فوضى بطعم الثورة

محمد عصمت
محمد عصمت

آخر تحديث: الثلاثاء 25 أكتوبر 2011 - 5:00 م بتوقيت القاهرة

أطلق القيادي الإخواني حسين صالح الرصاصة الأولى فى حرب الدعاية الانتخابية، حينما بشرنا فى مؤتمر عقدته الجماعة بالإسكندرية منذ يومين، بأن الإخوان سيشكلون الحكومة القادمة ويديرون مصر، وأنهم سيدفنون فلول النظام السابق فى الحفر التى يختبئون فيها إذا حاولوا الخروج منها، وهو يستند فى ذلك إلى افتراض يروجه الإخوان منذ فترة، بأنهم يضعون أصوات 25 مليون ناخب، فى جيبهم الصغير!

 

صالح الذى هدد منذ شهرين تقريبا بتنظيم مليونيات لإعادة حسنى مبارك للحكم إذا أصر المجلس العسكرى على وثيقة المبادئ فوق الدستورية.. فاجأنا بأن له وجها ديمقراطيا مناقضا تماما لتصريحاته السابقة، حينما أكد أن الخط الاستراتيجى للإخوان، يتمثل فى عدم إقصاء أحد، وتجميع أكبر عدد من القوى السياسية لبناء مصر، لأن الإخوان ــ وفق تعبيره ــ لا يعيشون فى هذا البلد وحدهم، وهم لا يخونون أحدا، لأن مصر ملك الجميع.

 

وأنا فى الحقيقة لا أدرى أى صالح منهما نصدق.. الرجل الذى يستعرض عضلاته الانتخابية، مؤكدا أن الإخوان سيسيطرون على البرلمان القادم وسيشكلون حكومة إخوانية.. أم صالح الثانى الذى يقر بأن مشاكل مصر وأزماتها أكبر من قدرة أى فصيل لوحده على حلها، وأنه لا بديل عن توحد كل القوى السياسية لبناء مصر الجديدة؟!

 

تناقضات صالح لا تعبر عن حالة فردية خاصة به، لكنها تعكس طريقة تفكير تسود تنظيم الإخوان، وميزت حركة أعضائه.. والأمثلة على ذلك كثيرة، فهم الذين ناصروا الملك فاروق وطالبوا بتنصيبه أميرا للمؤمنين، ثم تحالفوا مع الضباط الأحرار بقيادة جمال عبدالناصر لهدم النظام الملكى، وهم الذين شاركوا مبارك فى مسرحياته الديمقراطية الساقطة فى انتخابات مجالس شعبه، ورفضوا تماما كل الدعوات لمقاطعتها، ليطيلوا من عمر نظام مبارك ويعطوا له الشرعية التى منحته القدرة على الاستمرار فى نهب البلد، وهم الآن يهاجمونه بمنتهى الضراوة.. وفى كل الحالات يفاجئنا الإخوان بأنهم متصالحون مع أنفسهم، رغم هذه التناقضات الرهيبة فى حساباتهم وتحالفاتهم السياسية.

 

الشىء الوحيد الذى يستر أخطاء الإخوان، هو أن كل القوى السياسية فى مصر سارت على دربهم.. فاليساريون فى حزب التجمع ستروا عورات نظام مبارك بمشاركته فى برلماناته المزورة، واعتبروا أن الإخوان هم الخطر الأكبر على مصر من مبارك نفسه، أما اليساريون المعارضون للتجمع فعددهم صغير وتأثيرهم فى الشارع ضعيف.. والليبراليون غابوا تماما عن خوض معارك الحرية والتنوير، واكتفوا بمشاركة مبارك فى مشاريع اقتصادية حققت لهم أرباحا بالملايين، وتجاهلوا إعطاء العمال والفقراء حقوقهم فى تنظيم الاحتجاجات والإضرابات.

 

وربما ما يفسر عدم قدرتنا على بناء دولة تعبر عن حدث بحجم ثورة 25 يناير، هو أننا جميعا ندفع ثمن الدولة المشوهة التى بناها عبدالناصر ورعاها السادات ومبارك، وأفرزت نخبا سياسية لا تشعر بتشوهاتها، ولا تدرك أنها إن لم تصلح أحوالها لن تستطيع إصلاح البلد، وأن أى محاولة لخطف ثورة 25 يناير، ستفتح أبوابا من الفوضى سيدفع الجميع ثمنها غاليا!

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved