التغيير بالقوة خراب... ولكن

أشرف البربرى
أشرف البربرى

آخر تحديث: الأربعاء 26 يناير 2022 - 10:26 م بتوقيت القاهرة

لا يمكن لعاقل أن يجادل فى خطورة اللجوء إلى القوة لتغيير الأوضاع الخطأ فى أى بلد لأنها تفتح الباب أمام سيناريوهات كارثية فى أغلب الأحوال، تبدأ بفتح الباب أمام التدخلات الخارجية فى شئون البلاد وتنتهى بحرب أهلية تدوم سنوات وتقضى على الأخضر والياس.
فى المقابل فإن استمرار الأوضاع الخطأ والسكوت عليها يفتح الباب لنفس السيناريوهات بشكل أو بآخر. لذلك لا يجب أن تضع السلطة المواطن بين خيارى، إما اللجوء إلى التمرد والقوة لتغيير الأوضاع أو القبول باستمرارها مع ما يدفعه الوطن من ثمن باهظ لحالة الجمود والتدهور الصامت الذى تروج له السلطة باعتباره استقرارا يستحق التضحية من أجل بقائه.
فقبل ثورة 25 يناير الأعظم فى تاريخ الشعب المصرى، صبر الشعب ثلاثين عاما على حكم رئيس استهل حكمه بنفى وجود أى رغبة له فى البقاء فى السلطة أكثر من عشر سنوات، وتحت وطأة مشهد اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات وانطلاق موجة العنف المسلح من جانب الجماعات الإسلامية فى بداية سنوات حكم مبارك، اختار الشعب الصبر وراهن على خيار الاستقرار فماذا كانت النتيجة؟
ظل مبارك فى الحكم ثلاثين عاما كانت كافية ليستقر الفساد والفقر والتخلف والاستبداد، وليس لتحقيق الرخاء والازدهار الذى يعد به كل حاكم جديد. ولم يشر مبارك طوال سنواته فى الحكم بعد ذلك إلى اعتزامه التخلى عن السلطة، قبل أن يقول عبارته الشهيرة بعد أن نزل الشعب إلى الشارع فى ثورة 25 يناير والتى صارت موضع تندر «لم أكن أنتوى الترشح فى الانتخابات الرئاسية» التى كانت مقررة منتصف 2011.
تحولت مصر إلى «شبه دولة»، وعانت من التدهور والانهيار فى المجالات كافة، كما يقول أنصارها، الذين كان معظمهم بالمناسبة يمجدون حكم مبارك. ثم كبر جمال مبارك الذى كان فتى يوم اغتيال السادات، وترعرع وأصبح الحاكم بأمره فى الحزب الحاكم، لينطلق قطار التوريث فى مصر، والذى كان سببا رئيسيا فى لجوء الشعب إلى الشارع للتعبير عن رفض استمرار تلك الأوضاع رغم ما انطوى عليه هذا التحرك من مخاطر.
ما قلناه عن مصر يقال عن كل دول عالمنا الثالث المنكوبة بأنظمة حكم لا تطمح إلا إلى تأبيد بقائها، فيصبح مشروعها القومى هو الاستمرار فى السلطة سواء رضى الشعب أم لم يرض. لذلك وبعد أكثر من ستة عقود على استقلال دول العالم الثالث وخضوع العديد منها لحكم رؤساء استمر عقودا، لم يتحقق لهذه الدول أى تقدم. ولم تجد شعوبها عندما تصل معاناتها إلى الذروة إلا النزول للشارع واللجوء إلى القوة للاحتجاج على الأوضاع المرفوضة.
التجربة الإنسانية تقول إن اللجوء إلى القوة لتغيير الأوضاع المرفوضة لم يكن أبدا خيارا أولا للشعوب وإنما ملاذا أخيرا. فالشعوب المكفول لها أدوات التعبير عن الرأى عبر وسائل الإعلام الحرة والحق فى التظاهر السلمى ومنظمات المجتمع المدنى القوية وأدوات التغيير السلمى للحكام عبر صناديق الانتخابات لا تلجأ إلى القوة ولا تفكر فيها مهما كان شطط من يحكم. ولعل نموذج الرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب خير دليل. فالأمريكيون عندما وجدوا أنفسهم أمام رجل وصل إلى السلطة بأغلبية صورية فى الانتخابات وأثار من المشكلات الكثير وتدهورت شعبيته إلى مستويات قياسية لم يفعلوا أكثر من الانتظار 4 سنوات حتى جاءت الانتخابات الرئاسية فأطاحوا به خارج السلطة، وهكذا تتم الأمور فى النظم الديمقراطية.
إذن فوجود أدوات التغيير السلمى الحقيقية، ووسائل التعبير الحر عن رأى الشعب، والقدرة على إلزام السلطة بالأخذ به، أو على الأقل وضعه فى الاعتبار، هو الحل الوحيد لقطع الطريق على التفكير فى التغيير بالقوة، أما غير ذلك فلن يكون إلا وسيلة لتأجيل لحظة هذا الخيار المدمر.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved