الصورة قاتمة.. لكن الفجر آتٍ أين عرب القرن الحادى والعشرين؟

طلال سلمان
طلال سلمان

آخر تحديث: الثلاثاء 25 ديسمبر 2018 - 9:50 م بتوقيت القاهرة

دار الفلك بالعرب دورة كاملة، خلال قرن واحد، فإذا هم حيث كانوا فى مثل هذه الأيام من القرن الماضى، أو دون ذلك بقليل: كانت أقطار مشرقهم تحاول الاستفادة من انهيار السلطنة العثمانية، مع نهاية الحرب العالمية الأولى للخروج إلى رحاب استعادة الهوية القومية فى ظلال الحرية..
.. لكن الآمال التى كانت أشبه بالأحلام سرعان ما تحولت إلى كوابيس: خرج المحتلون باسم الإسلام، ودخل «الكفار» بريطانيين وفرنسيين الأرض العربية «كمحررين» ليستعمروها مجددا، بعد تقسيمها فيما بينهم: فرضت بريطانيا احتلالها على عراق أعيد رسم خريطته، وابتدعت كيانا طارئا على الجغرافيا السياسية للمنطقة باسم «شرقى الأردن» لتقيم إمارة هاشمية، تعويضا للشريف حسين بشخص ابنه الأمير عبدالله عن عرش الحجاز، ثم أضافت إلى التعويض جائزة كبرى تمثلت فى عرش العراق للنجل الآخر الأمير فيصل بن الحسين ليكون ملكا فى بغداد.
بالمقابل مُنحت فرنسا جائزة الانتداب على سوريا، بعد تقسيمها أربع دويلات سرعان ما أسقطها الشعب متمسكا بوحدة بلاده، فى حين اقتطعت الأقضية الأربعة منها (الشمال والشرق والجنوب وبيروت، وقد كانت ولايات أو بعض الولايات) لُيقام الكيان اللبنانى تحت الانتداب الفرنسى، وفى ظل توازنات طائفية ومذهبية هشة وحنين إلى الأرض الوطنية (سوريا الطبيعية).
كانت بريطانيا العظمى قد استبقت نهاية الحرب العالمية الأولى فأعطت بلسان وزير خارجتها، اللورد بلفور، وعدا للحركة الصهيونية بقيادة هيرتزل، بإقامة «وطن قومى» لليهود فى فلسطين (التى لم تكن يهودية فى أى يوم..) وعلى حساب أهلها العرب بطبيعة الحال.
لم يعرف «العرب» بهذا «الوعد» إلا مع انفجار روسيا بالثورة البلشفية (الشيوعية) التى أقامت الاتحاد السوفيتى، و«فضحت» الغرب عموما، وبريطانيا خصوصا، بكشفها الستار عن وثيقة بريطانية سرية أعطاها وزير الخارجية اللورد بلفور للحركة الصهيونية بأن تقيم دولتها «إسرائيل» على أرض فلسطين (وعد بلفور..).
على هذا فإن قلة من المسئولين العرب عرفوا بهذا «الوعد»، ولكنهم بمجملهم لم يعلقوا عليه الأهمية المطلوبة، مفترضين أن «الانتداب» البريطانى على فلسطين سينتهى ذات يوم، وسيكون لأهلها القرار.
***
لكن «وعد بلفور» سيجد ما يكمله عبر معاهدة سايكس ــ بيكو التى تقاسم فيها البريطانيون مع الفرنسيين المشرق العربى، فكان العراق والأردن (المبتدع) وفلسطين لبريطانيا، وسوريا ولبنان للانتداب الفرنسى.
اليوم، وبعد قرن على نهاية الحرب العالمية الثانية، ونصف قرن على وعد بلفور ومعاهدة سايكس ــ بيكو نرى لمنطقة المشرق العربى خريطة جديدة تتوسطها «إسرائيل» ــ كقوة عظمى ــ وتتناثر من حولها مجموعة من الدول العربية المنهكة إلى حد التمزق.
باتت إسرائيل «وريثة الاستعمار الغربى» وتحولت من «ربيبته» إلى شريكته.. ولأنها على «أرض المشرق» فقد فوضت إلى ذاتها، بالرعاية الأمريكية، القرار فى شئونه، بدءا من مصر، إلى سوريا ولبنان، وصولا إلى العراق وما دونه فى شبه الجزيرة العربية وصولا إلى سلطنة عمان، التى كان نتنياهو «ضيف الشرف» فيها قبل أسابيع.
***
لم يعد القرار فى شئون العرب، دولا وشعوبا، قرارا عربيا:
لا حدود مصر الدولية هى حدودها التاريخية، ولا حدود سوريا، ولا حتى حدود لبنان، فضلا عن الأردن الذى استولد لتسهيل استيلاد إسرائيل واستخدم بين 1948 و1967 كخط فصل، ثم أكملت دولة العدو الصهيونى احتلال الضفة الغربية، التى تحاول ــ يوميا ــ قضم بعض أطرافها، بما فى ذلك القدس الشرقية، لتكون العاصمة العتيدة لدولة الاحتلال الإسرائيلى.
القرارات الدولية وقوات الطوارئ الدولية المنتشرة على حدود لبنان وسوريا، وبالمقابل معاهدة الصلح مع مصر ــ السادات، هى حدود «العرب» مع الكيان الإسرائيلى.. وخرق هذه الحدود بمثابة إعلان حرب على القرارات الدولية النافذة!
وبالتالى فإن هذه الأرض العربية تبقى مفتوحة أمام إسرائيل التى أقيمت بقرار دولى على أرض عربية (فلسطين) لم يكن اليهود يشكلون فيها إلا أقلية من أهلها عبر التاريخ.
بالمقابل، وكضمانة لسلامة الكيان الإسرائيلى فإن الوحدة أو الاتحاد أو أى نوع من التكامل بين الدول العربية ممنوع... وحين أقدمت مصر بالقيادة التاريخية جمال عبدالناصر وسورياــ شكرى القوتلى ــ إنجاز الحلم التاريخى بإقامة دولة الوحدة العربية ــ الجمهورية العربية المتحدة ــ تكالبت عليها دول العالم جميعا، شرقا وغربا، لتهديم هذه الدولة الوليدة التى كانت تحتاج زخما وكفاءة فى الإدارة وإيمانا بقضية الوحدة يتغلب على الكيانية والإقليمية.. لكى تدوم وتقوى معلنة بزوغ فجر عربى جديد للمستقبل العربى.
***
الوطن العربى حاليا «أسطورة»!
إنه مِزق من «الدول التابعة» بمعظمها للغرب، وفى بعض الحالات لنوع من التحالف أو التواطؤ الدولى فى غياب أصحاب الشأن.. ولعبة المصالح (التى حلت محل الاستعمار القديم) هى التى تحكم مواقع النفوذ، فتعطى الغرب الغنى بالقيادة الأمريكية الحصة العظمى، مع الأخذ بالاعتبار مصالح بريطانيا وفرنسا، بغير أن تستفز روسيا التى ورثت الاتحاد السوفيتى من دون إمبراطوريته ومعها الشيوعية.
من اليمن حتى المغرب تتوزع الولاءات (حتى فى غياب القواعد العسكرية) بين الولايات المتحدة وبعض عواصم الخبرة الدولية ــ بريطانيا وفرنسا، بينما شعوب هذه المنطقة تائهة عن مستقبلها، تارة بتمجيد ماضيها الذى لن يعود، وطورا بحماية حاضرها الذى تعجز عن صنعه بإرادتها فترهنه لدى أصحاب القرار.
لذا فإن إسرائيل، مكشوفة أو مموهة بالستارة الأمريكية، تكاد تكون شريكة، ظاهرة أو ضمنية، فى أى قرار عربى: من العسكر إلى الصناعة والزراعة والتعليم والثقافة فضلا عن العلاقة مع الدول الأخرى.
إن رئيس حكومة العدو الإسرائيلى يتباهى اليوم بأن معظم العواصم العربية مستعدة لاستقباله، وجاهزة لقبول سفارات لكيانه فيها.
تسقط سهوا من القاموس السياسى العربى كلمة «فلسطين»، وإن حضر تعبير «السلطة الوطنية» فى رام الله التى لا سلطة لها حتى على شرطتها، والتى يحاصرها جيش العدو الإسرائيلى وينفذ عمليات قتل المجاهدين فيها على مدى الساعة.
أين الوطن العربى، اليوم؟ وإلى أين منها؟
إن دولا عديدة من دول هذا الوطن تكاد تندثر أو تفقد دورها نتيجة الحروب فيها وعليها (العراق، سوريا، اليمن، ليبيا إلخ)..
والدول الباقية معطلة الدور، أو عاجزة عن القيام بمتطلباته الثقيلة التى ستلزمها بالتصادم مع المصالح الأمريكية الواسعة وأعظمها قوة وجهوزية: دولة إسرائيل!
***
بل إن الكثير من الدول العربية تخاصم بعضها البعض.. فهناك من أقدم على اتخاذ قرار كبير ــ أكبر من قدراته بكثير ــ هو «طرد» سوريا من جامعة الدول العربية (وهى إحدى الدول المؤسسة لهذه الجامعة المعطلة الآن عن أى دور..).
وهناك من أقدم على شن حرب تكاد لا تنتهى على واحدة من أقدم دول الأرض، وهى اليمن.. وهى حرب مستمرة منذ سنوات، وتكاد تقضى على أسباب الحياة فضلا عن بناء الحياة فى اليمن السعيد.
فأما العراق فمغيب تحت ركام عصر الديكتاتورية والاحتلال الأمريكى وتداعياته التى فجرت فيه الفتنة الطائفية، من جديد، مما يعجزه عن تشكيل حكومته الجديدة.
وأما ليبيا فقد سقطت أو أُسقطت بالضربة القاضية بعد إسقاطه وإعدامه بتلك الطريق الوحشية.
...ولبنان يحاول الآن رد العدو الإسرائيلى عن حدوده التى «تحرسها» قوات الأمم المتحدة... لكى تطمئن إسرائيل إلى أن المقاومة فيه لن تقتحم مستعمراتها، وصولا إلى جنبات احتلالها فى فلسطين.
***
مع ذلك، وبرغم ذلك، فمن واجبنا الوطنى والقومى أن نتفاءل:
فأمتنا قادرة على استعادة قرارها، وبناء غدها الأفضل، مهما كانت المصاعب.
إنها أمة مؤهلة لصنع المستقبل الأفضل.
تفاءلوا بالخير تجدوه..
وكل عام، وأنتم بخير!

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved