تركيا تسير على حبل رفيع

من الفضاء الإلكتروني «مدونات»
من الفضاء الإلكتروني «مدونات»

آخر تحديث: الأربعاء 25 سبتمبر 2019 - 10:05 م بتوقيت القاهرة

نشرت مدونة «ديوان» مقالا لكاتبين «مهنّد الحاج على» و «عمر أوزكيزيلجيكى نعرض منه ما يلى:

تسعى تركيا، منذ اندلاع الصراع السورى، للتوصل إلى ترتيبات دبلوماسية هناك مع روسيا والولايات المتحدة على السواء. وفى حين يتطلب ذلك توازنا صعبا بين قوتَين تملكان مشاريع متعارضة، تمكنت أنقرة من الحفاظ على هذا التوازن، وإن كانت التصورات حيال التهديدات داخل الحكومة تُشير إلى أن تركيا قد تفضّل موسكو إذا اضطُرَّت إلى الاختيار بين الاثنتَين.
والسبب هو أن المسئولين الأتراك يعتبرون أن الممارسات الأمريكية فى سورية تهدّد الأمن الداخلى التركى. فواشنطن تدعم وحدات حماية الشعب التى تتألف بصورة أساسية من الأكراد فى سوريا. ولكن تركيا تنظر إليها بأنها امتداد لحزب العمال الكردستانى المتشدد، الذى تصنّفه أنقرة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى فى خانة التنظيمات الإرهابية. فى المقابل، لم تشكّل الممارسات الروسية، حتى تاريخه، تهديدا أمنيا داخليا، حتى لو اختلفت تركيا وروسيا حول مستقبل سوريا ودعمتا أفرقاء متخاصمين هناك. ويبدو أن للجانبَين سجلا مثبتا من الإنجازات التى حققاها من خلال التعاون معا فى سوريا.
فبالنسبة إلى تركيا، يساعدها انخراطها مع روسيا فى تحقيق أهدافها السياسية، فى حين أن تعاملها مع الولايات المتحدة جلبَ لها الإحباط والخيبة. وقد ألمح الرئيس التركى رجب طيب أردوغان مؤخرا إلى أن بلاده تعتبر أن الاتفاقات التى جرى التوصل إليها مع الولايات المتحدة لإنشاء منطقة آمنة فى المنطقة الحدودية شمال شرق سوريا لمنع الأكراد من التسلل، لم تلقَ طريقها نحو التنفيذ. وفى 15 سبتمبر، صرّح أردوغان فى قمةٍ عُقِدت فى تركيا مع نظيرَيه الروسى والإيرانى بأن بلاده ستتصرف أحاديا فى حال عدم إنشاء المنطقة الآمنة. وكانت الولايات المتحدة وتركيا قد اتفقتا سابقا على إنشاء مركز عمليات مشتركة خاص بالمنطقة الآمنة، لكن النظرة السائدة فى هذا الصدد هى أن الاتفاق لم يكن ليبصر النور لولا الضغوط التركية.
وقد رسم التعامل التركى مع روسيا معالم ساحة المعركة فى شمال سوريا، وحدّد أطر مفاوضات فض النزاع من خلال عملية أستانة، حيث تُعتبَر تركيا شريكا لا غنى عنه. وقد أدّت أنقرة دورا أساسيا فى دفع المجموعات السورية المعارِضة التى تمدّها تركيا بالدعم إلى المشاركة فى المباحثات. وساهمت عملية أستانة أيضا فى تسهيل التوصل إلى عدد من الاتفاقات الروسية ــ التركية لمعالجة القتال الدائر فى محافظة إدلب. ويُعتبر ذلك حيويا للمصالح التركية نظرا إلى أن نحو مليونى سورى معظمهم من النازحين داخليا، يُقيمون فى المحافظة، وإلى أنهم قد يُدفَعون باتجاه الحدود التركية مع تقدُّم الجيش السورى شمالا.
وتقضى عملية أستانة أيضا بتشكيل لجنة لوضع دستور جديد لسوريا، عملا بقرار مجلس الأمن الدولى رقم 2254. وتعتبر أنقرة أن دورها فى عملية أستانة يمنحها نفوذا يتيح لها استبعاد جميع الشخصيات التابعة لوحدات حماية الشعب من المفاوضات بشأن مستقبل سوريا، بما يؤدّى إلى حرمان هذه الوحدات من أى وضع قانونى يمنحها حكما ذاتيا فى شمال شرق سوريا. ولهذا تنظر تركيا إلى وحدة الأراضى السورية بأنها أولوية. وتوافقها موسكو الرأى فى هذا المجال، وقد أعادت تفسير مفهوم وحدة الأراضى كى يتناسب مع السياسة التركية. وقال الرئيس الروسى فلاديمير بوتين فى تصريح علنى إن بلاده تنظر إلى التوسيع التركى للمنطقة الآمنة فى شمال شرق سوريا بأنه يساهم فعليا فى حماية وحدة الأراضى السورية.
***
ولكن التعاون التركى ــ الروسى فى سوريا تعتريه بعض المشاكل. فالفريقان يختلفان فى الرأى بشأن مستقبل الرئيس بشار الأسد والانتقال السياسى. ففى حين تعتبر روسيا أن نظام الأسد هو الحكومة الشرعية فى سوريا، تجادل تركيا بأن السلام لن يحل فى البلاد من دون رحيل الأسد. وفضلا عن ذلك، يُشكّل الوضع فى إدلب وتل رفعت مصدر تصعيد محتمل. لقد نصّت مذكرة سوشى فى سبتمبر 2018 على إنشاء منطقة منزوعة السلاح على طول الجبهة الأمامية فى إدلب، التى كان يُفترَض أن تنسحب منها المجموعات المتشددة على غرار هيئة تحرير الشام. ولكن هذه الأخيرة لا تزال فى مكانها، وتعتقد روسيا أن تركيا لم تبذل جهودا كافية لطردها.
فى المقابل، يعترض الأتراك على عدم تصدّى الروس لقوات وحدات حماية الشعب فى تل رفعت علما بأن هذه القوات شنّت هجمات على المناطق الخاضعة للحماية التركية فى عفرين وشمال حلب. وحالت روسيا أيضا دون شن عملية مدعومة من تركيا فى منبج فى أكتوبر 2017، بعد قيامها بنشر قوات فى بلدة العريمة من أجل تعطيل شنّ حملة ضد وحدات حماية الشعب. وقد أقدمت على ذلك بهدف الحفاظ على التوازن فى المنطقة. فمن مصلحة روسيا استخدام وحدات حماية الشعب ضد الأتراك.
ولم يكن السلوك التركى مغايرا. فقد استغلت تركيا علاقتها مع الولايات المتحدة لتحقيق بعض أهدافها فى سوريا. فعلى سبيل المثال، ساهم الدعم الدبلوماسى الأمريكى والألمانى والفرنسى فى مساعدة تركيا على إقناع روسيا بإعلان وقفٍ لإطلاق النار فى إدلب من شأنه أن يُفضى إلى تطبيق مذكرة سوشى، مع العلم بأن روسيا وإيران كانتا قد أعربتا عن رفضهما لهذا الأمر خلال قمة عُقِدت فى طهران فى 7 سبتمبر 2018. وكذلك، حصل الموقف التركى على جرعة زخم من خلال رفض الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى تمويل إعادة الإعمار فى سوريا من دون حدوث انتقال سياسى حقيقى، ومن خلال دعمهما الدبلوماسى لتركيا فى الأمم المتحدة.
***
لهذه الأسباب وسواها، تحتاج تركيا إلى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى لإرساء ثقل موازن لروسيا فى سوريا، مثلما تحتاج إلى روسيا للضغط فى وجه الأمريكيين. ولكن هل سيدوم هذا التوازن؟ فإذا اضطرت تركيا إلى حسم خيارها بالوقوف إلى جانب هذا الطرف أو ذاك، قد تكون روسيا خيارا أكثر براغماتية، شرط ألا تمثّل موسكو تهديدا للأمن القومى التركى من خلال دعمها لهجوم يشنّه النظام السورى فى إدلب، ويدفع بملايين السوريين النازحين إلى التدفّق نحو تركيا.
علاوةً على ذلك، ولكى تستمر العلاقات التركية ــ الروسية على قدم وساق، قد تُضطر أنقرة إلى التخلّى عن فكرة الانتقال السياسى فى سورية، مقابل التوصل إلى تسوية تُستبعَد منها وحدات حماية الشعب، وتُفضى إلى إنهاء الإدارة الذاتية بحكم الأمر الواقع فى المناطق الخاضعة إلى سيطرة هذه الوحدات، وإلى تسهيل عودة اللاجئين السوريين من تركيا. لكن أنقرة ستواصل، فى الوقت الراهن، السير على حبل رفيع لأطول فترة ممكنة.

النص الأصلى:

https://bit.ly/2mhEs6R

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved