أين الخطأ فى بر مصر؟

فهمي هويدي
فهمي هويدي

آخر تحديث: الخميس 26 فبراير 2009 - 11:51 ص بتوقيت القاهرة

 أكثر التعليقات التى صدرت فى أعقاب حادث قنبلة حى الحسين ركزت على أمرين، أولهما أنه دال على استمرار وجود البؤر الإرهابية فى المجتمع المصرى، وثانيهما أنه يبرر إعلان الطوارئ وإصدار قانون الإرهاب. ورغم أن تلك التعقيبات كانت من قبيل الانطباعات المتعجلة، لأن التحقيقات فى الحادث لم تكن قد تبلورت بعدُ بما يحدد طبيعة الفاعلين، فإنها ليست مفاجئة ولا غرابة فيها. وقد أزعم أنها انطباعات تقليدية، من قبيل ما يتردد فى أعقاب أى حادث من ذلك القبيل.


ولعلى لا أبالغ إذا قلت إن هذا الكلام يعبر عن حالة من الكسل العقلى التى تبسط الأمر، مكتفية بوضعه فى خانة الإرهاب، ثم تقنع بالإجراءات لإبراء الذمة فى التعامل معه. وهى الإجراءات التى أثبتت تجربة ربع القرن الأخير أنها لم ولن توقف عجلة الإرهاب، لسبب جوهرى هى أنها ظلت تتعامل مع الفعل بعد وقوعه، ولم تعتنِ بخلفياته على النحو الذى يستبق ويحول دون وقوعه. إن شئت فقل إنها تتعامل مع النتائج وليس الجذور.


لكى أشرح هذه الفكرة أنبه إلى أن وقوع أى عمل إرهابى يستدعى استجابات فى ثلاثة اتجاهات على الأقل. فالشرطة ينبغى أن تتحرك للقبض على الجناة وتتبع الفاعلين والمحرضين، والنيابة تستجوب والقضاء يعاقب. غير أن هذه الحلقات لا تكفى فى استئصال الشر إلا بجهد يبذله الخبراء والمختصون للتعرف على دوافع الفعل ومقاصده. بكلام آخر فإن التحرك الذى يعقب الفعل يحاول الإجابة عن أسئلة كثيرة لكى تأخذ العدالة مجراها، تتعلق بمن وكيف وماذا ومتى.


لكن السؤال الذى لا يأخذ حقه من التحقيق والتدقيق عادة هو لماذا؟ علما بأن علامات الاستفهام الأولى تعاقب على الذى وقع، فى حين أن طرح السؤال لماذا يمكن أن يكون عنصرا مساعدا لتجنب تكرار ما وقع.


لا أحد يجادل فى أهمية توقيع العقوبة على الفاعلين والمحرضين كلٌ بما يستحقه. لكننا إلى جانب ذلك نريد أن نفهم لماذا أقدم هؤلاء على فعلتهم، وما هى رسالتهم التى أرادوا توصيلها، وما هو العنوان الذى توخوا مخاطبته؟.


وفى الجريمة الأخيرة التى وقعت بحى الحسين، نريد أن نعرف ما إذا كان الذين وضعوا المتفجرات أفرادا أم جماعات؟ وهل لهم امتدادات خارج القاهرة أو خارج مصر أم لا؟ وهل هم عاطلون ناقمون على المجتمع؟ أم متدينون اختاروا أن يحاربوا السياحة؟ أم هم مخربون أرادوا أن يضروا باقتصاد البلاد؟ أم غاضبون أرادوا الاحتجاج على موقف مصر من حصار غزة؟ أم أنهم سلفيون مهووسون من أهل السنة أرادوا تصفية الحساب مع الشيعة الذين يترددون على مقام الإمام الحسين؟


إن المسارعة إلى الحديث عن مد الطوارئ أو تعجل خطوات إصدار قانون الإرهاب لم يكن تعبيرا عن الكسل العقلى فقط، لكنه تسبب فى إساءة الظن بالمشهد كله، حيث تصور البعض أن الأمر لا يخلو من ترتيب مسبق، بحيث تنفجر القنبلة بعد الظهر، ثم تعلو الأصوات فى المساء داعية إلى مد الطوارئ وضرورة إصدار قانون الإرهاب. وهو احتمال أستبعده ليس لأن الحكومة تتعفف عن مثل هذه الأساليب، ولكن لأنها لم تعد بحاجة إليها أصلا، بحيث أصبحت تلجأ مباشرة إلى ما تريد، دونما حاجة إلى لف ودوران أو إخراج من أى نوع.


إن المسألة التى تحتاج منا إلى تفكير جاد ومسئول هى أنه إذا صح أن بؤر الإرهاب مازالت تتوالد فى مصر، فما هو الغلط فى بيئة المجتمع الذى أصبح لايكف عن تفريخ الخلايا الإرهابية بلا توقف طوال ربع قرن؟

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved