فى نادى الأثرياء

خولة مطر
خولة مطر

آخر تحديث: الأحد 26 يناير 2020 - 11:10 م بتوقيت القاهرة

للأثرياء نواديهم، جماعاتهم، بيوتهم، يخوتهم، استراحاتهم، منتجعاتهم، مشروباتهم، محلاتهم، سيجارهم، عرباتهم الفاخرة المفصلة بشكل مخصوص، وأيضا اجتماعاتهم الفاخرة إما عند شاطئ بحرى جميل فى بقعة تبدو قطفت للتو من الجنة وأنزلت على الأرض لأجل «عيونهم» طازجة أو تلك التى تبتعد عن أعين المتطفلين عند رأس الجبل حيث البياض كالقطن على امتداد البشر..
***
أحيانا يفتح الأثرياء أبوابهم ليطل البعض القادم من الشريحة الرقم ب أو 2 حسب تصنيفاتنا نحن فالبشر كالبضعاء بدرجات حسب الحسابات المصرفية والممتلكات.. يجلسون هم لأنهم ربما بحاجة لجمهور فى تلك الاجتماعات، جمهور ينبهر وهو يحتسى قهوته فى بهو ذاك الفندق الفخم وإلا بذلك الوزير أو الرئيس أو الأمير يمر بحاشيته الكبيرة وتجرى خلفه بعض الفاتنات ربما لاصطياد صورة سلفى أو لاصطياد أكبر من ذلك!!!
***
يبدو المشهد فى نادى الأثرياء حتى الآن طبيعيا لا يختلف عن ذاك المشهد فوق يخت هو الأكبر فى العالم استغرق بناؤه أكثر من ثلاثة أعوام وتكلف ملايين لا أعرف كيف أعدها أو حتى أكتبها!! لا شىء غريب نساء ورجال يحتسون الشمبانيا والكافيار ويرقصون على وقع الموسيقى الصاخبة حتى الثمالة.. لا شىء هنا مختلفا فاحتفالات الأثرياء واجتماعاتهم كلها تحمل لمحة من الرفاهية المفعمة وآخر صيحات الموضة فى كل شىء حتى الشراب والأكل.
***
ومن بين الصور المتلاحقة والتغطية المتواصلة على كل المحطات التلفزيونية، تبرز مشاهد لبعض «المتطفلين» نعم متطفلين على نادى الأثرياء وإلا فماذا يفعل العاملون فى المنظمات والهيئات الإنسانية وسط كل هذا الاسترخاء وأصوات من يعملون من أجلهم تصل إلى السماء السابعة من هول البرد والجوع؟؟ ماذا يفعل ذاك الذى يظهر فى المخيمات بين الجالسين فى خيم أرضها طين وسقفها خيش لا يسد مطرا ولا الريح القاسية؟
***
«نحن هناك لأننا نعرض على الأثرياء معاناة المحرومين والفقراء حتى يتلطفوا ويتكرموا ويتبرعوا».. جميل ذاك الرد إلا أننا لم نسمع إلا بكثير من الصفقات المليونية التى يوقع عليها على موائد الغداء والعشاء... مزيد من الملايين فالمال يحب المال فقط يقول ذاك الثرى القادم من فلوريدا ويضحك وهو ممسك بسيجار كوبى على شكل صاروخ أرضــ جو!!! يتراكض المعنيين القادمين من تلك المنظمات التى يحمل موقعها على شبكة الإنترنت كل صور البؤس والدمار.. نساء وأطفال بملابس ممزقة، رجال يحملون ما تبقى من ممتلكاتهم هائمين على وجوههم حاملين أطفالهم الصغار ملتحفين بقماشة أو ما تبقى من بطانية تلطفت بها عليهم تلك المنظمة العريقة..
***
اجتماعات الأغنياء مثل هذه تبدو هى مزيج من تبادل الصفقات بين «القبيلة الجديدة أى قبيلة الأغنياء الجدد» وبين «الشحاتين» أو الطراروة كما نقول فى الخليج! لم يكن الثراء يوما ولا الشحاتة صفات النبلاء كما درسناها فى كتاب القراءة الأول عندما كانت عقولنا البريئة تتصور أن العالم لايتكون سوى من أخيار وأخيار أكثر فقط.. أشخاص بقلوب كبيرة يساعدون أشخاصا تعثر بهم الزمن فلم يستطيعوا إلا أن يوفروا قوت يومهم بكرامة وتعالى على تسميتهم بالفقراء.. عندما كان الدعم المالى من الغنى للفقير يسمى تكافل وليس حسنة أو مكرمة.. عندما كانت الجارة تدق باب جارتها بأطباق شهية مرددة من شدة حرجها أن تفهم وكأنها تحسن لجيرانها « أحببت أن أشارككم لقمتنا» فنحن كنا نردد بيننا «عيش وملح» يعنى ذاك الوفاء.. عندما كانت مُدرسة الدين تقول يجب أن يكون الإحسان فى السر حتى لا تعرف اليد اليسرى ما فعلته اليد اليمنى!! الآن تُمنح التبرعات والمساعدات أمام عدسات التلفزيونات ومطلوب من الفقراء أن يبتسموا ويفرحوا لأن مؤسسة ما حنت عليهم وأحضرت لهم كيسا من الطحين والرز وبطانية!!!!
***
فى اجتماعات الأثرياء يبدو المشهد مشابها، يجرى «الشحاتين» خلف الأثرياء، دولا أو أفراء ويظهرون فى مقابلات وأحاديث ربما لتبرير وجودهم ضمن ذاك المشهد البعيد جدا جدا عن الواقع المرير ربما بُعد رأس ذاك الجبل عن سهل البشر العاديين...
***
ترفع الكراسى والكثير من صناديق المشروبات والمأكولات الثمينة وترحل حقائب السفر وتبقى تلك العيون التى صدقت أن اجتماعات الأثرياء تلد الملايين لهم عندما صدقوا أن مثل هذه الاجتماعات تُعقد لتحل مشاكل الفقر والجهل وانعدام العدالة الأمر المضحك جدا فكيف يقوم صانعى الفقر بمحاربته، ومتى كان ذاك الثرى الذى يقول المال يحب المال مستعدا ليتوقف عن الدعس على كل القيم من أجل مليون آخر؟؟

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved