هكذا ظهر محمد على.. وهكذا سيختفى!!

عماد الدين حسين
عماد الدين حسين

آخر تحديث: الجمعة 25 سبتمبر 2020 - 9:45 م بتوقيت القاهرة

على الدولة المصرية أن تدرس بجدية إعادة الاعتبار للسياسة والسياسيين الحقيقيين حتى يمكن القضاء تماما على ظاهرة الطحالب التى نشهدها فى السنوات الأخيرة.
سؤال افتراضى: ماذا سيقول المؤرخون بعد عشرين أو خمسين أو مائة عام من الآن، وماذا سيقولون عن ظاهرة المقاول الهارب محمد على، وسيسألون كيف تمكن هذا الشخص، الذى كان يتباهى بأنه لا يفهم شيئا فى السياسة، أن يبدو أمام البعض وكأنه زعيم سياسى معارض؟!
وهل يليق بدولة فى حجم وقدرة وعظمة مصر، أن يكون المقاول محمد على، هو الذى يدعو للتغيير والثورة فيها؟!
أغلب الظن أن المؤرخين سيضعون هذه الأحداث وهذا الشخص ومن شايعوه، فى باب الهزليات أو تحت عنوان «صدق أو لا تصدق» وقد يخلط بعضهم بين محمد على الكبير بكل إنجازاته وبين محمد على الصغير بكل تقلباته!
هل يليق بدولة هى الأقدم على مر التاريخ، وأول من عرفت الحياة السياسية، وصاحبة أقدم برلمان فى المنطقة العربية وإفريقيا، أن يكون الشخص الذى يدعو للتغيير فيها هو محمد على؟ وهل بعد أن كان لدينا سياسيون أمثال خالد وفؤاد محيى الدين وفؤاد سراج الدين وممتاز نصار وكمال أحمد وإبراهيم شكرى وعلوى حافظ وضياء الدين داود وأحمد الخواجة، ورفعت المحجوب ورفعت السعيد أن ننتهى إلى مثل هذه النماذج الشاذة؟!
حينما ظهر محمد على قبل أكثر من عام، كان يتباهى بأنه لا يعرف شيئا عن السياسة، أو السياسيين، وأنه مجرد مقاول أو فنان، والآن صار هذا الشخص ينظر ويتمنظر فى السياسة، ويحدد للمصريين مواعيد الثورة فى التاسعة صباحا، أو بعد صلاة الظهر!
لا يشغلنى شخص محمد على أو مؤهلاته أو أعماله، لكن يشغلنى الظروف التى سمحت له بأن يفعل ما فعله، وكيف تمكن من البداية من إقناع بعض الناس بأنه زعيم سياسى، أو حتى كيف نجح فى أن يجعل بعض الناس فى البداية يشاهدون فيديوهاته؟!!
هناك أكثر من تفسير لظاهرة محمد على خلال الشهور الـ١٤ الماضية، لكن سأركز اليوم على تفسيرين أو دلالتين أساسيتين من وجهة نظرى:
الأولى أنه يعكس المصير البائس الذى انتهت إليه جماعة الإخوان، بحيث صارت تتستر وتتخفى وتصطف خلف هذا المقاول، لكى يخترع لها ثورة ويقودها، ظنا أنه سيعيدها مرة أخرى للحكم!!
ولا أعرف هل يدرك أنصار وقادة الجماعة المعنى الحقيقى لظاهرة محمد على، أم لا؟
لو فكروا قليلا، لأدركوا أنهم لم يعودوا قادرين على الحشد والتأثير والإقناع، وإلا ما لجأوا لاختراع ظاهرة محمد على المناقضة لكل الأعراف والقواعد السياسية.
صرنا نرى عبثا غير مسبوق فى عالم السياسة. هذا الشخص يظهر فى فيديوهات ليلية متحالفا مع الجماعة وداعيا للثورة، وحينما تفشل الدعوة يخرج بعدها بساعات ليسب الجماعة وإعلامها، لأنهم لم يؤدوا عملهم من وجهة نظره يوم ٢٠ سبتمبر، ثم ينصرف لسهرة خاصة!!
اختراع ظاهرة محمد على كان إعلانا واضحا عن الفشل السياسى الكاسح للجماعة، التى ارتضى قادتها أن يكونوا أداة لأجهزة مخابرات إقليمية ودولية متعددة ضد وطنهم.
الدلالة الثانية لظاهرة محمد على أننا يجب أن نعيد النظر فى العملية السياسية برمتها، بحيث لا نسمح بظهور مثل هذه الطحالب السياسية، التى لا تنمو إلا فى المياه الآسنة وتنتج محمد على وأمثاله.
لا نتحدث أو نطالب بحياة سياسية على الطريقة السويدية أو الأمريكية أو البريطانية، بل بأى صيغة توافقية، وتحت سقف القانون والدستور والدولة المدنية.
لا نتحدث من قريب أو بعيد عن أى صيغة تعيد إشراك أو إنتاج قوى الظلام التى تتاجر بالدين، بل نطالب بقدر معتبر من الحريات يسمح للأصوات الوطنية المختلفة حتى لو كانت ناقدة أن تتحدث وتتحرك، بحيث يكون لدينا حياة سياسية معقولة تجعل غالبية الناس خصوصا الشباب يشاركون فيها، ويتفاعلون معها وينشغلون بها.
لكى يحدث ذلك نحتاج برلمانا به «قدر معقول» من التنوع، وليس «سابق التجهيز»، وإعلاما يقدم محتوى متنوعا وجذابا.
إذا حدث ذلك حتى لو كان فى إطار «هندسة سياسية»، فسوف يكون هذا البرلمان قادرا على صناعة شخصيات سياسية حقيقية، ووقتها لن يكون ممكنا بأى حال من الأحوال ظهور أمثال محمد على، بل إن النتيجة الحقيقية لحدوث ذلك، هى توجيه الرصاصة الأخيرة لكل القوى الظلامية المتاجرة بالدين، والتى تعيش على الأزمات الطارئة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved