التحدي الجديد.. العقيدة الإبراهيمية واحتلال الروح العربية

فيس بوك
فيس بوك

آخر تحديث: الخميس 25 نوفمبر 2021 - 9:40 م بتوقيت القاهرة

نشر الكاتب لبيب قمحاوى مقالا على صفحته بالفيسبوك يحذر فيه مما تدعو إليه إسرائيل من سلام إبراهيمى والذى يراه أداة إسرائيلية لتغيير التاريخ واحتلال أراض عربية جديدة بدون خوض حروب... نعرض منه ما يلى:
يجابه العالم العربى الآن مجموعة جديدة من التحديات التى تفوق فى خطورتها وأبعادها أى شىء آخر مَرَّ به العرب فى علاقتهم مع إسرائيل والصهيونية، ويجرى العمل عليها الآن بقبول أو انصياع أو صمت رسمى لبعض الأنظمة العربية بهدف نقل مفهوم التطبيع مع إسرائيل إلى مستويات تفوق حتى ما يمكن أن يتخيله أكثر العرب تشاؤما أو استسلاما.
تسعى إسرائيل والصهيونية الآن إلى الخروج بمنظومة جديدة تعيد صياغة العديد من المفاهيم الدينية لتلتقى مع المدرسة التى تدعو إلى التصرف باعتبار الإسلام والمسيحية واليهودية عقائد «ابراهيمية» تنبع من نفس المصدر الإبراهيمى وبالتالى تحث أتباع الديانات الثلاث على التصرف باعتبارهم ينتمون إلى إطار دينى واحد وإلى مصدر روحانى واحد.
تجرى الدعوة إلى «العقيدة الابراهيمية» والتمهيد لها بهدوء سام وتسريبات أقرب ما تكون إلى عمليات غسل دماغ من خلال مجسَات هادئة. تساهم فى إدخال الفكرة إلى العقل الباطن للمواطنين وتنقلها من حالة الرفض الفورى المطلق إلى الاعتياد على المصطلحات المرافقة لهذه الدعوة المشبوهة وإلى القبول «بالإبراهيمية» كإطار جامع له أبعاد إيجابية وهنا مكمن الخطر.
الشق الروحى المتعلق بتلك الدعوة المزعومة الهادف إلى تطويع العرب المسلمين والمسيحيين روحيا وتحويلهم إلى اتباع للعقيدة الإبراهيمية المقترحة هو أمر شديد الخطورة كونه يتعرض لصلب القناعات الروحية ويتصدى لها ويعمل على تطويعها خدمة للمصالح اليهودية الإسرائيلية والسماح لها بالتغلغل فى الحياة الروحية لسكان المنطقة وتقاسم جميع الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية مع اليهود.
الفلسفة الإبراهيمية هى بدعة إسرائيلية صهيونية تأخذ المنطقة العربية آلاف السنين إلى الوراء حتى تتمكن من النفاذ إلى واقع المنطقة الحالى وإعادة صياغته بشكل يعطى اليهود الحق بفرض حقوق لهم أو المطالبة بها باعتبارهم ممثلى الديانة الأقدم والأقرب إلى إبراهيم «أبو الأنبياء». تفكير شيطانى بالتأكيد، ولكن القدرة على تنفيذه تتوقف إلى حد كبير إما على سذاجة أو غباء الأطراف الأخرى المعنية أو خيانتها.
«العقيدة الابراهيمية» تهدف إلى أن تصبح المظلة الروحية الجديدة فيما لو تم قبولها والعمل بها. الرفض اللفظى لبعض رجال الدين فى مجابهة القبول الضمنى لن يجدى شيئا. تصريح يتيم من هنا أو من هناك أو من بعض المراجع الدينية لن يجدى شيئا إذا لم يؤد ذلك إلى حملة مستمرة تجعل من قبول الفلسفة الابراهيمية انتحارا سياسيا أو دينيا لكل من يقبل بها ويتبناها.
المطروح لا يهدف إلى إلغاء الأديان القائمة الإسلامية والمسيحية، بل يهدف إلى خلق إطار روحى «ابراهيمى» يتم بموجبة وضع الأديان السماوية الإسلامية والمسيحية واليهودية ضمن إطار عام واحد يكون أقرب إلى «الحلف الروحى» الذى يفسح مجالا لليهودية لاحتلال مكان مساوٍ لباقى الأديان بغض النظر عن التاريخ والواقع البشرى الذى يجعل من اليهود قطرة فى بحر الإسلام والمسيحية البشرى.
أساس هذا التفكير الصهيونى ينطلق من الرغبة فى السيطرة على المنطقة من النيل إلى الفرات دون الحاجة إلى خوض حروب واحتلال أراضٍ للوصول إلى ذلك الهدف. فالحروب تنطوى على مخاطر وتضحيات بالنسبة للإسرائيليين، كما أنها تتطلب القدرة، فى حالة وقوع الاحتلال، على ابتلاع وهضم المناطق المحتلة كما فعل الإسرائيليون فى فلسطين، الأمر الذى يفوق القدرة والطاقة البشرية الإسرائيلية، والبديل فى التفكير الاستراتيجى الإسرائيلى كان من خلال طرح أفكار وفلسفات تؤدى إلى تغيير التاريخ وابتلاع العقائد السياسية والروحية واحتلال عقول البشر عوضا عن الاحتلال العسكرى.
إن استنهاض المقاومة الروحية الإسلامية والمسيحية للهجمة الصهيونية اليهودية الجارية تحت شعار الإبراهيمية هو أمر هام وأساسى بعد أن سقط الجدار العربى والعروبة كقيمة سياسية مُقاوِمة للوجود وللاحتلال الإسرائيلى. إن استنهاض المقاومة الروحية يجب أن يكون بعيدا عن أى مسعى لفرض التعصب الدينى لأن نتائج مثل ذلك السلوك سوف تكون سلبية ومتناقضة مع مسعى مقاومة المخطط اليهودى الصهيونى الداعى إلى «العقيدة الإبراهيمية» كون ذلك المخطط اليهودى الصهيونى متعصبا وإقصائيا فى صلبه، ودمويا وقمعيا فى ممارساته.
الجميع يقر ويعترف بأن العالم العربى الآن فى حالة انهيار، وهذا الانهيار إلى مزيد، كون عوامل النهوض أصبحت إما غير متوافرة أو غير مسموح بها.
ومع ذلك فإن فضح هذه الأفكار والأساليب والمخططات هى الخطوة الأولى على طريق مقاومتها وإفشالها، وليس قبولها والخضوع لها.
إن مستقبل فلسطين والعرب على المحك الآن. ومع أن معظم حكام العرب لا يمثلون بالضرورة آمال شعوبهم، إلا أن واجب التصدى لمثل تلك الأفكار والمخططات يبقى من مسئولية الشعوب لأن من سيدفع الثمن فى النهاية هو الشعوب وليس الحكام.
احتلال التاريخ العربى وإعادة كتابته من خلال العبث بالمناهج المدرسية والجامعية وحذف المواد المتعلقة بالمجتمع العربى والقضية الفلسطينية وكل ما يشير إلى العداء لإسرائيل أمثلة صارخة على هذا المسار وخطورته على تفكير الأجيال الجديدة، بالإضافة إلى احتلال الروح العربية دينيا وثقافيا تحت قيادة اليهودية الصهيونية العالمية والاستيلاء على الموارد الطبيعية والثروات العربية هى أهداف إسرائيلية ينتظر العرب الآن تحقيقها. وما كان ضربا من الخيال أصبح الآن واقعا يجرى العمل على تطبيقه بخطى إسرائيلية حثيثة واستسلام عربى شبه كامل.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved