«ريش» الحرية

طلعت إسماعيل
طلعت إسماعيل

آخر تحديث: الإثنين 25 أكتوبر 2021 - 7:20 م بتوقيت القاهرة

فوز فيلم «ريش» للمخرج الشاب عمر الزهيرى بجائزة أفضل فيلم عربى فى مسابقة الأفلام الروائية الطويلة بمهرجان الجونة، ربما يكون قد ألقم من اتهموه بالإساءة إلى سمعة مصر، حجرا، لكن المؤكد أن الجدل الذى أثاره لن ينتهى، باعتباره تعبيرا عن وجهتى نظر فى الفن والسياسة، واحدة ترى الحياة وردية وما على الفن سوى نقلها إلى الشاشة، وأخرى واقعية ترى مناطق الخلل والضعف فى المجتمع وتحاول التعبير عنها بكل الوسائل المتاحة من دون الإخلال بالمعايير الفنية والجمالية.
الاختلاف على دور الفن، والسينما فى القلب منه، والتباين بين من يركز على ما هو جمالى وترفيهى، بدعوى مساعدة الناس على تحمل الواقع بضغوطه الهائلة، وبين من يسلط الضوء على تفاصيل الحياة اليومية لواقع آخر أشد قسوة، مسرحه عالم المهمشين والفقراء، ليس وليد اليوم، كما أن ساحته لا تقتصر على السينما المصرية وحدها، بل هى حالة موجودة فى العديد من البلدان التى تعرف صناعة السينما، وخصوصا فى العالم الثالث.
البعض يريد حصر ما يعرض على الشاشة فى قصص ملونة بستائر وردية ومخادع مخملية، والبعض الآخر يريد فتح الحجرات الخلفية التى لا ترى الشمس، وتعانى الرطوبة، وتسكنها وجوه تغضنت بفعل غائلة الأيام، وجور بنى الإنسان، والهدف الرئيس تغيير الواقع إلى الأفضل وعدم الاستسلام لصورة غير حقيقية، وهذا جوهر الخلاف القديم والمتجدد الذى كان طرفاه من خرجوا من قاعة عرض «ريش» فى الجونة، ومن دافعوا عن الفيلم وصناعه باعتباره تجسيدا لرؤية فنية يجب احترامها.
ربما يكون الطعن من «أبناء الكار» والاتهام بالإساءة إلى سمعة مصر أشد إيلاما لصناع فيلم ريش الذين وجدوا أنفسهم فى مقام الدفاع بدلا من الترحيب وتلقى التهنئات على الفوز بجائزة مهمة من مهرجان «كان» السينمائى الدولى، غير أن المهم فيما جرى مع الفيلم، وهجوم قلة من الممثلين عليه قد أفاده دعائيا، وفقا للمثل القائل «رب ضارة نافعة»، كما أنه منحنا فرصة جديدة للنظر إلى ما يدور حولنا، حيث يسعى البعض إلى فرض عالمه الافتراضى «الوردى»، على واقعنا الحقيقى والمغاير.
الصراع بين وجهتى نظر، واحدة «تجميلية» والأخرى «واقعية» ما كان لها أن تجور على الحق فى الاختلاف، فالمعركة يجب أن تدور فى الأساس حول حرية الرأى والتعبير أكثر من كونها اختلافا على فيلم «ريش»، والمؤسف أن يهاجمه من ينتظر منهم الانتصار لحرية وحق صناعه فى التعبير عن رؤيتهم الفنية، ونظرتهم إلى حياة الناس بلا رتوش، باعتبار الفن مرآة للواقع بحلوه ومره.
الهجوم الذى ناله «ريش» ذكرنى بالفيلم الهندى «أحمر شفاه تحت البرقع» الذى عرض فى الدورة 38 لمهرجان القاهرة السينمائى، نوفمبر 2016، وتمتع بجرأة كبيرة فى تجسيد الظلم الواقع على النساء فى الريف الهندى، وكسر التابو فى العلاقات الحميمية المحرم منها والمشروع، وعندما سألت مونتيرة الفيلم «شارو شرى روى» التى مثلت صناع الفيلم فى المهرجان، حول مدى تعبير فيلمها عن المجتمع الهندى، فكان ردها بكل ثقة: سيدى الهند ولايات وكل ولاية بحجم دولة، فلا تستغرب أن يكون لدينا مثل هذه العلاقات الاجتماعية المشوهة!
طبعا لم يهاجم النقاد ولا السينمائيون الهنود «أحمر شفاه تحت البرقع» باعتباره يسىء للأمة الهندية العظيمة، ولم تجد المونتيرة الشابة فى فيلمها ما تخجل منه، باعتباره عملا فنيلا يستهدف التغيير للأفضل، وتعرية الواقع بلا زيف، وعكس حماسها والثقة التى تحدثت بها معى وعيا بما يجب على السينما القيام به، وليس السينما التى يريد لها البعض أن تكون.. مجرد رؤية تجميلية، تحلق بعيدا عن واقعها الحقيقى.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved