كيف يغدو بشار الأسد رمز المرحلة ومُلهمها؟

صحافة عربية
صحافة عربية

آخر تحديث: الإثنين 25 نوفمبر 2019 - 11:10 م بتوقيت القاهرة

نشرت جريدة الشرق الأوسط اللندنية مقالا للكاتب حازم صاغية، جاء فيه ما يلى:

الرئيس السورى بشار الأسد هو اليوم منتصر ــ مهزوم. انهزم بقواه لكنه انتصر بقوى غيره. معنى ذلك أن سلطته، فضلا عن فقدانها الشرعية، فقدت بذاتها القدرة على البقاء، لكنها وجدت فى إيران وروسيا الطرف الذى يجعل الصناعى طبيعيا، ويفرض الخارجى داخليا.
الحالة التى يمثلها الأسد لا تغدو حالة معممة، وربما مُثلى، إلا إذا هُزمت الثورات والانتفاضات فى لبنان والعراق وإيران. الأسد نفسه يصبح، والحال هذه، رمز المرحلة ومُلهمها.
فى لبنان، بات واضحا أن النظام الطائفى والزبونى آيل للسقوط، أو على الأقل، غير قادر على الاستمرار من دون تقديم بعض التنازلات الجدية فى الاقتصاد والقوانين والقيم. الحكومة استقالت. جلستا البرلمان لم تُعقدا. عروض رئيسى الجمهورية والحكومة سبق أن رُفضت وتكرر فضها. محاولة تسليم رئاسة الحكومة لمحمد الصفدى أُجهضت قبل أن تولد. النقابات بدأت تنتصر للثورة. المصارف باتت، فى التداول الشعبى، اسما يرادف اللصوصية. الجيش لم يعد على وفاق تام مع السلطة السياسية. مقاومة «حزب الله» كفت عن أن تكون مفتاح المصير الوطنى وبوابة المستقبل... وقبل كل ذلك، وبعده، لم تعد الطائفية الفلسفة التى تحكم البلد وتصاغ على ضوئها معايير الحكم والنفوذ. لقد ظهر منافس قوى لها لم يعد من السهل تجاهله. أما النظام الاقتصادى الحالى فبات واضحا أنه لا بقاء للبنان من دون تعديله الجذرى.
بلغة أخرى، أضحت كل محاولة لاستعادة لبنان القديم قسرية ومفتعلة، وبمعنى ما مضادة للطبيعة.
فى العراق، وبفعل ثروة البلد، تحضر الظاهرات اللبنانية الرديئة مضروبة بألف. الفساد والسرقة وبطالة الشبيبة جعلت خسائر الاقتصاد العراقى بين 2003 واليوم تُقدر بـ450 مليار دولار. صلة التبعية لإيران تلعب دورا مفتاحيا. يكفى هذا المثَل الذى يضربه الزميل قاسم البصرى فى موقع «الجمهورية»: «يعتبر العراق اليوم السوق الأول لتصريف المنتوجات والسلع الإيرانية، وتحديدا الردىء منها ومنخفض السعر، وذلك على حساب الصناعة العراقية المحلية التى لم تتمكن من منافسة المنتَج الإيرانى، الأمر الذى دفع مُلاك أربعة آلاف معمل لإغلاق أبواب معاملهم، وتاليا خسارة 50 ألف عراقى لعملهم». بدورها، سبق للوثائق المسربة لـ«نيويورك تايمز» أن كشفت مدى التحكم الإيرانى بساسة العراق، ومدى تسلط قاسم سليمانى تحديدا عليهم.
هذه التركيبة تترنح ويواجهها انسداد مُحكَم. ممثلوها، خصوصا رئيس الحكومة، ما زالوا يتشبثون بمواقعهم فى السلطة، ويمنحون أنفسهم مهلة الـ45 يوما للإتيان بمعجزات! شبان العراق يعلنون، ببطولة استثنائية، عدم قابلية أوضاع كهذه للحياة، ويبذلون الدم لقاء ذلك. النظام يمضى فى قتلهم بأدوات لا تقتصر على قنابل الغاز المسيل للدموع. موتهم شرط لحياته.
فى إيران، السلطة ليست متصدعة. الاقتصاد متصدع. إيران انتفضت فى 2009 و2017 ثم انتفضت قبل أيام. المرشد على خامنئى لام «أعداء الثورة» وقطع الإنترنت عن البلد. إنه الخنق بعتم وبصمت.
على فاتح الله نجاد، الباحث فى معهد بروكنجز، يقر للنظام بأنه، خلال أعوامه الأربعين، وسع البنية التحتية والخدمات الأساسية فى الريف، ضدا على التمركز المدينى لسياسات الشاه. الكهرباء ومياه الشرب والتقديمات الصحية والتعليمية خارج المدن الكبرى أدت إلى انخفاض فى الفقر. هذا لا يلغى، وفقا للأرقام الرسمية، أن 12 مليونا يعيشون اليوم تحت خط الفقر المطلق، وما بين 25 و30 مليونا تحت خط الفقر. ثلث الإيرانيين وما بين 50 و 70 فى المائة من العمال مهددون بالهبوط إلى سوية طبقية أدنى. 14 فى المائة من جميع الإيرانيين يعيشون فى خِيَم. ثلث سكان المدن يقيمون فى مدن الصفيح.
العقوبات الأمريكية تلعب دورا مؤكدا فى التضييق على النظام، مع هذا فالاقتصادى الإيرانى حسين راغفار قدر، العام الماضى، أن تأثيرها لا يتعدى نسبة 15 فى المائة. الباقى نتاج سياسات نيوليبرالية متراكمة ومشوبة بفساد ومحسوبية فلكيين. ففى إيران يتسع العجز عن خلق فرص عمل جديدة، وتتنامى نسب البطالة، لا سيما بين الشبيبة وخريجى الجامعات حيث يتراوح العاطلون عن العمل بين 25 و40 فى المائة. البلد، بالتالى، أحد أكثر بلدان العالم فى بطالة الشبيبة، وفى الفساد، هذا فضلا عن أزمة الشرعية السياسية التى ظهرتها «الثورة الخضراء» فى 2009 ردا على انتخابات مزورة.
المنظومة، إذن، ليست بخير. بقاؤها على قيد الحياة بات يستدعى تعفنا يستلهم كوريا الشمالية، مصحوبا بتصعيد فى شعارات النضال والمقاومة والصمود. بقاؤها على قيد الحياة يستدعى رفع بشار الأسد إلى سوية القائد التاريخى الملهم!

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved