25 يناير.. موعد مع التاريخ أَم إشكالية؟

محمد رءوف حامد
محمد رءوف حامد

آخر تحديث: الخميس 26 يناير 2023 - 7:55 م بتوقيت القاهرة

مؤخرا، عندما دعتنى جماعة الرواد العريقة، فى إطار تعاونها مع وزارة الثقافة، للتحدث عن «ثورة 25 يناير فى الميزان»، وافقت على الفور، إذ أحس بانتمائى لهذا الحدث، برغم عدم مشاركتى فى صنعه، حيث بدأت علاقتى به باستشرافه، سنوات قبل حدوثه. جرى ذلك أكثر من مرة، خاصة فى 2006 و2007، وجميعها استشرافات موثقة فى «25 يناير ــ من أين؟ وإلى أين؟» (سلسلة اقرأــ دار المعارف 2011).
ربما يستغرب البعض من القول «انتمائى إلى هذا الحدث»، خاصة من منظور ما عُرف عن السياسة من التفافات وتلاعبات.. إلخ. فى هذا الخصوص، السياسة مظلومة؛ حيث إنها عندما تعتمد على المعرفة تكون مدخلا إلى الأحسن بشأن الحاضر والمستقبليات، أى تكون آلية للتفاؤل.
وعلى العكس، عندما تركب على السياسة سلوكيات معاكسة للمعرفة، كأنانية المصالح الخاصة، والوصولية والانتهازية، فإنها تتشوه، وتؤدى إلى تدهورات.
وهكذا، باعتبار أن ثورة 25 يناير تمثل أهم حدث سياسى مصرى معاصر، خاصة منذ بداية الألفية الثالثة، فإنها جديرة بالتعامل المعرفى معها، بالتنقيب والتقييم.. إلخ.
لذا، يجتهد الطرح الحالى بالنظر فى معنى ومفتقدات «25 يناير»، وكذلك وجوب تجنب 25 يناير أخرى.
أما عن رؤية البعض بأن 25 يناير ليست بثورة، فهى رؤية سليمة إلى حد كبير، ولكن فقط من منظور الفهم التقليدى للثورة، باعتبارها تغيير نظام الحكم والاستيلاء على السلطة. ذلك أنه، فى ظل متغيرات عالمية حديثة، تتعلق بالتكنولوجيا والمعلوماتية وتشابك العلاقات والمصالح، لا يكون لهذا المفهوم الكلاسيكى معنى فى أرض الواقع، حيث استحالة التغيير بالثورات التقليدية.
من هنا، عندما ننتبه إلى معنى الثورة كتغيير جذرى، فمن المنظور النسبى تكون 25 يناير، بما جسدته من تغيير نفسى عند الشعب المصرى، ثورة حقيقية. يشهد على ذلك ما جرى من «جماعية» حميدة فى كافة أركان الوطن. إنها ثورة فى شخصية الإنسان المصرى.
• • •
من جانب آخر، لم تأتِ 25 يناير صدفة، فقد كانت مُتوقعة قبلها بسنوات. أما عن ما يذكره البعض عن مؤثرات خارجية، فمن المعروف بشأن أى دولة تتمتع بأهمية استراتيجية عليا، كما حال مصر، وجود ترقب ورصد من جانب أجهزة أجنبية تسعى لركوب الأحداث من أجل مصالحها، الأمر الذى ينبغى التحسب له.
أما عن أهداف ثورة 25 يناير، فتتمثل فى أمرين، وهما «مقاومة الفساد» و«التغيير إلى الديمقراطية». على هذا النحو يتضح قدرها كثورة بالمقارنة مع انتفاضة 18 و19 يناير 1977، ومع ثورة 1919.
وهكذا، جائت ثورة 25 يناير محققة لمواعدة (Randevou) مع التاريخ، فهى ليست زائدة دودية يمكن تخليص المستقبل منها.
من منظورات حركية المعرفة، وأهمية المستقبليات، تحتاج «25 يناير» إلى التقييم وإعادة التقييم. فى هذا الخصوص يمكن الإشارة إلى التالى:
1ــ أبرز مستجدات 25 يناير:
ــ بروز صحوة سياسية ضخمة للمرأة.
ــ التحام الشباب بالحس التغييرى.
ــ تصاعد اتجاه الجماهير إلى «التعلم الذاتى» بخصوص الشأن العام. لقد ظهر ذلك مبكرا فى توجهات عديدة (مثل: الرضا بالإخوان ثم النفور منهم ــ الاستبشار باستفتاء 19 مارس ثم الحس بدوره فى تحريف الثورة ــ إدراك وجوب الفصل بين الدين والسياسة).
2ــ اكتشاف القوى المضادة للثورة:
تمثلت هذه القوى فى ثلاث عناصر. أولا «قوى الفساد»، وهم المستفيدون من نظام مبارك، ثم «قوى أجنبية» يهمها النيل من الوضعية الإقليمية لمصر. وعن العنصر الثالث فيتمثل فى «الذات الوطنية» نفسها كقوة مضادة، فى شكل كيانات ترفع مصالحها (وانتماءاتها) الخاصة فوق مصالح الوطن والانتماء إليه.
3ــ الحيودات التى ألمّت بالثورة:
تتمثل أبرزها فيما يلى:
ــ غياب رأس للثورة: جاء ذلك طبيعيا نظرا لتلقائية البزوغ، غير أن القوى الوطنية، من الشباب ومن كوادر الشارع السياسى، لم تجتهد، فيما بعد، فى اتجاه التوصل إلى صياغة لهذه الرأس. لقد أدى ذلك إلى سلبيات عديدة، يأتى من أهمها عدم الانتباه إلى معنى (وضرورة) وجود سقف افتراضى للثورة، بمعنى الوصول إلى مستوى من النضج يكون عنده المصريون قادرون على توليد ارتقاءاتهم، وحمايتها، بآليات شفافة/ديمقراطية، دون الحاجة إلى ثورة جديدة.
ــ تسرب أفقى للثورة: تجسد ذلك، فى فترة لاحقة، فى نشأة انتفاضات ثانوية، بواسطة شرائح من جماهير المواطن العادى، نتيجة الحس بغياب إنجازات رأسية للثورة تكون لها انعكاسات تصل لعموم أوضاع الناس فى مصر. إنه الأمر الذى جرى تحاشيه، فيما بعد، من خلال إجراءات مثل قانون التظاهر.
من جانب آخر، لم تجتهد الحكومات التى تلت الثورة فى تدعيم التغييرات الإيجابية الممكنة فى كافة وحدات العمل والمحليات، الأمر الذى كان من الممكن أن يؤدى إلى تفريغ البلاد من الفساد، والتحول التدريجى إلى الديمقراطية.
ــ شواش سلوكى منظم: من أبرز ممارسات الشواش (أو الفوضى) يمكن الإشارة إلى:
• استحضار استفتاء 19 مارس كحدث دخيل على المسار.
• القبول بأذرع سياسية لكيانات دينية.
• تواصل الإخوان مع الإدارة الأمريكية بينما الثورة قائمة.
• تجزئة الشأن السياسى الثورى بلجوء يساريين وليبراليين إلى التحالف، على منصة مجلس الوزراء (المبادىء فوق الدستورية)، فى مقابل ما كان قد بدا من توافق غير موفق بين الإخوان والمجلس الأعلى للقوات المسلحة.
• انسحاب القوى السياسية من الشارع الفعلى للثورة، من أجل السباقات الانتخابية، وتسابق بعض النبهاء لحمل لقب «مرشح محتمل للرئاسة».
• ظهور ممارسات انحرافية، مثل سحل البنات، وكشف العذرية، ومجزرة بورسعيد، وذلك فى غيبة اهتمام حقيقى (ومؤثر) من القوى السياسية المرتبطة بالثورة.
4ــ غيبة الإدراك لإعمال الفرصة المواتية (والممثلة فى الثورة)، باعتبارها الظرف المعرفى الأكثر ملائمة لمجابهة الفساد («الرقص مع الفساد» ــ دار العين ــ 2010).
5ــ ترك الفساد السياسى بلا محاسبة.
6ــ مفتقدات الثورة:
للثورة ثلاث مفتقدات رئيسية، مما أصاب مخرجاتها بالرخوة. أولا، الابتعاد عن «المنهج العلمى فى التفكير». وثانيا، عدم ممارسة الحوار (الاحترافى) داخل (وبين) التيارات الوطنية. ذلك إضافة إلى انحصار المطالب فى إجرائيات، وليس فى مهام استيراتيجية.
7ــ عن «إشكالية» وجوب تجنب 25 يناير أخرى:
قد يدعو هذا الوجوب إلى الاندهاش، الأمر الذى يتلاشى بالاعتبار لما جرت الإشارة إليه أعلاه بخصوص القوى الأجنبية المضادة للثورة.
وبمعنى مباشر، هناك ضرورة لتجنب إعطاء فرصة لقوى «أجنبية معادية» لاغتنام حركية الثورة فى اتجاه الدفع إلى الفوضى، بغرض النيل من أوضاع ومستقبليات البلاد.
• • •
فى ظل هذا التحسب تأتى ضرورة تجنب المسارات التى يمكن أن تؤدى إلى انفجار جماهيرى من جراء المعانات المعيشية (بخصوص الأسعار والتعليم والصحة والتشغيل وحوادث الطرق.. إلخ).
هذا الاعتبار يدفع إلى الأهمية القصوى للحفاظ على استقرار البلاد. ذلك لا يحتاج إلى مقاربات أمنية، وإنما إلى تحول ثقافى / اقتصادى/ سياسى يكون من شأنه قهر كافة العقبات التى تواجهها البلاد، والتى فتحت الباب إلى الأزمة الاقتصادية.
وبينما يحتاج هذا الاتجاه إلى تناول خاص، يُكتفى هنا بالإشارة إلى ما يلى من أهداف جزئية.
ــ تجنب أية إجراءات يكون من شأن تداعياتها تحجيم القدرات المالية والشرائية للمواطنين، الأمر الذى جرى استفحاله بانخفاض «الجنيه».
ــ الإيقاف المؤقت لأية إجراءات، محلية أو أجنبية، يمكن أن تلمس الأزمة الاقتصادية، وكنا قد نادينا بذلك مباشرة بعد الدعوة الرئاسية للحوار.
ــ اعتبار تبادل وجهات النظر بين المواطنين وبعضهم، بوسائل الوسائط الاجتماعية وغيرها (مثل الأحزاب والجمعيات المدنية) ممارسة للفعل التواصلى Communicative action، والذى هو من الناحية المعرفية تعبيرا حياتيا (فى العالم الحياتى) ذا أهمية أصيلة بشأن إدراك القائمين على عالم السياسة والاقتصاد والأمن (أى العالم المنظومى) لما يحتاجه الناس.
ــ وهكذا، من شأن التوقف عن تجريم الفعل التواصلى أن تكون الحياة أكثر رحابة، وأن تسترشد منظومات الدولة برؤى الناس عن أوضاعهم.
ــ العناية القصوى بتشذيب الأوضاع الثقافية المجتمعية، بالحرص، من خلال التشارك بين الناس والدولة، على جعل الأوضاع والمستقبليات أكثر شفافية و«يقينية»، وأمانا.
ــ وهكذا، من شأن مثل هذه المقاربات، ليس فقط تجنب انفجار جماهيرى يمكن أن يُستغل أجنبيا، ولكن أيضا فك الأزمات بمنهجية حوارية.
هذا ويمكن ملاحظة أن ما تم الإشارة إليه من متطلبات ينبع أساسا من «الخبرات المعرفية العالمية».
وكخاتمة، نجذب الانتباه إلى أنه إذا كانت جماهير 25 يناير قد مارست «الجماعية»، كسلوك حضارى متقدم، فإن هناك حاجة إلى جماعية المفكرين، بمعنى العناية بالتفكير معا، كإطار للارتقاء بالفعل التواصلى. علما بأن المقصود بالمفكر هو كل من يحمل عبء الاهتمام بتطوير مجال عمله، وبعلاقة ذلك بالشأن العام.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved