كبوة الدبلوماسية المصرية

سيد قاسم المصري
سيد قاسم المصري

آخر تحديث: الأحد 25 ديسمبر 2016 - 9:45 م بتوقيت القاهرة

أصدر مجلس الأمن قرارا بالإجماع (14 صوتا من لا شىء وامتناع دولة واحدة عن التصويت هى الولايات المتحدة) يعلن أن جميع المستوطنات التى أقامتها إسرائيل فى الأراضى المحتلة عام 1967، بما فى ذلك التى أقيمت فى القدس، ليس لها شرعية قانونية وتشكل خرقا جسيما للقانون الدولى وعقبة كبيرة أمام حل الدولتين. ويطالب القرار إسرائيل بالتوقف فورا عن كل الأنشطة الاستيطانية (وفقا لتقرير الرباعية المشكلة من الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبى والأمم المتحدة فإن عدد المستوطنين قد بلغ فى يوليو الماضى 570 ألف مستوطن فى الأراضى المحتلة) ، ويعلن مجلس الأمن فى قراره أنه لن يعترف بأى تغييرات فى الحدود وفقا لخطوط 4 يونيو 1967، بما فى ذلك القدس، إلا تلك التى يوافق عليها الطرفان من خلال التفاوض، ويطالب جميع الدول بالتفرقة بين أراضى إسرائيل والأراضى المحتلة. ولأول مرة تسمح الولايات المتحدة بصدور مثل هذا القرار، حيث امتنعت عن التصويت ولم تستخدم حق الفيتو (كانت المرة السابقة التى جرت فيها محاولة مشابهة فى عام 2011 وتم وأد القرار باستخدام حق الفيتو) .


هذا وقد ضج مجلس الأمن بالتصفيق فور الموافقة على القرار فى سابقة هى الأولى من نوعها فلم يحدث فى تاريخ الأمم المتحدة أن صفق أعضاء المجلس لقرار اتخذوه.. كان التصفيق يحدث أحيانا فى الجاليرى من جانب الجمهور فقط وفى حالات نادرة.


وقد أعلنت السفيرة سامانثا باور مندوبة أمريكا بالأمم المتحدة فور صدور القرار فى شرحها لتصويت بلادها أن أوباما هو أول رئيس يسمح بصدور مثل هذا القرار فى شأن المستوطنات، وذلك على الرغم من أن سياسة أمريكا فى هذا الصدد ظلت ثابتة فى معارضة الاستيطان طوال عقود من الزمان مع تعاقب الإدارات الديمقراطية والجمهورية. والذى دعا الولايات المتحدة إلى السماح بمرور القرار هو التوسع الكبير فى بناء المستوطنات بحيث أصبحت تشكل خطورة على سياسة «حل الدولتين» وأشارت فى هذا الصدد إلى تصريح نتنياهو الشهير «وداعا للدولتين» الذى أدلى به بعد فوز دونالد ترامب فى الانتخابات الرئاسية، كما أشارت إلى عنصر آخر وهو تأهب الكنيست الإسرائيلى إلى إصدار قانون يضفى الشرعية على المستوطنات المقامة على أراضى مملوكة لأفراد فلسطينيين، وهو الأمر الذى يعد غير شرعى حتى فى ضوء القانون الإسرائيلى. وأضافت أن الولايات المتحدة ظلت خلال العقود الخمسة الماضية تحث إسرائيل ــ سرا وعلانية على التوقف عن التوسع الاستيطانى الذى هو فى الواقع يزعزع الأمن الإسرائيلى ولا يمكن لأى دولة تعتمد حل الدولتين أن توافق فى نفس الوقت على التوسع الاستيطانى. وقد أعلن متحدث رسمى أمريكى أن الولايات المتحدة ليست وراء هذا المشروع فهو مبادرة مصرية منذ البداية فمصر هى التى أعدته وهى التى قامت بتوزيعه وهى التى قدمته رسميا باسمها إلى مجلس الأمن تم عادت فسحبته فتبنته دول أخرى.


***
الذى حدث أن مصر هى التى أعدت بالفعل مشروع القرار بالتعاون والتنسيق مع الوفد الفلسطينى وهى التى قدمته رسميا إلى مجلس الأمن يوم الأربعاء 21 ديسمبر وتحددت جلسة يوم الجمعة 23 ديسمبر للتصويت إلا أن مصر عادت وسحبته، فقامت أربع دول أخرى تمثل المجموعات الجغرافية الأربعة فى الأمم المتحدة وهى الآسيوية (ماليزيا) والأفريقية (السنغال) واللاتينية (فنزويلا) والغربية (نيوزيلندا) بإعادة تقديم المشروع وصدر القرار بأغلبية 14 عضوا من بينها مصر من مجموع 15 وامتناع الولايات المتحدة عن التصويت.


كان يمكن أن يصدر هذا القرار واسم مصر هو الاسم الوحيد عليه فهى التى اتخذت المبادرة وهى التى صاغته وهى التى قامت بالتشاور مع الدول الأعضاء بشأنه حتى أصبح جاهزا للإصدار. كان ذلك سيضاف إلى رصيد مصر العربى والإسلامى باعتبارها الدولة التى نجحت لأول مرة فى إمرار قرار بهذا الوزن من مجلس الأمن.


وفى البداية لم تعر إسرائيل الموضوع اهتماما اعتمادا على الفيتو الأمريكى المضمون، فكم من مشاريع القرارت الخاصة بالحقوق الفلسطينية والتى حازت موافقة أعضاء المجلس قد تم إيقافها بالفيتو الأمريكى، إلا أنه عندما تبين لإسرائيل أن أمريكا لن تستخدم الفيتو، جن جنونها وقام نتنياهو بالاتصال بترامب للضغط على مصر لسحب القرار وهو الذى حدث بالفعل أملا فى أن ذلك يتيح فسحة من الوقت لحين تولى ترامب منصبه وتصبح إسرائيل فى حماية أكيدة.
والذى أخذه على الدبلوماسية المصرية العريقة، أنه كان حريا بها أن توضح لمتخذ القرار الأمور التالية:


ــ أن سحب مشروع القرار ــ دون مبررات موضوعية ــ وبعد أن أخذ اللون الأزرق ــ بتعبير الأمم المتحدة ــ أى أصبح فى المراحل النهائية بعد انتهاء مرحلة المشاورات، فإن سحبه فى هذه الظروف يعد إعلانا صريحا بالخضوع للضغوط.


ــ أنه لا يوجد سر فى الأمم المتحدة وأن قرار الولايات المتحدة عدم استخدام الفيتو شاع أمره وأن سحب مصر للمشروع لن يحول دون تقدم دولة أخرى بإعادة طرحه على المجلس وهو ما حدث.


إذن فلن ينالنا من سحب المشروع: إلا فقدان الجهد الذى بذلناه فى إعداده والترويج له وفقدان تبنى هذا المسعى الناجح.


وقد أحدث هذا القرار صدى مزلزلا فى إسرائيل حتى أن البعض أعلن أن الولايات المتحدة قد تخلت عن إسرائيل وعن سياسة الدفاع عنها فى المحافل الدولية.


وأعلن وزير الطاقة الإسرائيلى ــ المقرب من نتنياهو أن هذا القرار ليس موجها ضد الاستيطان بل ضد إسرائيل وضد الشعب اليهودى، أما نتنياهو فقد سارع بإعلان رفض القرار (القرار واجب التنفيذ وفقا لالتزام الدول الأعضاء باحترام قرارات مجلس الأمن، لأنه صادر تحت الفصل السادس الخاص بتسوية النزاعات سلميا وليس تحت الفصل السابع الذى يرتب عقوبات على عدم تنفيذ القرارات بما ذلك استخدام القوة) ، وقال نتنياهو إن إسرائيل ترفض هذا القرار المخزى الذى يعتبر الحائط الغربى (حائط المبكى) أرضا محتلة، وقامت بقطع المساعدات الاقتصادية عن السنغال وألغت زيارة سفير نيوزلندا غير المقيم لديها..


أما الفلسطينيون فاعتبروه يوم عودة الاحترام إلى القانون الدولى ويوما لتضميد بعض جروح الفلسطينيين النازفة منذ سبعين عاما.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved