تقييف التاريخ على مقاس مرسي!

بلال فضل
بلال فضل

آخر تحديث: الإثنين 18 مارس 2013 - 5:24 م بتوقيت القاهرة

لدى أنصار تيارات الشعارات الإسلامية إستعداد أن يفعلوا أي شيئ لتبرير فشل رئيسهم وكذبه وقمعه لمعارضيه، حتى لو وصل الأمر إلى حد تزييف تاريخ الخلافة الراشدة من أجل عيون مرسي، لا أدري إذا كنت قد تابعت محاولة تقييف تاريخ سيدنا عثمان بن عفان على مقاس مرسي، والتي تمت خلال آخر خطبة جمعة حضرها مرسي بنفسه، حيث حرضه الخطيب على تطبيق حد الحرابة على من يقطعون الطرق ويعطلون مترو الأنفاق والمصالح الحكومية، قبل أن يضيف قائلا «الرسول ومن بعده سيدنا أبوبكر الصديق كانا أقوياء في الحق، بينما أدى لين سيدنا عثمان إلى اندلاع العديد من الاضطرابات في عهده، واستمرت تلك الاضطرابات في عهد سيدنا علي بن أبي طالب»، وهو كلام تناقلته على الفور كل الحسابات الإخوانية على مواقع التواصل الإجتماعي محرضة مرسي ألا يتحلى بلين سيدنا عثمان وأن يخرج درة سيدنا عمر ليؤدب بها معارضيه.

 

لم يكن مرسي في حاجة لتحريض خطيب الجمعة، فخلال لقائه الحميم الدافئ مع رجال الأعمال الذين كان أنصاره يتهمونهم بأنهم فلول متآمرون، اعترف بأنه يتلقى الآلاف من الرسائل والإيميلات التي تطالبه بضرب وسائل الإعلام حتى أن الأمر وصل إلى أن يتم سؤاله «أصبر هذا أم ضعف؟»، مما يكشف أن خطبة الجمعة جاءت لمرسي على الجرح، ولذلك لم يذهب إلى خطيب الجمعة بعد الصلاة ليذكره بأن ما قاله عن «تسبب لين عثمان في إندلاع الإضطرابات ضده» ليس صحيحا على الإطلاق، لأن نشوء حركات الإحتجاج على سيدنا عثمان برغم جلالة قدره وكونه ذي النورين وأحد العشرة المبشرين بالجنة كان بسبب مجافاته للعدل في كثير من قراراته السياسية، لكي أقطع الطريق على هواة المسارعة إلى التكفير، أحب أن أقول لهم أن هذا هو رأي المفكر الإخواني الأشهر سيد قطب في كتابه (العدالة الإجتماعية في الإسلام) الصادر عن دار الشروق، وهو كتاب لم ينكره سيد قطب ولم يقم بتعديله في سجنه أو قبل وفاته، بل ظل واحدا من أشهر كتبه التي يتداولها الإخوان، ولذلك سأرد على خطيب مرسي بما كتبه سيد قطب في صفحة 159 من كتابه، عندما تحدث عن مجيئ الخلافة إلى عثمان وهو شيخ كبير، فترك مروان بن الحكم يُصَرِّف الأمر بكثير من الإنحراف عن الإسلام، مما أدى إلى «صدور تصرفات أنكرها الكثيرون من الصحابة من حوله، وكانت لها معقبات كثيرة، وآثار في الفتنة التي عانى الإسلام منها كثيرا».

 

ثم يستعرض سيد قطب نماذج لإغداق سيدنا عثمان الأموال على الكثير من أقاربه وعلى رأسهم زوج ابنته الحارث بن الحكم الذي منحه يوم عرسه مئتي ألف درهم، وعندما عاتبه زيد بن أرقم خازن مال المسلمين وهو يبكي سأله عثمان «أتبكي يا ابن أرقم إن وصلت رحمي»، فرد الرجل «لا ياأمير المؤمنين ولكن أبكي لأني أظنك أخذت هذا المال عوضا عما كنت أنفقته في سبيل الله في حياة رسول الله، والله لو أعطيته مئة درهم لكان كثيرا»، فما كان من عثمان إلا أن قال له «ألق بالمفاتيح يا ابن أرقم فإنا سنجد غيرك»، ويكتب قطب معلقا على قيام عثمان بتوزيع الولايات على بعض أقاربه «ولقد كان الصحابة يرون هذه التصرفات الخطيرة العواقب، فيتداعون إلى المدينة لإنقاذ تقاليد الإسلام وإنقاذ الخليفة من المحنة، والخليفة في كبوته لا يملك أمره من مروان، وإنه لمن الصعب أن نتهم روح الإسلام في نفس عثمان، ولكن من الصعب كذلك أن نعفيه من الخطأ الذي نلتمس أسبابه في ولاية مروان الوزارة، في كِبرة عثمان».

 

كنت أود أن أعرض لكم بعضا من مقالة قديمة لخصت فيها ما كتبه كبار المؤرخين القدامى والمعاصرين عن الأخطاء السياسية لسيدنا عثمان، كنت قد نشرتها في صحيفة الدستور عام 1997 ضمن ملحق أسبوعي عن الخلفاء الراشدين، لكنني آثرت ألا أفعل، ليس فقط لضيق المساحة، بل لأنني أعلم مسبقا كم الهجوم الذي سأتعرض له لو استشهدت بما كتبه في ذلك الدكاترة طه حسين ومحمد حسين هيكل وعلي الوردي وهشام جعيط وغيرهم من المفكرين والمؤرخين، لذلك اكتفيت بعرض ما قاله مفكر الإخوان ومفسرهم الأشهر سيد قطب، والذي قام بنفسه في كتابه بتوجيه نقد لاذع لكل من طه حسين وهيكل حول ما كتباه عن سيدنا عثمان، لكنه مع ذلك لم يجارِ الذين صوروا الإضطرابات التي اندلعت في عهد عثمان بأنها لم تكن سوى مؤامرة يهودية أو الذين ادعوا أن وراءها اللين وغياب الحزم كما قال خطيب مرسي، فهاهو قطب يقول في ص 160 من كتابه «وأخيرا ثارت الثائرة على عثمان واختلط فيها الحق بالباطل والخير بالشر، ولكن لا بد لمن ينظر إلى الأمور بعين الإسلام ويستشعر الأمور بروح الإسلام أن يقرر أن تلك الثورة في عمومها كانت فورة من روح الإسلام وذلك دون إغفال لما كان وراءها من كيد اليهودي إبن سبأ عليه لعنة الله».

 

طيب الآن، هل سيكف الإخوان عن محاولة تقييف التاريخ على مقاس مرسي بعد أن ذكرتهم بما قاله مفكرهم عن سر إندلاع الثائرة على سيدنا عثمان؟، هل سيدركون خطورة تزوير تاريخ الخلافة لإستخدامه في تحريض مرسي على قمع معارضيه؟، هل سيتحلون بقليل من الحياء لو تأملوا فيما كتبه سيد قطب ليدركوا أن جلالة قدر سيدنا عثمان لم تمنع مواطنيه من الثورة على أخطائه، فيكفوا عن إتهام معارضي الكذاب مرسي بالخروج على الدين والإفساد في الأرض؟، وأخيرا هل يعتبر من لازال لديهم أمل في الإخوان فيدركوا أن من يزور تاريخ خليفة راشد لن يستنكف أبدا تزوير الإنتخابات؟، أترك الإجابة لك، فأنا أنهيت ما لديّ وسألت وبلّغت، اللهم فاشهد.

 

belalfadl@hotmail.com

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved