عبد الوهاب مورو باشا

محمد زهران
محمد زهران

آخر تحديث: الأحد 26 فبراير 2017 - 12:35 ص بتوقيت القاهرة

 إذا كنت بارعاً جداً في تخصصك أو مهنتك فكيف ستستخدم هذه البراعة؟ يمكنك أن تقوم بعملك بإمتياز وتحسنه بالقدر الذي يجعلك سبباً في تحسين حياة من حولك ... وهذا أقل ما يجب!

ماذا يحدث عندما تموت أو تعتزل أو تتوقف عن هذا العمل لسبب أو آخر؟ ستضيع كل هذه الخبرة والبراعة، إذا فيجب عليك أن تعد المسرح لمن يأتى بعدك: هل دربت تلاميذ لك؟ هل أنشأت قسماً أو معمل أبحاث وبثثت فيه عصارة خبرتك؟ هل نشرت أبحاثاً أو كتباً تشرح فيه أسرار ما تعرفه؟ أم إنك تخاف أن يتفوق التلميذ على الأستاذ وتفقد مركز الصدارة (وهذا للأسف دأب الكثيرين هذه الأيام!)؟

شخصيتنا اليوم أبدعت في حياتها وبعد رحيلها!!

 

عندما أنشأ الطبيب الفرنسي أنطوان  برثليمي كلوت (Antoine Barthelemy Clot) (مشهور عندنا في مصر باسم كلوت بك) مدرسة الطب في مصر بعد أن جاء من فرنسا بناء على طلب محمد علي الذي وجد أن عدداً كبيراً من الجنود في الجيش المصري وعموم الشعب يموتون إما بالأوبئة أو تلوث الجروح ... كان ذلك إيذاناً ببداية العصر الذهبي للطب في مصر بداية من الرعيل الأول الذي يضم أمثال محمد على البقلى باشا (تحدثنا عنه في مقال سابق) والذى تتلمذ على يد كلوت بك ودرس فى أوروبا ثم الجيل الذي يليه مثل على باشا إبراهيم (وقد تحدثنا عنه أيضاً في مقال سابق) وحتي نصل إلى شخصيتنا اليوم محمد عبد الوهاب مورو باشا.

يجب أن أعترف أنني لم أكن أعرف الكثير عن هذا الطبيب البارع، ولكن منذ فترة قصيرة كنت أستمع إلى قصة حياة عميد المسرح العربي يوسف وهبي بصوته، وفي إحدى الفقرات كان يحكي عن سفره لأوروبا للعلاج وعدم قدرة الأطباء هناك على علاجه بالسرعة المطلوبة فطلب إرسال خطاب يطلب فيه إرسال أحد الطبيبين من مصر لعلاجه: مظهر عاشور باشا أو مورو باشا، وهنا قررت أن أعرف أكثر عن هؤلاء وبدأت بمورو باشا ... فمن هو محمد عبد الوهاب مورو باشا؟

 

هو من أشهر وأعظم الجراحين في مصر في النصف الأول من القرن العشرين،  وُلد مورو باشا في 10 ديسمبر 1893 وتخرج في مدرسة الطب (كما كانت تسمى آنذاك) عام 1915 ودرس في لندن ودبلن بالإضافة إلى مصر طبعاً وقد بلغ من علمه وبراعته أنه قيل أن مورو باشا هو أول طبيب مصري يجرى عمليات جراحية معقدة مثل استئصال أورام المخ ... هل إكتفى هذا الطبيب العظيم بمعالجة المرضي على أحسن ما يكون وكفى؟ أم ترك أثراً يظل قائماً من بعده (بالإضافة إلى الذكرى العطرة طبعاً!) ... لنرى ماذا فعل بخلاف الطب.  

 

عندما عاد إلى مصر بعد دراسته في الخارج تدرج مورو باشا في وظائف هيئة التدريس في كلية طب القصر العينى (بعد أن نقلت مدرسة الطب من مكانها الأصلي في أبى زعبل إلى مكانها الحالى وتغير إسمها إلى الإسم الحالي وهو القصر العيني) إلى أن أصبح أستاذًا للجراحة ورئيسا لقسم  الجراحة من 1936 وحتى 1949، ثم أصبح عميدًا لكلية الطب من عام 1949 و حتى 1951 ثم أصبح رئيساً لجامعة القاهرة من عام 1951 وحتى 1953.

 

هنا قد يتبادر للذهن سؤال: إذا كان هذا الطبيب العظيم بارعاً إلى هذا الحد فلماذا لا يركز جهوده في علمه والتدريس للطلبة ولا يشغل نفسه بالمناصب الإدارية التي غالباً ما يأنف منها العلماء؟

الإجابة تختلف من شخص إلى آخر، لندع من يبحث عن المناصب جانباً ولنرى كيف يفكر العظماء.

إذا كنت ترى في نفسك قدرات إدارية وإذا كان لديك رؤية معينة تريد تحقيقها ولا تستطيع ذلك في موقعك الحالى فلتتقدم .... فماذا فعل مورو باشا؟

 

أنشأ قسم الجراحة العامة بكلية طب عين شمس إعتماداً على خبرته في رئاسة قسم الجراحة في طب القصر العينى، وفي أثناء عمادته لكلية الطب أنشأ أقسام الجراحة المتخصصة  مثل الأعصاب والمسالك البولية  بالإضافة إلى إنشاء قسم الأمراض النفسية، وعندما أصبح مديراً لجامعة القاهرة (نسمي هذا المنصب الآن: رئيس الجامعة) أنشأ كلية الصيدلة ومعهد العلوم السياسية!!

حصل مورو باشا على الباشوية عام 1946 وعلى جائزة الدولة التقديرية عام 1965.

 

أحب أن أختم هذا المقال بقصة طريفة، كان مورو باشا محباً للفن والأدب وفى عام 1944 إجتمع في منزله محمد عبد الوهاب وأم كلثوم وفكري أباظة وتوفيق الحكيم وكامل الشناوي ومصطفى أمين وكاميليا (نجمة السينما آنذاك)، في هذا السهرة طلبت أم كلثوم من كامل الشناوي كتابة شعر في كاميليا، وفي لحظتها خط كامل الشناوي بيده " لست أقوى على هواك ومالي/ أمل فيك فارفقى بخيالي/ إن بعض الجمال يذهل قلبى فكيف كل الجمال؟" ... وما أن سمع عبد الوهاب هذه الكلمات حتى تناول العود الذي علقه مورو باشا على الحائط ولحنها، أعجبت الست باللحن والكلمات وإنطلقت تغنيها ... وبذلك تكون أول أغنية غنتها أم كلثوم من تلحين عبد الوهاب هي هذه الكلمات في بيت الطبيب العظيم عبد الوهاب مورو باشا والتي لم يكتب لها أن ترى النور وليست أغنية "أنت عمري" التى ظهرت بعد هذه الواقعة بعشرين عاماً كاملة!!

 

رحم الله الطبيب العظيم محمد عبد الوهاب مورو باشا الذي رحل عن دنيانا في 23 في مايو 1979.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved