الإخوان المسلمون فى الأردن.. من أركان المملكة الهاشمية إلى أعداء للنظام؟

العالم يفكر
العالم يفكر

آخر تحديث: الأربعاء 25 أكتوبر 2017 - 8:50 م بتوقيت القاهرة

نشرت مبادرة الإصلاح العربى ورقة بحثية للباحثة «هناء جابر» تتناول فيها التطورات التاريخية للإخوان المسلمين فى الأردن وتحولها إلى قوة سياسية فاعلة فى الساحة الأردنية، كما تبين التطورات غير المتوقعة التى عاشتها الجماعة فى سياق إقليمى يزداد تعقيدا.
استهلت الكاتبة حديثها بأن جماعة الإخوان المسلمين الأردنية شهدت منذ الثورات العربية تقلبات والتى تعتبر نتاجا للسياق الإقليمى الذى يزداد تعقيدا، وللتاريخ الخاص بالحركة داخل المملكة. وركزت الباحثة فى الدراسة على ثلاث نقاط: النقطة الأولى هى تقديم المحطات الأساسية التى مرت بها الجماعة خلال تاريخها منذ تأسيسها وحتى 1989 عندما عادت العملية الانتخابية النيابية إلى مجراها الطبيعى بعد مرحلة من الفوضى؛ أما النقطة الثانية، فتعالج الفترة الممتدة بين 1989و2011 والتى فرضت خلالها جبهة العمل الإسلامى نفسها بوصفها الذراع السياسية لجماعة الإخوان وحزب المعارضة الأهم على الساحة الأردنية؛ وأما النقطة الثالثة فهى تسعى لرصد عواقب الديناميات الفاعلة 2011 والتى انتهت إلى التفتت الذى تشهده الحركة اليوم.
1 ــ من 1946 إلى 1989: تركيبة معقدة وعلاقة حسنة يشوبها الحذر مع النظام
ثمة رافدان اجتماعيان يغذيان جماعة الإخوان المسلمين الأردنية؛ يأتى الرافد الأول من شرق الأردن ويتكون من أعيان متعلمين من مختلف المدن، وتمتد جذوره إلى نهاية الثلاثينيات قبل قيام المملكة فى 1946. أما الرافد الثانى، فيرجع إلى فلسطين فى عصر الانتداب، حيث بدأت الأفكار الإخوانية فى الانتشار منذ نهاية العشرينيات بين أعيان المدن الساحلية ومدن الداخل الفلسطينى. ولقد تأسست جماعة الإخوان المسلمين فى الأردن عام 1945 على يد عبداللطيف أبو قورة، وتم التصديق على وضعها القانونى باعتبارها جمعية فى مرسوم وقع عليه رئيس الوزراء.
بسبب التغيرات التى مرت بها المنطقة فى عهد الملك حسين، رغب الملك فى تعزيز شرعيته لدى قبائل جنوب الأردن، وقام باحتواء الإخوان بدلا من محاربتهم. كما سمح للإخوان بمتابعة نشاطهم الخيرى وفقا لتصنيفهم باعتبارهم جمعية. بالإضافة إلى التغييرات التى حدثت فى الثمانينيات من خروج حركة التحرير الفلسطينية من لبنان، وانتفاضة الضفة الغربية عام 1987؛ فساهمت فى تعقيد المشهد وفرض فاعل جديد على الساحة وهى حماس ــ جزء من جماعة الإخوان الأردنية ــ والتى أصبح لها مكتب فى عمان.
فى عام 1992 صدر قانون رقم 22 لتنظيم عملية تشكيل الأحزاب السياسية وكون الإخوان حزب «جبهة العمل الاسلامى»، الذى بات الذراع السياسية للحركة.
2 ــ جماعة الإخوان بين 1989 و2011 (فاعل ذو شأن على الساحة الأردنية):
لقد أصبحت جبهة العمل الإسلامى فاعلا مركزيا على الساحة السياسية الأردنية خاصة بعد الانتخابات التشريعية فى 1989 والتى حصل فيها الإسلاميون على 22 مقعدا. وتندرج هذه النتيجة فى سياق إقليمى تميز بتعزيز الحركات الاسلامية السياسية فى دول مختلفة والثورة الإسلامية فى إيران.
لكن سرعان ما قرر الملك حسين فى 1993 تغيير قانون الانتخابات وتبنى نظام «رجل واحد وصوت واحد» من أجل إحكام الإمساك على المشهد السياسى، إلا أن نتائج الانتخابات أسفرت عن أن جبهة العمل الإسلامى هى الكتلة الوحيدة الموازنة فى الجلسات البرلمانية.
وفى الدورات الانتخابية التى تلت ذلك، هيمن خطاب الزعماء الإسلاميين والذى ينادى بمقاطعة الانتخابات والتنديد بعدم قانونية إجراءات الاقتراع والمطالبة بتغيير آليات المشاركة السياسية. واستمر هذا الخطاب الرافض حتى الانتخابات الأخيرة المبكرة عام 2016 ونتج عنها تناقص الحركة الإسلامية فى البرلمان.
بعدما توفى الملك حسين تولى ابنه الملك عبدالله الثانى الحكم، افتقر الملك الجديد للحس السياسى تجاه المجتمع المحلى، ووضع نصب عينه جماعة الإخوان التى رأى أنها قد عفى عليها الزمن، كما انتشرت الخلافات حول القضية الفلسطينية حيث يسعى الملك للحفاظ على أى تأثير على مجرى الأحداث فى فلسطين، والتى كانت غالبا تتماشى مع مصالح إسرائيل، على الرغم من تشجيعه لعملية السلام ودعوته لوقف بناء المستوطنات.
تجدر الإشارة إلى أن عام 1999 كان مشحونا بالأحداث فى فلسطين كما فى الأردن، فالعلاقات بين السلطة الفلسطينية وحماس كانت سيئة؛ ثم إن وصول إيهود باراك إلى الحكم سمح باستكمال المفاوضات مع السلطة الفلسطينية، وكذلك توقيع اتفاقية شرم الشيخ عام 1999 التى أعطت الأولوية للمسائل الأمنية وجعلت القضاء على حماس هدفا لها.
وعندما زار خالد مشعل وبعض الشخصيات الإخوانية الأخرى إيران، قررت السلطات الأردنية إغلاق مكتب حماس فى الأردن. ويرجع ذلك إلى إخلال زعماء حماس بالاتفاق الشفوى الذى يحظر عليهم القيام بنشاطات سياسية أو التخطيط لعمليات عسكرية من موقعهم فى الأردن.
وصمة الإرهاب على الرغم من إعطاء الأولوية للأجندة السياسية الداخلية:
تزامنت تلك التغيرات فى الحكم وفى الموقف تجاه حماس مع ظهور مسألة عودة العرب الأفغان، وتعرض سفارتى الولايات المتحدة فى دار السلام ونيروبى لعمليات إرهابية، وأحداث 11 من سبتمبر لتكرس فكرة مكافحة الإرهاب الإسلاموى بوصفها أولوية دولية؛ فأخذ الملك عبدالله هذه الأولوية على عاتقه فى الأردن، وهو ما أدى به إلى وصم مرجعية الإخوان المسلمين.
بالإضافة إلى ذلك تأتى الانتفاضة الفلسطينية الثانية فى سبتمبر 2000، وقد قام الإخوان تدريجيا بمحورة برنامجهم السياسى حول مسائل أردنية محضة، كما حدثت توترات فى الشارع الأردنى ولا سيما على مشارف مخيمات اللاجئين. ونظمت مظاهرات أمام السفارة الإسرائيلية وعلت نداءات مطالبة بطرد السفير الإسرائيلى وبالتراجع عن اتفاقية السلام الأردنية الإسرائيلية، وكان موقف حزب جبهة العمل الإسلامى أن آثر عدم الدخول فى صدام مع السلطة.
ومن هنا، نرى أن جبهة العمل الإسلامى وعمل على بناء خطاب رسمى تم الإعلان عنه فى 2005 فى مذكرة عنوانها «رؤية الحركة الإسلامية للإصلاح» واحتوت على الأولويات الوطنية، كما طرح إطارا برنامجيا للحركة يضم قضايا اجتماعية وأخرى تتعلق بالتمثيل السياسى.

3 ــ الإخوان المسلمون فى غداة الربيع العربى:
خرجت حركة الإخوان المسلمين الأردنية ضعيفة من العاصفة التى ضربت العالم العربى فى عام 2011، فى حين أن المملكة لم تشهد ربيعها ولم تعش منه إلا القليل. وأثبتت الجماعة نضجا فى علاقتها بالسلطة كما بالتيارات المعارضة الأخرى. فكيف نفسر هذا الموقف؟
جدير بالذكر أن الاحتجاجات فى الأردن طالبت بحقوق نقابية ومحاربة الفساد. فمبادرة «الملكية الدستورية» والتى حملها عام 2008 عضو بارز فى الإخوان، والتى تعتبر ثمرة تفكير مشترك ساهمت فيه شخصيات من آفاق سياسية مختلفة، وعكست من ضرورة القيام بإصلاحات توافقية تدعمها كل القوى الموجودة على الساحة. وعندما توسعت الاحتجاجات إلى أرجاء المملكة وجد الإخوان أنفسهم أمام معادلة متعددة المتغيرات: تعقد العلاقة مع النظام الملكى، وصول الإسلاميين إلى السلطة فى تونس ومصر، والصراع فى سوريا قصم الرأى العام الأردنى، وأخيرا قلق المجتمع الذى يراقب هذا التقلب الإقليمى بخوف شديد.
كان الإخوان المسلمون على وعى لقدرتهم على التعبئة الشعبية. ومع ذلك، فهم شاركوا بحذر فى زيادة زخم الغضب فى المملكة، قبل أن يضعوا ثقلهم فى ميزان الاحتجاجات التى وصلت أوجها فى عمان 2012 خلال مظاهرة شارك فيها الآلاف من الأشخاص مطالبين الحكومة بتبنى إصلاحات دستورية.

تصدعات داخل الجماعة:
بعد اندلاع الثورات فى العالم العربى تولى منصب المخابرات الأردنية « فيصل الشوبكى» الذى وضع الإخوان نصب عينيه لأنهم القوة السياسية الوحيدة القادرة على تحدى السلطة، فسعت أجهزة المخابرات إلى تفتيت الحركة من الداخل، كما احتدمت تلك الفترة النقاشات داخل الجماعة. فقامت الجماعة بإطلاق مبادرة «زمزم» عام 2012 والتى نظر إليها البعض على أنها خطوة تقدمية، ولكنها تبدو اليوم شرخا فى صفوف الإخوان.
قامت أجهزة المخابرات بإبلاغ الجماعة بأن النظام الأساسى غير مطابق لقانون الجمعيات الأردنى وأمرتها بتصويبه. كما تقدم عضوان بارزان فى الجماعة بطلب تسجيل جمعية موازية تطابق نظامها الأساسى مع شروط السلطات الرسمية. بالإضافة إلى قيام كوادر إخوانية معروفة وما يتراوح بين 200 و250 ناشطا أقل شهرة قدموا استقالتهم فى 2017 ولم تتخذ إدارة الحركة قرارها بعد بخصوص هذه الاستقالة، والتى تعتبر بمثابة انفصال.
تفكك و/ أو إعادة تنظيم؟
هل لنا أن نستنتج أن الجماعة فى الأردن انتهت بشكل كامل؟ وفقا لمصادر مقربة، قد تكون الجماعة الأم فقدت نحو 20% من أعضائها، كما تعمل على إعادة ترتيب شئونها الداخلية وتعيين مرشد عام جديد. أما على مستوى السلطات الرسمية فتم تعيين مدير مخابرات جديد فى مارس 2017 والذى يسعى إلى استعادة الحوار مع الجماعة الأم. ولقد خطت الجماعة الأم خطوات عملاقة باتجاه إصلاحات جذرية أخذت بعين الاعتبار الانتقادات الموجهة من قبل الأعضاء المنشقين. كما أدخلوا تغييرات على النظام الأساسى لجبهة العمل الاسلامى، ومكانة المرأة فى الحقل العام، والحوارات مع فاعلين سياسيين لوضع أسس مشتركة من القيم والمطالب الوطنية.
أكدت الانتخابات التشريعية فى 2016 هذه الجهود ولو جزئيا. تكيفت جبهة العمل الإسلامى مع القانون الانتخابى الجديد الذى يفرض تشكيل تحالفات. وهكذا شكلت جبهة العمل الإسلامى التحالف الوطنى للإصلاح، واجتمع فيه مرشحون من توجهات سياسية مختلفة. ولقد فاز التحالف الوطنى للإصلاح بأكثر من 15 مقعدا من أصل 130 مقعدا.
ختاما، يظهر مما سبق ترسخ جماعة الإخوان فى المشهد السياسى الأردنى ومكانتها كفاعل سياسى أساسى، سواء بالنسبة إلى النظام أو المعارضة. ولفهم مقومات هذا الترسخ فلابد من القيام بدراسات يتقاطع فيها علم الاجتماع السياسى مع العلوم السياسية والعلاقات الدولية. فإن لم نأخذ فى الاعتبار أبعاد السياق الاقليمى يستحيل فهم روافع التفاعلات السياسية الأردنية التى تحمل بدورها مؤشرات وسبلا لتقييم التحولات الاقليمية.
ويبدو جليا أن تحامل السلطات الأردنية على الإخوان المسلمين أدى إلى تصدع الجماعة. ولكن هذا التصدع يحرم النظام من الفاعل السياسى الوحيد فى الأردن القادر على احتواء أزمات اقتصادية واجتماعية وسياسية قد تنفجر.

النص الأصلي
http://bit.ly/2y378kd

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved