دلالات زيارة وزير الخارجية الصيني لخمس دول إفريقية

العالم يفكر
العالم يفكر

آخر تحديث: الخميس 26 يناير 2023 - 7:55 م بتوقيت القاهرة

نشر المركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية مقالا للكاتبة هدير طلعت سعيد تناولت فيه دلالات ونتائج زيارة وزير الخارجية الصينى لخمس دول فى القارة السمراء، والتحديات التى ستواجهها العلاقات الصينية الأفريقية مستقبلا.. نعرض من المقال ما يلى.
قام وزير الخارجية الصينى «تشين جانج» بزيارة رسمية إلى أفريقيا فى الفترة ما بين 9 وحتى 16 يناير 2023، بدأت بإثيوبيا مرورًا بالجابون وأنجولا وبنين واختتمت بمصر، بما فى ذلك زيارته إلى مقرى الاتحاد الأفريقى ومقر جامعة الدول العربية، وجاءت بناءً على دعوة من هذه الدول. وتُثير هذه الزيارة العديد من التساؤلات حول دلالاتها، وأبرز نتائجها، وآفاق الدور الصينى فى أفريقيا فى ضوء التطورات الدولية والإقليمية الراهنة.
وللزيارة أهمية خاصة أيضًا كونها الأولى لمسئول صينى رفيع المستوى للقارة عقب القمة الأمريكية الأفريقية الثانية المنعقدة فى ديسمبر الماضى، وما تضمنته من تحذيرات من نفوذ صينى متنامٍ بالقارة «يمكن أن يكون مزعزعًا للاستقرار»، وتقديم الرئيس الأمريكى جو بايدن بلاده على أنها «الشريك المفضل» للدول الأفريقية. وبالتالى، جاءت هذه الزيارة لتؤكد أن الصين ماضية فى تعزيز شراكتها مع دول القارة بالرغم من التحذيرات والمحاولات الأمريكية المستمرة فى الترويج لشيطنة بكين.
تأتى الزيارة فى وقت تشتد فيه حدة التنافس الدولى فى أفريقيا مع تحركات أمريكية وفرنسية لاستعادة نفوذهما وإعادة بناء علاقاتهما مع أفريقيا، فى الوقت الذى يتسع فيه مجال نفوذ روسيا واليابان وتركيا والاتحاد الأوروبى هناك أيضًا. كما تعكس الزيارة رغبة أفريقية أكيدة فى تنويع الشراكات الدولية المتوازنة مع جميع القوى الكبرى بما فى ذلك الصين، وتجنب اختيار أى شريك «مفضل» على الآخرين، وبالتالى تحقيق مصالح جميع الأطراف دون مواجهة.
تعكس الزيارة أيضًا التوافق السياسى حول العديد من القضايا الإقليمية والدولية ذات الأولوية، واحترام مبادئ السيادة والاستقلال وسلامة الأراضى وعدم الاعتداء وعدم التدخل فى الشئون الداخلية، ودعم فكرة تعددية القيم على المستوى العالمى. كما عكست أيضًا النهج الصينى البراجماتى فى التعامل مع جميع دول القارة على قدم المساواة فى إطار مفهوم الدبلوماسية الشاملة ذات الخصائص الصينية إذ شملت دولًا تتوزع بين مصر (شمال أفريقيا) وإثيوبيا (شرق أفريقيا) وأنجولا والجابون (وسط أفريقيا) وبنين (غرب أفريقيا)، وتنتمى جميعها إلى أقاليم ذات أهمية حيوية بالنسبة لمصالح الصين الاستراتيجية فى القارة.
تنطلق علاقات الصين بهذه الدول أيضًا من عددٍ من المصالح الواضحة، إذ تعول الصين على تثبيت دعم هذه الدول فى قضاياها الجوهرية ومشاغلها الرئيسية وعلى رأسها مسألة تايوان «سياسة الصين الواحدة»، وتأمين احتياجاتها من المواد الخام الأولية والموارد الطبيعية (مثل النفط) اللازمة لدعم اقتصادها وصناعاتها المختلفة. كما تسعى بكين كذلك إلى دعم تلك الدول فى خلق بيئة دولية تعددية، وضمان دعم الحكومات الأفريقية لمبادرة الحزام والطريق الصينية فى إطار اتساع طموحاتها فى توسيع البنية التحتية لها. فضلًا عن رغبتها فى دعم استقرار الشركاء الاقتصاديين، ولا سيما الدول الواقعة فى منطقة القرن الأفريقى وغرب أفريقيا وتشهد بعض الاضطرابات السياسية والأمنية مثل (إثيوبيا وبنين والجابون)، وهو ما يتناسب مع اهتمامها بالأمن البحرى فى تلك الأقاليم، ورغبتها فى الحفاظ على مصاحها المتنامية فيها.
• • •
كان للزيارة عدة نتائج ملموسة أبرزها التأكيد على علاقات الشراكة الاستراتيجية بين الصين وهذه الدول وعلى رأسها مصر وإثيوبيا. فضلًا عن التأكيد على استمرار تبادل الدعم فى المشاغل الرئيسية والمصالح الجوهرية ذات الأولوية، ودعم الاتحاد الأفريقى فى الانضمام إلى مجموعة العشرين، والتعاون المشترك فى خلق بيئة دولية تعددية، والمساهمة بشكل أكبر فى تعزيز بناء السلام وتحقيق الاستقرار الإقليمى والحد من مخاطر التهديدات الأمنية، وتوسيع التبادل والتعاون مع أفريقيا فى مختلف المجالات وعلى جميع المستويات، لاسيما الاقتصادية والدبلوماسية والعسكرية والأمنية والثقافية، وبالتالى تعزيز لبناء مجتمع صينى أفريقى مصير مشترك للبشرية. كذلك أكدت الزيارة على مركزية القضية الفلسطينية فى المنطقة العربية والتنسيق والتعاون مع مصر لإيجاد حل عادل لها، وكذلك دعم مصر فى جهود التنمية الشاملة ومكافحة الإرهاب، وتحقيق الأمن والاستقرار الإقليميين.
أكدت الزيارة أيضًا على استمرار أولوية البعد الاقتصادى واستمرار الصين فى تطوير علاقاتها الاقتصادية مع دول القارة على أساس تبادل المنافع فى إطار منتدى التعاون الصينى الأفريقى (FOCAC)، ودفع التكامل الأفريقى عن طريق تنسيق تعاون الحزام والطريق ومبادرة التنمية العالمية ومبادرة الأمن العالمى التى طرحها الرئيس شى جين بينج وأجندة 2063 للاتحاد الأفريقى، ومنطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية واستراتيجيات التنمية الوطنية للبلدان الأفريقية. وعلى هامش تلك الزيارة، أعلنت الصين إلغاء بعض مستحقاتها من الديون على إثيوبيا (ثانى أكبر مدين للصين فى أفريقيا بحوالى ٧٫١٣ مليار دولار) وبنين، وهو ما يعكس سعيها المستمر فى دحض نظرية التهديد الصينى China Threat Theory التى يروج لها الغرب واتهامها بأنها تُثقل كاهل الدول الأفريقية بـ«فخ الديون» من خلال مشروعات بنية تحتية ضخمة تقوم بها فى القارة.
• • •
بشكل عام، من المرجح تنامى الانخراط الصينى فى أفريقيا خلال السنوات المقبلة معولة فى ذلك على أدواتها الاقتصادية فى المقام الأول من تجارة واستثمارات؛ خاصة فى البنية التحتية والموانئ والشحن والنقل والتعدين والطاقة؛ ومساعدات وقروض ومشاريع مشتركة خاصة فى مجالات القطاعات الناشئة، وإن كانت بدأت فى التدخل الدبلوماسى والعسكرى فى السنوات الماضية، لحماية هذا الوجود الاقتصادى، وتدعيما لدورها العالمى كمنافس للقطب الأمريكى. ويتوقع ازدياد احتياج الصين لدول القارة كونها مصدرًا رئيسيًا لتأمين المواد الخام الأولية ومصادر الطاقة، لكن هذا الاحتياج لن يصاحبه أى التزامات أو أعباء سياسية وأمنية فى المستقبل المنظور، مع الحفاظ على النهج الصينى البراجماتى المتوازن تجاه دول القارة وضمان علاقات جيدة مع الكل. ومن المتوقع أن تواصل الحكومات الأفريقية تعزيز علاقاتها بالصين فى ظل احتياجها إلى ضخ المزيد من المشروعات والاستثمارات والمساعدات الصينية لمساندة اقتصاداتها التى لا تزال تعانى من تداعيات جائحة كوفيد ــ 19 والأزمة الاقتصادية العالمية، والحرب الروسية ــ الأوكرانية.
هذا الانخراط الصينى الذى يلقى ترحيبًا لدى قطاعات واسعة فى الدول الأفريقية، يجعل من الصعب على معظم اللاعبين الدوليين مجاراة الصعود الصينى فى القارة؛ الأمر الذى قد يحول أفريقيا إلى ساحة للصراع ومحاولة تحجيم الدور الصينى مما قد يدفع الأخيرة إلى محاولة تأمين مصالحها من خلال توظيف التواجد العسكرى لحماية مصالحها ونفوذها، وربما يترتب على ذلك بعض الارتدادات السلبية المتعلقة بتصاعد عسكرة القارة، وما يصاحبه من تهديد للاستقرار والأمن الإقليمى فى المنطقة
• • •
ختامًا، من الواضح أن مصالح بكين ورهاناتها فى القارة الأفريقية يتم تعزيزها بشكل كبير فى ظل إدارة الرئيس الصينى شى جين بينغ. وسيُصادف المسار المستقبلى للعلاقات على الأرجح تحديات فى الأمد القصير، ويأتى على رأسها توقع استمرار تباطؤ معدلات النمو الاقتصادى العالمى، وارتفاع معدلات التضخم، والصراعات العنيفة. هذا بالإضافة إلى ضرورة العمل على إحداث توازن فى العلاقات الاقتصادية المتبادلة، ومخاوف بعض الدول الأفريقية من احتمالات الإغراق التجارى، وتدنى مستوى التكنولوجيا الصينية فى بعض المجالات مقارنةً بنظيرتها الأمريكية، ونقل العمالة الصينية للخارج دون الإسهام فى التنمية الاقتصادية. ومستقبلًا، قد يؤدى استمرار التوترات بين الصين والغرب، إلى كبح فرص تطوير العلاقات الصينية الأفريقية إلى المستوى المرغوب من كلا الجانبين.
وبالرغم من تلك التحديات، إلا أنه يمكن القول إن الفرص الاستراتيجية المتاحة لتطوير العلاقات الصينية الأفريقية تفوق التحديات التى تواجهها؛ حيث إن تطوير آليات منتدى التعاون الصينى الأفريقى، وتنفيذ خطط التعاون العشر، والمبادرات الثمانى الرئيسية، وغيرها؛ كلها فرص ينبغى الاستثمار فيها من أجل شراكة استراتيجية مربحة للطرفين، وذلك فى ظل الحرص البالغ على احترام خصوصية كل منهما.

النص الأصلي

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved