تحرير عابدين

شادى يوسف
شادى يوسف

آخر تحديث: الأحد 25 نوفمبر 2012 - 8:15 ص بتوقيت القاهرة

مجموعة من الهضاب وكثبان الرمال والبرك الراكدة منها بركة الفراعين والسقايين والفوالة والناصرية تتخللها القلاع التى اقامتها قوات الإحتلال الفرنسى أيام حملة بونابرت على مصر، جاء ليصنع منها الخديو إسماعيل القاهرة الحديثة وجئنا اليوم نحن لتخريبها.

 

صدامات مع الواقع على أصعدة مختلفة، الخيوط متشابكة جداً ما بين رؤية عمرانية فى المقام الأول يليها رؤى إجتماعية وثقافية وتاريخية، إنها رؤية وطنية خالصة لـ«ميدان عابدين»، قلب القاهرة.

 

●●●

 

«ميدان عابدين» أكبر ميادين مصر بمساحة تسعة فدان ومعلمه الرئيسى هو سراى قصر عابدين أشهر القصور المصرية والتحفة المعمارية ذات القيمة النادرة فهو يعد النواة الأولى للقاهرة الحديثة.

 

فى نفس الوقت الذى كان يبنى فيه القصر أمر الخديوى إسماعيل الحالم بعاصمة عصرية لمصر بتخطيط القاهرة على النمط الأوروبى وكان القصر مقراً لحكم مصر من عام 1872ــ1952.

 

وعلى مشارف الحديقة فى مواجهه القصر يطل مبنى محافظة القاهرة وهو على عكس قصر عابدين يحتفظ حتى الآن بدليل واضح على انتمائه للعهد الملكى وهو عبارة عن هلال وثلاثة نجوم نقشت على معظم جدرانه.

 

●●●

 

الميدان يعد بحق ميدان الثورات، فقد شهد أياماً خضم من تاريخ مصر وزخماً تاريخياً شديد العمق، فقد شهد الميدان «وقفة عرابى» أمام الخديو توفيق عام 1879 للمطالبة بالاستجابة للجيش والأمه، كما شهد الميدان إرهاصات ثورة 1919، وثورة الشعب بين عامى 1930 و1935 وما عرف بمعركة «الدستور» للمطالبة بالحقوق الدستورية والسياسية إلى أن خضع القصر وسقوط دستور 1930 والعودة لدستور 1923.

 

وعقب ثورة يوليو 1952، تم تغيير اسمه لميدان «الجمهورية» ولكنه احتفظ باسم «عابدين» بين عامة الناس نسبة لصاحب اول قصر فى هذا المكان عابدين بك ــ أمير اللواء السلطانى بعد حوالى مائة عام من الفتح العثمانى لمصر ــ وهو ما هدمه الخديوى بعد شراء مسطحات واسعة من الأراضى ولم يتبق منه الا الجامع المعروف الآن بجامع الفتح الملتصق بالقصر الحالى من الجهة الشرقية. (نقطة 9 بالكروكى التوضيحى).

 

و الجدير بالذكر أن الميدان قبل ثورة يوليو كان من المناطق المحرمه على أبناء الشعب المصرى وقيل ان من كان يجرؤ ويمر من الميدان كان عليه ان يتحمل قسوة التهديد بالاعدام ويكفى دليلا ان ذروة ثورة عرابى كانت فى التجول ورفاقه فى حديقة ميدان عابدين ونجده اليوم محرماً عليهم ثانيةً بعد ثورة يناير.

 

●●●

 

كيف؟! ثورة أم نكسة؟

 

بعد اندلاع أحداث الثورة تم استخدام الأسلاك الشائكة ــ بالتحديد يوم الأربعاء والخميس 26 و27 يناير 2011ــ لمنع المواطن من استخدام الميدان كميدان ــ حلقة كاملة ــ وتم استقطاع جزء كبير خارج القصر وضمه للقصر وسيطرة شرطة الحرس الجمهورى فى خطوة استعمارية بينة على الحيز العام رغم ما تقره القوانين العمرانية المصرية بأنه ــ الحيز العام: «الأرض المملوكة للدولة والمخصصة للمرور العام ويستعمله الأفراد للوصول الى مساكنهم وأعمالهم»، فقد تطاول العسكر على العمران القاهرى بتحويل قلب القاهرة إلى شارع متعرج.

 

الشعب يريد إنهاء الحصار السلكى تسهيلاً لحركة المرور بقلب القاهرة فى المقام الأول ويأتيها تباعا التفكير العلمى فى الاستفادة القصوى من الميدان كمورد عمرانى ثقافى تاريخى متجدد، وهو ما تم بالفعل كأحد أهم انجازات يناير الملموسة بتدشين احتفالية «الفن ميدان» لـ«ائتلاف الثقافة المستقلة» بعد ثورة يناير، فى السبت الأول من كل شهر ويعتبر استمرارها دون انقطاع للعام الثانى إنجاز مجتمعى فريد للثورة، وما نجده ونلقاه من طاقة الشباب المصرى الحقيقى متفاعلاً ومبدعاً يجعلنا على يقين أنها ثورة للأمام لا للخلف.

 

●●●

 

معركتنا الآن وغداً ثقافية فى المقام الأول، الوعى ينمو رويدا رويدا، وأنها ثورة تصحيح أوضاع وليست ثورة عكس الآيات.. فإذا كنا نحلم بنهوض مصر فعلاً! يجب إعادة الأشياء الى اشكالها الطبيعية، (ميدان = ميدان)، لا يساوى شارعا متعرجا ضيقا.

 

وأتعجب للرئيس محمد مرسى من أطاح بالمشير ورئيس الأركان وأبقى على الأسلاك الشائكة فى ميدان عابدين!

 

أطالب بإعادة الميدان ليكون ميداناً فإذا كنا لا نتقدم بثقل الأعباء، رجاء الا نتأخر بإرادتنا تحت وطأة قرارات عمياء لا تميز القيم ولا تنتج الأكفأ ولا تختار الأصلح ولا تساعد على الابتكار. إن التعديات العسكرية على وظيفة ميدان عابدين تحتاج وقفة جادة من جميع القوى، تحرير ميدان موقف تجاه مدنية الدولة وابسط حقوق المواطن.

 

آخر كلامى، كتب على جيلنا النظر للخلف لنجد لنا ماضيا نبدأ منه ولكن لا تعيدونا إلى ما قبل يوليو.. مصر دولة.

 

●●●

كروكى:

 

(نقطة 1) إلغاء وظيفة الميدان كحلقة كاملة تشل المركبات فى تغيير اتجاهها فالميدان هنا، تشل المحيط المضغوط فى وسط المدينة.

 

(نقطة 2) لجوء المركبات للشوارع الجانبية الضيقة والمليئة بورش تصليح السيارات والمزدحمة مرورا بشارع محمد فريد وتضخيم مشكلة البؤرة الناتجة من التقائه مع شارع التحرير (نقطة 3)، إضافة الى المسافة الإضافية للملف الذى يسبق الميدان (نقطة 4)، اما الحل البديل (نقطة 5) وهو الدوران من حول القصر كاملا لتدخل مع التيار القادم من باب الخلق بشارع حسن الأكبر (نقطة 6)، متقاطعا مع شارع الجمهورية فى اشارة مرور رقمية (نقطة 7)، ثم ميدان محمد فريد الكثيف (نقطة 8).

 

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved