القدرات التكنولوجية الإسرائيلية.. وحتمية معادلة التوازن
أيمن النحراوى
آخر تحديث:
الثلاثاء 25 نوفمبر 2025 - 6:45 م
بتوقيت القاهرة
خلال العامين الماضيين كشفت الحروب والمواجهات التى خاضتها إسرائيل على جبهات غــزة ولبنان وإيران وسوريا واليمن أن الجيش الإسرائيلى قد طور قدراته التكنولوجية العسكرية بصورة غير مسبوقة، من حيث التميز النوعى والتقنى لنوعيات وأجيال السلاح المستخدم، كما شهد الإنفاق العسكرى الإسرائيلى قفزة غير مسبوقة بنسبة 65% عام 2024 ليصل إلى 46.5 مليار دولار، ثم إلى 49 مليار دولار فى عام 2025 لتغطية الحروب والعمليات العسكرية العدوانية التى تقوم بها إسرائيل.
وطوال السنوات الماضية قامت إسرائيل بتوظيف آلاف الشراكات وبروتوكولات التعاون والاتفاقات العلمية والبحثية مع الجامعات والمعاهد والشركات التكنولوجية الكبرى فى جميع أنحاء العالم لتعزيز قدراتها الحربية والأمنية اعتمادًا على التكنولوجيا العليا وتطبيقات الذكاء الاصطناعى والحوسبة السحابية وتحليل البيانات الكبرى.
• • •
اليوم تمتلك إسرائيل مجمعًا صناعيًا عسكريًا يضم قرابة الألف شركة، تصنف ثلاثة منها ضمن أهم الشركات العالمية للصناعات العسكرية وهى شركات إلبيت، ورافائيل، والصناعات الجوية الإسرائيلية، ويحقق هذا المجمع الصناعى العسكرى لإسرائيل صادرات بقيمة 15 مليار دولار سنويًا.
ومن جهة أخرى يعد قطاع التكنولوجيا الفائقة من القطاعات الرئيسية فى الاقتصاد الإسرائيلى، ويشكل أكثر من 40% من قيمة الصادرات الإسرائيلية، وتشير الإحصاءات إلى أنه يوجد فى إسرائيل نحو 9200 شركة عاملة فى مجال التكنولوجيا بقوة عمل تبلغ 400 ألف خبير ومهندس وتقنى، وتعد نسبة العلماء والفنيين فى إسرائيل 140 عالمًا لكل 10 آلاف موظف وهى واحدة من أعلى النسب فى العالم، وبالمقارنة هناك 85 لكل 10 آلاف فى الولايات المتحدة، و83 فى اليابان.
وتتم أغلب الاستثمارات التكنولوجية الإسرائيلية مع حلفاء استراتيجيين فى الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبى، وكيانات كبرى مثل الجامعات والمعاهد والشركات التكنولوجية الكبرى، وبلغت قيمة الاندماجات والاستحواذات بين الشركات التكنولوجية الأمريكية والإسرائيلية خلال العامين الماضيين فقط 3.7 مليار دولار.
إن شركة إنتل الأمريكية العملاقة لأشباه الموصلات تنفذ حاليًا استثمارات بقيمة 25 مليار دولار لتطوير مصنع للرقائق الإلكترونية فى جنوب إسرائيل، بعد حصولها على منحة بقيمة 3.2 مليار دولار للمرحلة الأولى من الحكومة الأمريكية.
مشروع نيمبوس بـاستثمارات 1.23 مليار دولار ويتم بالشراكة مع شركتى جوجل وأمازون يُزود الحكومة الإسرائيلية بخدمات تحليل البيانات من خلال الحوسبة السحابية، وهدفه تمكين إسرائيل من معالجة قدر هائل من البيانات وحفظها بسرعة لتغذية أنظمتها التكنولوجية المعتمدة على الذكاء الاصطناعى.
فى ذات المجال طورت شركة «إنسو جروب» الإسرائيلية برنامج بيجاسوس، وطورت شركة باراجون الإسرائيلية برنامج جرافيت، وكلاهما من أخطر برامج التجسس وأكثرها تعقيدا، ويمكنهما القيام بالتنصت وتسجيل ملفات الصوت والرسائل قبل تشفيرها، والبرنامجان توردهما هاتان الشركتين للعديد من الدول والأجهزة الاستخباراتية والأمنية للتجسس واختراق هواتف السياسيين والدبلوماسيين والمسئولين لجمع المعلومات والبيانات.
شركة موتورولا الأمريكية للحلول التكنولوجية وشركة هيوليت باكارد لديهما علاقات متشعبة مع الشركات الإسرائيلية فى مجال أنظمة الاتصالات والمراقبة وأنظمة البصمة البيومترية المستخدمة فى نقاط التفتيش والمراقبة للجيش الإسرائيلى، كما تُوفر موتورولا أنظمة اتصالات مشفرة للجيش الإسرائيلى مثل نظام نتسان التكتيكى للاتصالات.
شركة إلبيت الإسرائيلية للتكنولوجيا العسكرية تعتبر واحدة من أكبر الموردين للطائرات بدون طيار من طراز هيرمز والتى تُستخدم فى عمليات القصف والضربات الجوية وتجميع المعلومات الاستخباراتية، هذه الشركة تضم 20 ألف موظف منهم 3675 خبيرًا ومهندسًا وتقنيًا يعملون فى فروع الشركة بالولايات المتحدة، وهى تعمل بموجب اتفاقية أمنية خاصة تسمح لها بالعمل بشكل مستقل ومنفصل عن الشركة الأم فى إسرائيل.
نظام لافندر وهو برنامج متطور يستخدمه الجيش الإسرائيلى لتحديد الأهداف أثناء العمليات العسكرية، ويعتمد على الذكاء الاصطناعى لتحليل المعلومات، كما تُعد منصةُ تحديد الأهداف «حابسورا» مثالًا بارزًا على تلك التطبيقات لتحديد الأهداف ومواقعها بدقة بالغة وحساب كمية الذخيرة اللازمة للهجوم، مما يزيد من دقة وفعالية الضربات العسكرية.
ويجدر الإشارة إلى التعاون بين وحدة الاستخبارات 8200 فى الجيش الإسرائيلى وشركة مايكروسوفت لتطوير نظام الأمن الخاص بالمنتجات السحابية للشركة، ومنها منصة أزور كلاود لإدارة وتشغيل وتحليل البيانات الحساسة وتحليلها باستخدام الذكاء الاصطناعى لدعم العمليات الاستخباراتية والعسكرية.
وأيضا تعاون موقع فيسبوك مع شركة «أونافو» التى أسسها أفراد سابقون فى الوحدة 8200 لصالح شركة «ميتا» ضد منافسيها فى تطبيقات التواصل الاجتماعى والقيام بأعمال تجسس على المستخدمين.
• • •
الأنظمة المعتمدة على الذكاء الاصطناعى باتت جزءًا لا يتجزأ من الترسانة العسكرية الإسرائيلية، حيث نشر الجيش الإسرائيلى أنظمة قائمة على الذكاء الاصطناعى للتوقع الاستباقى، والإنذار بالتهديدات المحتملة، والأنظمة الدفاعية، وتحليل المعلومات الاستخبارية، وتحديد الأهداف والذخائر المطلوبة، وأحدثها هو نظام «إيدج» داخل المركبات الذى يتم تثبيته داخل المدرعات الإسرائيلية لكشف التهديدات والهجمات المحتملة أثناء القتال.
أما أحد أنظمة دعم واتخاذ القرار التى يستخدمها الجيش الإسرائيلى، فهو نظام فاير فاكتورى الذى يمكنه تحليل مجموعات بيانات كبيرة جدا بما فى ذلك البيانات حول الأهداف مما يتيح احتساب كميات الذخيرة المطلوبة، وتحديد أولويات الأهداف، وأيضا نظام فاير ويفر الذى يربط أجهزة الاستشعار الموكلة بجمع المعلومات الاستخبارية بالأسلحة المنتشرة ميدانيا، مما يسهل تحديد الأهداف وقدرات الاشتباك.
الأسلحة الجوّالة هاربى وهاروب طوّرتها الصناعات الجوية الإسرائيلية، وهما طائرتان مسيّرتان ذاتيتا التشغيل تستخدمان الذكاء الاصطناعى لتحديد الأهداف المعادية خاصة الرادارات والمركبات وضربها دون الحاجة إلى توجيه مباشر لتحقق درجة عالية من الدقة والتدمير.
ومؤخرا أعلنت إسرائيل إطلاق القمر الصناعى التجسسى الجديد أوفيك 19 للاستطلاع والمراقبة فى أنحاء منطقة الشرق الأوسط، وبذلك يصل عدد الأقمار الصناعية الإسرائيلية إلى 19 قمرًا صناعيًا منها 12 للأغراض العسكرية وخدمة التطبيقات التكنولوجية فى أنظمة الصواريخ، والقوات الجوية والبرية والبحرية الإسرائيلية، والحرب الإلكترونية واحتياجات الاستخبارات والمعلومات.
• • •
ومما لا جدال بشأنه أن ما نرصده الآن من خطوات تتخذها إسرائيل لتحقيق التفوق التكنولوجى، إنما يضمن لها عوامل قوة إضافية تضيفها لرصيد القوة الشاملة لديها، والأمر الأشد خطورة أن ذلك الرصيد يخدم توجهاتها العدوانية واستراتيجيتها للتوسع والهيمنة والتغول فى الشرق الأوسط، مما يضع الجميع أمام مسألة حاسمة تتعلق بحتمية الاستعداد ومعادلة التوازن.
أستاذ ومستشار الاقتصاد الدولى واللوجيستيات