البصاصون فى الجامعة

أشرف البربرى
أشرف البربرى

آخر تحديث: الخميس 25 سبتمبر 2014 - 7:45 ص بتوقيت القاهرة

عندما يتحدث وزير التعليم العالى وقيادات الجامعات الذين عاد أمر تعيينهم إلى رئيس الجمهورية عن اعتزامهم الاستعانة «بالطلبة ذوى الحس الوطنى» لمساعدة الأمن فى المحافظة على الاستقرار والنظام داخل الجامعات، فنحن أمام كارثة كبيرة تتجاوز آثارها أسوار الجامعات لتهدد مستقبل مصر كلها.

فالجامعات التى يفترض أن تكون مصدرا لقيادات المستقبل ستكتفى بتخريج أجيال جديدة من «المخبرين» ذوى الحس الوطنى الذين يتجسسون على زملائهم من «فاقدى الحس الوطنى». وتكتمل المأساة عندما تتحدث قيادة جامعية بدرجة «رئيس جامعة» عن اختيار «الطلبة المتميزين» بحسب تعبيره للقيام بهذه المهمة التى لن تكون مقصورة على مجرد الإبلاغ عن مثيرى الشغب ودعاة التظاهر وكتبة الشعارات المسيئة على جدران الجامعة فقط، وإنما تشمل أيضا التحرك المضاد من خلال التواصل مع الطلاب لتوعيتهم بخطورة دعاوى التظاهر وموزعى المنشورات، وكذلك التواصل مع إدارات الجامعات لنقل مشاكل الطلاب إليها والعمل على حلها. معنى ذلك أنه بدلا من الاستعانة بالطلاب المتميزين فى المشروعات البحثية والمهام العلمية داخل الجامعة ليكونوا علماء المستقبل، نعدهم ليكونوا «مخبرين فى الغد».

ورغم أن وجود «عصافير الأمن» فى الجامعات ليس جديدا وإنما يعود إلى عصر «ما قبل الأسرات الجامعية» حيث يسعى الأمن دائما إلى تجنيد ضعاف النفوس من الطلبة لكى يتجسسوا على زملائهم، فإن الجديد هذه المرة هو هذا الحديث الفج للقيادات الجامعية التى فقدت جدارتها المهنية والأخلاقية لتولى هذه المناصب عن الاستعانة بالطلاب للتجسس على زملائهم.

إن مصر لم تعرف التطرف والإرهاب إلا عندما بدأت جهودا لتأميم السياسة فى الجامعة لصالح نظام الحكم، تحت شعار كذوب يقول «الجامعة للعلم لا للسياسة» فخلت الجامعات من التيارات السياسية الوطنية القادرة على استيعاب طاقة الشباب وطموحة وأصبحت الساحة مقصورة على «الأمنجية» الذين لا هم لهم إلى تحقيق المكاسب الدنيئة من خلال التقرب للسلطة، و«الإسلامجية» الذين رفعوا شعارات دينية واجتماعية لاستقطاب العناصر الجديدة. وبين هؤلاء وأولئك ابتليت مصر بقيادات جامعية فاشلة توارثت مبدأ «الحفاظ على الكرسى قبل كل شىء».

المفارقة التى لا يريد القائمون على أمر البلاد إدراكها أن سنوات حكم حسنى مبارك التى خضعت خلالها الجامعات لكل صنوف الرقابة الأمنية، هى نفسها السنوات التى ازدهر فيها التطرف والإرهاب، وهى السنوات التى فرضت فيها الجماعات والحركات الإسلامية بمختلف أطيافها نفسها على الجامعات والمجتمع، فى حين أن سنوات ما قبل 23 يوليو 1952 وما تلاها مباشرة وقبل تأميم الحياة الجامعية لصالح نظام الحكم، خلت من هذه التيارات المتطرفة، رغم كل صخب السياسة الذى فرض نفسه على الجامعة.

إن نشر البصاصين وتحويل الطلاب «المتميزين» إلى مخبرين لن يحقق شيئا سواء فى مواجهة التيارات المتطرفة والإرهابية، أو فى مواجهة الحركات السياسية المعارضة التى ربما تبدى إصرارا أقوى على تحدى السلطة.

أخيرا من يرد لمصر خيرا عليه أن يوفر لها جامعات حرة، مستقلة، خالية من القيادات التى تولى وجهها «شطر أمن الدولة» حتى يضمن تخريج أجيال جديدة ذات عقل مستقيم ووعى حر تكون قادرة على قيادتها فى المستقبل الذى لن يعترف بمهارات تجسس الزملاء وكتابة التقارير الأمنية كبديل عن كتابة الأبحاث العلمية وإعداد الأوراق البحثية كسبيل للتقدم والرقى.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved