جيل التحول الديمقراطى فى تونس

صحافة عربية
صحافة عربية

آخر تحديث: السبت 26 يناير 2019 - 1:10 ص بتوقيت القاهرة

نشرت جريدة المغرب التونسية مقالا للكاتبة «آمال قرامى» وجاء فيه:
يُنظر إلى التلاميذ، فى الغالب، على أساس أنهم «منفلتون» لا يعيرون اهتماما للدراسة ولا للمنظومة القيمية وليس لهم شغف إلا بالألعاب الإلكترونية ووسائل التواصل الحديثة والرياضة. أما على مستوى السلوك فإن أغلب التلاميذ هم، فى نظر الكهول، ثائرون على جميع السلط بدءا بسلطة الأب والأسرة وصولا إلى سلطة الإطار التربوى ومن ثم فإن «العنف سيد الميدان» وخوض التجارب مساعد على بناء الشخصية، بل إن شرب الخمور وتعاطى المخدرات وممارسة التحرش وغيرها من الأفعال تعد فى نظر اليافعين، من أهم «وسائل التسلية».
بيد أن هذه الصورة السلبية التى يتشبث بها أغلب الكهول والمسنين مغرقة فى التعميم وتجانب الصواب إذ أثبتت الدراسات على قلتها، أن اليافعين يعيشون تحولات متعددة تعبر عن إدراك مختلف للواقع المعيش وفهم جديد للشأن العام، الأمر الذى يجعلهم يردون الفعل بطريقة غير معهودة. ولئن همش الإعلام قصص النجاح التى كان أبطالها اليافعون ككتابة القصص وتأليف الكتب التى تتناول قضايا التعليم وابتكار بعض البرمجيات والتفوق فى مجال الشطرنج والرياضة وغيرها من الإنجازات فإن المتأمل فى حيوات هذه الفئة وخطاباتها ينتبه إلى علامات التحول ويقف على مؤشرات تخبر عن تحقق مقدار من الوعى والنضج، وهو ما اكتشفه التونسيون خلال هذا الأسبوع عندما خرج التلاميذ عن صمتهم وبدأ أغلبهم يتململ ويعبر عن موقفه من «الصراع بين النقابة والوزارة».
التلاميذ فى تونس «التحول الديمقراطى» ينتفضون ويعبرون من خلال الاحتجاج والمسيرات والشعارات والإضراب عن غضبهم ويدافعون عن حقهم فى العلم وسيلتهم فى ذلك وسائل التواصل الاجتماعى ومقاصدهم فتح المجال أمام جميع الأصوات للتعبير عن ذواتهم، واختبار الممارسات الديمقراطية علهم يتحصلون على حقوقهم، وعلى رأسها الحق فى المعرفة. والتلاميذ إذ يحتجون إنما يتموقعون باعتبارهم مواطنين فاعلين يرفضون التعامل معهم على أساس أنهم موضوع المشاجرات والعراك والتفاوض والضغط.. إنهم ذوات قادرة على رد الفعل والضغط والتعبير.
ولا غرو أن هؤلاء التلاميذ الذين يؤمنون بالتمثيلية والاستشارة والحوار والإصغاء إلى القواعد.. يمثلون الجيل الذى نشأ فى مسار التحول الديمقراطى، وعاش على وقع الاحتجاجات والمسيرات السلمية والاعتصام، وواكب أيام الغضب وعاين تشكل الحركات الاحتجاجية وفقه سطوة وسائل التواصل الاجتماعى وأدرك هيمنة الخطاب الحقوقى واستراتيجيات التفاوض فراح يتحدث عن مراحل الحوار ويهدد بالتصعيد.. وهو جيل حذق ممارسة التشكيلات التعبيرية المتعددة فحول ساحات المدارس والمعاهد إلى فضاء للتواصل المرئى وصاغ الشعارات المحفزة: «التلميذ يطالب بالتغيير» و«يا تلميذ يا مسكين حقك ضاع ونتى وين»... «يا تلميذ يا مظلوم جا الوقت باش تقوم».. والشعارات المعبرة عن المشاعر السائدة «من السيستام رانا فدينا» و«يا تونس... قتلو صغارك بين يديك» والشعارات المنتقدة «يا إعلام وينك على التلميذ مغطى عينك» والشعارت المهددة: «لا دراسة لا استسلام حتى يتبدل السيستام».
تمتلكنا البهجة ونحن نعاين الحركة التلمذية، وهى تتشكل وفق معايير وقيم غير التى نعرفها ولكن أبناء هذا المسار الانتقالى ليسوا كلهم على هذه الدرجة من الوعى والانضباط. فقد لمسنا حالات الاستسلام للإحباط والتى انتهت بالانتحار أو «بالحرقة» أو بالرضوخ لمحاولات الاستقطاب للراديكالية أو الإقبال على الممارسات المنحرفة كالبراكاجات التى بات عدد من المراهقين «أبطاله» ورأينا كيف ينفلت عقال بعض المراهقين فينتقمون من الإطار التربوى أو من الأمنيين، ومعنى هذا أن هذه الحركة التلمذية معرضة للاختراق من عناصر تحتفى بالمشهدية وتبحث عن الإثارة «البوز» وأخرى تريد أن تتحول من الهامش إلى المركز، وهو أمر مشروع: فلم يغدو «اليعقوبى» و«بن سالم» وحدهما فى المركز؟ أليس من حق «المرتهن» و«الضحية» أن ينقلب على تسلط الكبار؟ وإذا كانت المؤسسة التعليمية فى نظر المتصارعين، ذات قطبين: الوزيرــ الحكومة والنقابة والمنضويين تحتها فإن احتجاجات التلاميذ على ما آل إليه الأمر تلفت النظر إلى قوة أخرى بصدد التشكل قد تقلب موازين التفاوض وتغير بنية العلاقات ونظام التمثلات. فحذار من الاستخفاف بقدرة الجيل القادم على تغيير المعادلات.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved