التغريبة الإخوانية الثالثة

محمد موسى
محمد موسى

آخر تحديث: الأربعاء 25 سبتمبر 2013 - 8:30 ص بتوقيت القاهرة

ولدت «الإخوان» كحالة غامضة على يد «الأستاذ» البنا فى 1928، وها هى تتحول إلى حالة أكثر غموضا بعد خروجها من الشرعية بحكم القانون. البنا قدم أوسع تعريف فى التاريخ لحركة دينية سياسية، عندما قرر فى مؤتمرها السادس، يناير ١٩٤١، أن الإخوان «دعوة سلفية، وطريقة صوفية، هيئة سياسية، جماعة رياضية، رابطة علمية ثقافية، شركة اقتصادية، فكرة اجتماعية».

لكن الجماعة الصاعدة أصبحت تملك ميليشيا عسكرية، وفى ديسمبر 1948 قرر فهمى النقراشى رئيس الوزراء حل الجماعة بناء على مذكرة من عبدالرحمن عمار وكيل وزارة الداخلية، اتهمت الجماعة بأنها «لم تتورع أن يمتد خرابها إلى القضاء الذى ظل رجاله فى محراب العدل ذخرا للمصريين، بقتل القاضى أحمد الخازندار عن طريق سكرتير الشيخ حسن البنا». وبعد أقل من شهر لقى النقراشى مصرعه على يد طالب إخوانى.

تكرر السيناريو مرتين مع عبدالناصر، الذى تعاملت معه الجماعة على أنه «عضو قديم» يجب أن يكون مطيعا، وانتهت أزمة الإخوان مع عبد الناصر 1954 بصدام عنيف، وأمر جديد بحل الجماعة باعتبارها حزبا سياسيا. وقالت المذكرة التفسيرية للقرار إن الإخوان «حاولوا الحصول على مكاسب سياسية، مستغلين سلطان الدين على النفوس وبراءة وحماسة الشبان المسلمين ولم يكونوا فى هذا مخلصين لوطن أو لدين».

حكم الأمور المستعجلة أمس الأول كان مفاجأة للقانونيين، لأنه جاء من محكمة غير مختصة فى رأى معظم الخبراء، لكن الحيثيات حملت أكثر من مفاجأة سياسية، منها أن «تنظيم جماعة الإخوان والذى أنشأه حسن البنا عام 1928 اتخذ الإسلام غطاء وستارا».

اتخاذ الإسلام ستارا كان أيضا هو المعنى الأساسى فى قرارى الحل السابقين، وفى المرات الثلاث ترد الجماعة بأنه حلها لا يعنى اختفاءها، وهذا صحيح.

فى كل مرة يرفض الجسد المصرى فكرة الإخوان باعتبارها غامضة وخطيرة واستخداما سياسيا للدين، يرد الإخوان بأنهم عائدون قريبا. البنا قال عن قرار النقراشى بحل الجماعة إنه «بمثابة أن يفقد شخص شهادة ميلاده، لكنه موجود حتى بدون أوراق رسمية»، وجماعة اليوم ردت على الحكم الصادر بحظر نشاطها بأن «التنظيم سيظل موجودا على الارض حتى بعد حله»، وهذا صحيح.

ما لم يلاحظه الإخوان فى المحنة الأخيرة أمران، الأول أن الشعب شارك هذه المرة بقطاعات واسعة منه فى رفض الفكرة الإخوانية «على بعضها»، وهى فرصة لإعادة النظر فى كثير من المسلمات الإخوانية. والأمر الثانى هو أن التحركات الميدانية للجماعة والمتعاطفين معها من حاملى السلاح تكتب تاريخا جديدا للدماء بين الإخوان وعموم الشعب، وتسهل على النظام أن يدق طبول الحرب، ويتحدث عن التطهير. «ملاحقة الطابور الخامس الذى يضم سياسيين وصحفيين وأعضاء بمنظمات مجتمع مدنى، وحزب النور، وعناصر الإخوان الهاربة»، كما ورد فى مانشيت الأهرام أمس الأول.

الإخوان مصممون على البقاء فى الحريق حتى آخر رمق، حتى لو امتد اللهب لحياة الشعب وحرياته. والحديث عن أن تحركات الشارع مجرد ورقة تفاوضية للجماعة، رد عليها النظام بورقة تفاوضية عكسية هى حكم المحكمة بالحظر، لا ينفى أن الجماعة سوف تبقى، والمنفعة الوحيدة التى يمكن أن نجنيها من الحكم هو عودة مذيعى التوك شو الذين ورثناهم من عهد مبارك إلى عبارة «الجماعة المحظورة»، مصحوبة بابتسامة عريضة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved