عن الغد العربى فى قلب دماء أهله: «الدول» تخرج من عروبتها.. وإسرائيل تقوى وتتوسع

طلال سلمان
طلال سلمان

آخر تحديث: الثلاثاء 25 سبتمبر 2018 - 9:40 م بتوقيت القاهرة

فى الآونة الأخيرة، ومع ظهور تباشير توحى بقرب انتهاء الحرب فى سوريا وعليها، تصاعدت حدة الغارات الإسرائيلية على قواعد ومطارات عسكرية فى مختلف أنحاء هذه «الدولة الجريح»، شرقا وشمالا وجنوبا حتى الحدود مع الأردن وفلسطين المحتلة، بذريعة «ضرب قواعد الصواريخ الإيرانية»، وغالبا عبر الفضاء اللبنانى.
كان الطيران الحربى المعادى يتجنب القواعد الروسية على الساحل السورى، ويركز على ما يفترضه مواقع لـ«الخبراء» و«قوات الحرس الثورى الإيرانى» وقواعد صواريخه، ومع كل هذه «الأهداف»: قوات المتطوعين فى «حزب الله» الذين ذهبوا من لبنان لنصرة سوريا.
فى هذا السياق كانت الغارة الإسرائيلية الأخيرة فجر يوم الإثنين الماضى، فى محاولة لقصف بعض المنشآت والقواعد العسكرية السورية والإيرانية، بالقرب من اللاذقية، والتى واجهتها الصواريخ السورية، فكانت النتيجة إسقاط طائرة عسكرية روسية كانت تقلع من مطار قاعدة حميميم فى الوقت ذاته، واستخدمتها الطائرات الحربية الإسرائيلية غطاء لها.
وكان من الطبيعى أن يتفجر الغضب الروسى، خصوصا أن خمسة عشر جنديا قد ذهبوا ضحية لهذا التوغل الإسرائيلى فى الفضاء السورى، واستغلال قيام الطائرة الروسية «كغطاء» للطائرات الحربية الإسرائيلية، وهو ما أدى إلى إصابة تلك الطائرة التى كانت بينها وعلى قرب شديد منها.
ولقد حاولت حكومة العدو الإسرائيلى، ورئيسها، الاعتذار من موسكو، فرفضت هذا الاعتذار، مصرة على إكمال التحقيق وكشف تقصد الطائرات الحربية الإسرائيلية «الاحتماء» بالطائرة الروسية، وهو ما أدى إلى إصابتها، كما رفض الرئيس الروسى فلاديمير بوتين الرد على مكالمة نتنياهو.
إضافة إلى هذا فقد أرسلت روسيا سربا من أحدث وأقوى طائراتها الحربية فجاب الفضاء فوق شواطئ فلسطين المحتلة.. كما باشرت سفنها الحربية مناورات واسعة أمام قبرص والشاطئ السورى، كرسالة واضحة الدلالة لمن يريد أن يفهم... وبالمقابل رفض بوتين لقاء الوفد الذى أوفدته إسرائيل برئاسة وزير دفاعه، وأحاله إلى بعض معاونيه.
***
نروى هذه الوقائع ذات الدلالات القاطعة، بينما لا يكف الطيران الحربى للعدو الإسرائيلى عن اختراق الحدود مع لبنان وسوريا يوميا، وقد أضاف الفضاء العراقى إلى مجاله الحيوى، دون أن يلقى أى رد فعلى يوقفه عند حده.
فى الوقت ذاته تظهر بوادر مقلقة أبرزها أن بعض العواصم العربية فى الخليج لم تعد تتورع عن «الاعتراف» بالكيان الإسرائيلى و«تنشيط» العلاقات معه فمن المقرر أن تقام قنصليات إسرائيلية فى مدن خليجية، فضلا عن أن قطر كانت هى السباقة إلى الاعتراف بإسرائيل وتبادل الزيارة بين بعض المسئولين.. كما أن الأمير تركى الفيصل آل سعود يجاهر بالمشاركة فى ندوات ومؤتمرات تتمثل فيها دولة العدو الإسرائيلى ببعض «مفكريها» ومسئوليها.
فى المقابل «تذوى» السلطة الفلسطينية التى لا سلطة لها وتكاد تضمحل.. وتتسع الفجوة الخطيرة بينها وبين «حماس» فى غزة التى توطد «سلطتها» هناك، ويتساقط الشهداء منها كل يوم جمعة وهم يتظاهرون خلف السور الذى أقامه العدو الإسرائيلى ليجعل من الشعب المشرد «شعبين»، غير «الشعوب الفلسطينية» المتناثرة فى الأرض شرقا وغربا.
آخر ما حرر فى هذا المجال إقفال السفارة (أو الممثلية) الفلسطينية فى واشنطن، و«طرد» السفير، بينما نقلت الولايات المتحدة الأمريكية سفارتها من تل أبيب إلى القدس المحتلة وحرضت بعض الدول التابعة فى أمريكا اللاتينية وغيرها على نقل سفاراتها هى الأخرى..
وبالطبع، لم تحرك الدول العربية ساكنا.. ولا هى تحركت حين سحبت أمريكا وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين ووقف مساهمتها فى الموازنة الضئيلة أصلا والتى كانت تساعد هؤلاء المطرودين من بلادهم قسرا فى مجالات التعليم والصحة والإقامة ولو فى ألواح من الصفيح.
***
هل سقطت فلسطين ــ باعتبارها قضية مقدسة ــ وحقوق أصيلة لشعب عربى فى أرضه؟ هل نسيها العرب وانشغلوا بهمومهم الثقيلة الأخرى؟
إن الخريطة السياسية للأوضاع العربية القائمة لا تترك مساحة خاصة لفلسطين وقضيتها، ولا للصراع مع العدو الإسرائيلى..
مصر مشغولة بهمومها الداخلية متمثلة فى الزيادة الأسطورية لعديد شعبها (105 ملايين) وعجز موازنتها وديونها الخارجية الثقيلة والجرح الذى انفتح فى خاصرتها الليبية ومكافحة العصابات الإرهابية (التى لا يستبعد أنها تلقى دعم العدو الإسرائيلى..) فضلا عن التهديد الإثيوبى لمياه النيل، وفضلا عن أن بعض الخليج بدأ يدير ظهره لمصر مشترطا عليها مساعدته فى حربه على اليمن إلخ..
وليبيا الدولة قد اختفت عن الخريطة بفعل حروب القبائل والأعراق والأطماع الأجنبية (والعربية) التى تواصل تدمير العمران فيها وتخريب أسباب الحياة وتعميق التقسيم بين أشتات الشعب الواحد بحيث يعود قبائل وعناصر مقتتلة، فيها العرب الحضر والبدو والبربر، مع حدود مفتوحة مع تشاد والنيجر، تستقبل يوميا طوابير النازحين القاصدين الهرب إلى أوروبا والذين يغرق نصفهم فى البحر ويسجن الباقون فور وصولهم.
.. وتونس تهتز وهى ترى ماضيها أفضل من مستقبلها، فلا تعرف أن تختار فتستقر..
والجزائر تشهد سلسلة من التدابير والإقالات العسكرية والمدنية بذريعة منع انقلاب محتمل، ويطرد رئيسها كبار ضباط جيشه.
فأما المشرق فليست أوضاع دوله أفضل حالا:
< لبنان يعجز عن تأليف حكومة جديدة، والحكم مشلول والأوضاع الاقتصادية تتردى، والطبقة السياسية ينكشف فسادها ونهبها أكثر فأكثر.. لكن «الضمانات» الأجنبية والعربية تجعل هذا الوطن الصغير لا يسقط.
< فأما سوريا التى دمرتها الحرب الوحشية ــ فيها وعليها ــ على امتداد سبع سنوات عجاف، فإنها تحاول الوصول إلى صيغة تسوية يشارك فى ضمانها الروس (وتركيا!!) مع عدم اعتراض الولايات المتحدة الأمريكية التى تريد حصة من «الكعكة»..
< وأما العراق فإن الصراع فيه الذى تختلط فيه العوامل و«المكونات» الداخلية (سياسية وطائفية وعرقية) مع الأطماع الخارجية وضغوط المصالح لدول الجوار العربى والفارسى والأمريكى، بوصفه من أكبر البلدان المصدرة للنفط..
هذا الصراع قد سمح بإجراء الانتخابات النيابية التى طعن فى سلامتها، ثم قبلت على مضض، لكنه يمنع – حتى هذه اللحظة – تشكيل حكومة ائتلافية فيه.
***
من أسف أن صورة الأوضاع العربية غير مشرقة..
على أن الأسف الأعظم والأخطر أن لا أحد يملك تصورا عمليا للخروج من هذا المأزق وتبين الطريق إلى الغد.. أى غد، حتى لو لم يكن – بالضرورة – الغد الأفضل!

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved