حفل طلاق

جميل مطر
جميل مطر

آخر تحديث: الثلاثاء 26 يناير 2010 - 10:55 ص بتوقيت القاهرة

 أفهم أن نهتم بمشكلة ارتفاع معدلات الطلاق فى بلادنا، وبأسباب الطلاق، والمشكلات المترتبة على وقوعه، وأستطيع أن أقدر وأفهم الاهتمام بمشاعر المطلقة والمطلق، والسعى للمشاركة فى التخفيف من آثار الطلاق الصحية والنفسية والاجتماعية.

ولكن ما لا أفهمه، أو على الأقل أجد صعوبة فى فهمه، هو أن يتحول الطلاق من مؤسسة غير محببة، أو كما ورثناها ثقافيا ودينيا، مؤسسة «مبغوضة»، إلى مؤسسة محببة ومرغوبة، وفى أحوال بعينها، إلى ممارسة عادية أو مألوفة، وفى متناول الجميع وسيرتها والقرار المتعلق بها على طرف اللسان دائما.

ثم نمى إلى علمى من مصادر موثوق بها أن عددا متزايدا من المصريين صار يتعامل معه باعتباره «تقليعة» أمريكية لاستخدامها لدفع الملل، أو باعتباره «نيولوك» يجدد الثقة فى النفس ويضيف أصدقاء جددا ويفتح أبوابا موصدة.

إلا أن أعجب ما سمعته منذ أيام عن الجديد فى المجتمع القاهرى، أن سهرات تقام للاحتفال بالمطلقين والمطلقات حديثى العهد بتجربة الطلاق، أسوة بسهرات الزفاف التى تقام للعرائس والعرسان بعد عقد القران. كنت أعرف أن هذه الحفلات صارت من الظواهر المعتادة فى بعض المدن الأمريكية قبل أن تنتقل إلى بريطانيا.

ولكننى لم أعرف إلا متأخرا جدا أن الظاهرة امتدت إلى بلدنا. لم أفهم فى البداية واستسخفت الفكرة، فالطلاق حسب كل الروايات يولد لدى طرفيه مشاعر متناقضة ويثير عواطف مختلفة ليس بينها السعادة والفرح بالشكل الطاغى الذى يبرر إقامة حفل ساهر ترتدى فيه المطلقة ثيابا كثياب العرس، وترتدى لها صديقاتها فساتين سهرة جرى تفصيلها خصيصا لهذه المناسبة، وجميعها من صنع بيوتات عالمية شهيرة. كان أول ما طرأ على ذهنى أن رجالا ونساء بنوايا طيبة قرروا أن يخففوا من مصاب شخص عزيز عليهم فاجتمعوا.

خطر هذا الخاطر قبل أن أستمع إلى حكايات مذهلة عن تفاصيل سهرات لا أثر فيها لحزن أو خيبة أمل أو أسف لفقدان شىء، ولا أقول فقدان إنسان كان الأقرب إلى الجسد وربما الأقرب إلى الروح.

صحيح أن زوجات فاض بهن الكيل لسبب تافه أو جوهرى أو لأسباب كثيرة مقيتة، وما يصح بالنسبة لزوجات يصح لأزواج، ومن حق كل منهم أن يخرج من جحيم عاش فيه وقتا طويلا أو قصيرا، وأظن أنه صحيح أيضا أن المطلقة أو المطلق يحلم أنه إذا خرج من الجحيم فلن يلقى به المجتمع إلى جحيم آخر ملؤه الشك أو النسيان أو التجاهل والإهمال أو كلها معا.

تريد المطلقة، وكذلك المطلق، أن يعلن لكل الناس أنه خرج من «عزلة» الزواج، وأنه جاهز الآن لحياة زاخرة بأصدقاء ومعارف وأحباء وتجارب جديدة يغرف منها ما حرمه الزواج.

أكثر مطلقات اليوم والمطلقون فى مصر يرفضون، كما فى أمريكا وبريطانيا، حيث المعلومات أوفر والشفافية أكبر، أن تحكم عليهم العائلة الأوسع وأبناؤهم وبناتهم والمجتمع بأسره بأن يحيوا حياة انكفاء أو انعزال. انتهى نموذج المرأة الهندوسية التى كانت تلقى بنفسها فى النار التى تحرق جثمان زوجها أو تنتحر إذا تركها زوجها إلى غيرها، لأن حياتها أرملة أومطلقة جحيم لا يطاق.

فى هذا الإطار قد تبدو للبعض مسألة سهرة الاحتفال بسريان الطلاق مبررة، وبخاصة إذا كان الغرض من الحفل الإعلان عن وقوع تغيير فى الحالة الاجتماعية. ولكن ما يصعب تبريره هو الحماسة التى تحظى بها فكرة «زفة الطلاق»، خاصة فى بعض الأوساط التجارية. فقد أعلنت محال فى بريطانيا مثلا، ومنها سلسلة المحال المعروفة باسم ديبينامز عن فتح سجلات خاصة للمطلقات والمطلقين الأحدث عهدا، تسمح لهم بتخفيضات فى الأسعار وتسهيلات فى الدفع.

وفى أمريكا أعلن المسئولون عن بيوت الأزياء ومتعهدو حفلات الزفاف استعدادهم تنظيم عروض أزياء خاصة بالمطلقات، وحفلات طلاق ساهرة تناسب الظروف المادية للمحتفى بهم وبهن.

أثق ثقة كبيرة فى أن وراء حفلات الطلاق هذه خبرات قرأت ودرست وتخصصت، تماما كالخبرات التى تكونت واتسع نشاطها حتى صارت تتحكم فى قرارات زواج عديدة. تقول معظم الكتب التى تتناول قضايا الزواج، وما أكثرها هذه الأيام، إن نسبة غير بسيطة من الفتيات تسعى للزواج وتقبل بالعريس لا لشىء أكثر من أنها ستكون نجمة فى عرس زفافها، ترتدى له ثياب العروس، ويشهد الناس أنها حظيت بشرف اختيارها زوجة لأحد الرجال.

أظن أن وراء النسبة المتصاعدة من المطلقات اللائى يقمن أو تقام لهن حفلات طلاق أسباب أخرى، وإن كنت لا أستبعد أن تكون شهادة الشهود وإعلان العودة من بين أهم الأسباب.

لفت نظرى إحصاء نشر حديثا يكشف عن تراجع بسيط فى حالات الطلاق فى الولايات المتحدة واستقر عند رقم 850.000 وتعلق أليسون كوسيك مقدمة البرامج فى محطة «سى. إن. إن» قائلة إن نسبة غير بسيطة من هذه الحالات وقعت بسبب الفيس بوك وغيره من آليات التعارف الإلكترونية الجديدة، وتشير تحديدا إلى أن خُمس حالات الطلاق التى وقعت فى بريطانيا فى العام الماضى كانت بسبب الفيس بوك.

فى الوقت نفسه يخرج إلينا من يعتقد بأن التراجع فى حالات الطلاق فى أمريكا فى السنة الفائتة كان بسبب ظروف الكساد والأزمة المالية. وقد ثبت بالفعل أن الكثيرات والكثيرين من راغبى الطلاق وأغلبهم من صغار السن تعذر عليهم توفير المال اللازم لدفع تكاليفه التى أصبحت بعد إضافة حفل الطلاق لا تقل عن تكاليف عقد القران، إن لم تزد.



هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved