الرقص مع النظام

محمد موسى
محمد موسى

آخر تحديث: الأربعاء 25 ديسمبر 2013 - 7:30 ص بتوقيت القاهرة

يلتفت المواطن حوله ليعثر على وسيلة إعلام تعمل فقط فى توصيل المعلومة، فلا يجد سوى من يوصلون الكذب الساذج إلى المنازل، وهم لا يعرفون أن زبونهم قد تغير. فمواطن اليوم غير زميل الأمس، الذى كان يأكل ما تقوله هيئة الاستعلامات، ويحلى بـ«عناوين الصحف الخائنة»، ثم ينام ملء جفونه.

«مؤامرة جديدة للإخوان وحزب النور للاستيلاء على الحكم»، حدث لا يتجرأ على الخوض فيه إلا جهة سيادية، استعدت لمخاطبة الرأى العام بكل ما أوتيت من أدلة ووقائع. لكننا نقرأ ذلك فى الصحف، وببساطة.

مؤامرة الاستيلاء على الحكم جريمة فى كل القوانين، لكن ما تحدث عنه «التقرير» هو تخطيط انتخابى بين حزب النور وعبدالمنعم أبو الفتوح. وبداية التقرير تقول إن «موقف حزب النور المتأرجح بين الرفض والقبول بخارطة الطريق يثير جدلا واسعا حول موقف الحزب، وهذا يثير القلق من تورط التيار الإسلامى فى مؤامرة جديدة مع الجماعة المحظورة بهدف تمرير مخططات خفية».

خفية عليكم؟.

ها هى المؤامرة قد انكشفت لكاتب التقرير، فهل ينطلى هذا التلفيق على قارئ 2013؟

قبل يومين تحدثت إلى نادر بكار مساعد رئيس حزب النور، والحزب واضح فى قبوله بخريطة الطريق، إلى درجة الموافقة على تعديلها بشأن الانتخابات، «إذا كانت هناك حاجة ضرورية وإجماع على ذلك، وعلى أن يكون ذلك هو التعديل الوحيد للخريطة»، كما قال بكار.

صحيفة أخرى نجحت فى «اختراق التنظيم الدولى للإخوان بالوثائق والمستندات»، ونشرت أمس الأول نص المراسلات السرية للمؤامرة التركية القطرية ضد مصر».

إذن المؤامرة تركية قطرية، وليست نورية إخوانية. وصور المراسلات المنشورة أوراق بلا ختم أو لوجو، أوراق أستطيع كتابتها على الكمبيوتر، وطباعتها على «البرنتر»، وأخرج للناس كصحفى عليم ببواطن الأمور، وأتحدث عن مؤامرة ملفقة.

التفليق الإعلامى مستمر على جبهتين، الأولى ضد الإخوان، والثانية ضد شباب الثورة. كل حادث يقع على أرض مصر الآن تكتبه الصحف على طريقة «جريمة جديدة للإخوان»، أو «فضيحة جديدة لمرتزقة ثورة يناير». والأخبار الوهمية المنسوبة إلى مصادر مطلعة، سيادية، مقربة، أصبحت هى الطبق الرئيسى، فأين الصحافة؟.

تبدأ الصحافة عندما يعود المجتمع.

تعود المهنة عندما يتمكن المجتمع من لم جراحه، وتشكيل خطوطه وحدوده، ومجتمعنا مازال بعافية، خاصة فى منطقة النخبة.

لدينا نخبة سياسية واقتصادية تعيش بقدم فى زمن مبارك الذى لا يموت نظامه ولا شبكاته، وقدم فى التطورات الاجتماعية الكبيرة التى نشهدها، دون أن تفهمها، وها هى تواصل تقديم الإعلام، حكومى ومستقل، على طريقة ماما نجوى وبقلظ.

فى يوليو الماضى لاحظت د. عواطف عبدالرحمن أن الصحافة «تواجه تحديات كثيرة ومعقدة فى ظل تعاظم نفوذ السلطة التنفيذية.. ورغم أن المشهد الإعلامى الراهن يؤكد اتساع هامش الحريات، إلا أن ذلك جاء على حساب الالتزام المهنى والمجتمعى».

كلما كان النظام ضعيفا خائفا، اخترع لنفسه أعداء وهميين، يخيف الشعب منهم، وكل نظام فاشل يحتاج إلى هيئة استعلامات، تقرأ أفكاره، ثم تعيد إنتاجها فى صورة النشرة الناطقة، والأغنية الوطنية الرخيصة.

وكلما كان الإعلام، حكوميا ومستقلا، بعيدا عن التزامه المهنى والمجتمعى، تحول إلى هيئة استعلامات جاهزة للرقص مع النظام، وفبركة الانفرادات والمؤامرات، بمستندات ومكالمات مسربة ووهمية، أو بدون.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved