارات والتوجيهات، تحكمها ممارسة التعبد والتدبر أصبح موضوع الإيمان الدينى، وليس بالضرورة الإسلامى، جانبا مفصليا فى عوالم القيم، إيمانا وتطبيقا. وهذه نقطة محورية عندما ندرك أن كثيرا من الكتابات حول أزمة قيم العصر الذى نعيش تكمن فى الهيمنة التامة لقدرات الإنسان المادية على حساب جوانبه الروحية والضميرية، وبالتالى حتى النفسية والعقلية.
وهكذا فمثلما طالبنا بتحفيز الوعى بالقيم التراثية التاريخية، لأخذ الصالح ورفض السلبى منها من قبل شابات وشباب العرب، فإننا نعتقد بالأهمية القصوى لتحفيز الوعى بهذا الكنز من القيم. ذلك بالغ الضرورة فى زمن الأزمة القيمية المستفحلة فى عصرنا الذى نعيش، وفى عصر التراجعات الكبرى فى الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التى تعيشها كل أجزاء الوطن العربى والتى تقترب عند البعض من السقوط الحضارى التاريخى المذهل.
مفكر عربى من البحرين

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved