كوابيس ما بعد داعش!

عبد الله السناوي
عبد الله السناوي

آخر تحديث: الأحد 26 مارس 2017 - 9:05 م بتوقيت القاهرة

باقتراب حسم الحرب على «داعش» قد تستبدل الكوابيس المقيمة بكوابيس جديدة، والأوطان المنتهكة بأوطان مقسمة.
تختلف درجة الخطر من دولة عربية إلى أخرى، لكن المصير مشترك فى نهاية المطاف.
لعقود طويلة سادت أدبيات الجامعة العربية تعبيرات العمل العربى المشترك، دون أن تبلور نفسها ــ بأغلب الأحوال ــ فى أى خطط على شىء من الجدية.
إذا ما تقوضت اللعبة كلها ــ كما هو مرجح فى معظم السيناريوهات المتداولة ــ فإن وحدة المصير سوف تؤكد نفسها على أطلال نظام عربى أخفق أمام تحدياته.
على الرغم من فداحة التحديات فإن لا أحدا تقريبا يعول على ذلك النظام، ولا مؤسساته، ولا القمة التى توشك أن تلتئم.
من فرط الإخفاق الطويل تكاد أى آمال أن تقارب الأوهام فى لحظة مواجهة الحقائق الأخيرة، التى تتحرك على الأرض بتحدياتها ونيرانها.
التحدى الرئيسى الأول أمام القمة المرتقبة، الصورة التى قد يستقر عليها المشرق العربى فى العراق وسوريا بعد إزاحة ما تسمى «الدولة الإسلامية».
لم ينشأ التنظيم المتشدد من فراغ، فهو ابن أوضاع وسياسات لحقت احتلال العراق عام (٢٠٠٣)، فككت بنية دولته، وأنهكت مجتمعه فى صراعات مذهبية وعرقية.
كان ذلك مقصودا حتى لا تقوم للعراق قومة مرة أخرى.
بصورة أو أخرى، فإن الذين عملوا على تفكيك ثانى أكبر دولة عربية دفعوا ثمنا باهظا، والذين مولوا وسلحوا جماعات العنف والإرهاب اكتووا بنارها.
بدت حماقة كاملة أن يصرح الرئيس التركى «رجب طيب أردوغان»، قبل ساعات من العمل الإرهابى الذى استهدف البرلمان البريطانى، بأن السياسات الأوروبية تجاه بلاده سوف تؤدى إلى عدم تمكن مواطنيها من المشى فى الشوارع، كأنه يحمل نفسه مسئولية الإرهاب العالمى، أو يلوح بأن صلاته مع «داعش» لم تنقطع تماما.
هكذا أدخل نفسه فى أزمة عميقة مع الاتحاد الأوروبى، ووضع نفسه مجددا فى دائرة الضالعين بدعم الإرهاب.
تفلت «أردوغان» بالحماقة إحدى صياغات التوتر العام الذى يخيم على الإقليم كله، انتظارا لما بعد «داعش»، من ترتيبات وخرائط، من بينها إنشاء دولة كردية على الحدود السورية، وهو ما يضرب بالعمق فى مستقبل تركيا كدولة موحدة.
بعض التوتر طبيعى، وبعضه الآخر مكتوم، أو مذعور، أو أحمق.
باليقين هزيمة «داعش» على الأرض ليست كلمة النهاية فى الحرب على الإرهاب.
إزاحة «مشروع الدولة» بقوة السلاح شىء، وبناء أوضاع جديدة تنفى الأسباب التى أفضت إلى «داعش» شىء آخر تماما.
الإزاحة توشك أن تستكمل معاركها فى غضون عام (2017)، هذه مسألة شبه محسومة، لكن ماذا بعدها؟
بأى نظرة على الخرائط السياسية والعسكرية فإن سيناريوهات الإضطراب فى العراق مرجحة، واحتمالات التقسيم فى سوريا غير مستبعدة.
إذا ما تفاقمت الاضطرابات ونشأت دويلات جديدة فإنها مشروعات احترابات مذهبية وعرقية بلا نهاية معروفة؛ تفسح المجال لإعادة إنتاج «داعش» ونظيراتها بصورة أكثر شراسة فى العالم العربى المتداعى، واتساع العمليات الإرهابية داخل العواصم الأوروبية.
حسم معركة الموصل نقطة تحول مهمة فى الحرب مع «داعش»، لكنها ليست نهاية الحرب.
ما يتلوها من ترتيبات قد تؤجج أسباب الإرهاب ونزعاته وتدفع به إلى أطوار جديدة.
استهداف البرلمان البريطانى إشارة لاتساع محتمل فى العمليات الإرهابية بقلب أوروبا، بكل عواقبه الوخيمة على الجاليات العربية والإسلامية وصورة الإسلام نفسه.
ظاهرة «الذئاب المنفردة» قد تأخذ مدى أكبر وأخطر مما هو جار حاليا.
اليأس أحد محركات الإرهاب، وعندما يستخف بأى حق فإن أحدا لا يستطيع أن يوقف انفجارات العنف.
على الرغم من الكلام العربى الكثير عن استراتيجيات مكافحة الإرهاب وتجديد الخطاب الدينى وسد الثغرات الاجتماعية التى تسمح بتمركزه وتمدده، فإنه لا يوجد أى رؤية تعرف أين مواضع أقدامها، وما الخطوات التالية لدحر «داعش»، وما يتوجب فعله الآن وليس غدا؟
الانقسام هو العنوان العربى الرئيسى على الأزمات السورية والعراقية، والحسابات الضيقة لها الصدارة.
فى ظل تلك الأوضاع فإن العالم العربى ينتظر ما قد تجرى به سياسات ومصالح اللاعبين الدوليين والإقليميين الآخرين، بلا قدرة على صد خطر، أو منع كارثة.
التحدى الرئيسى الثانى، الذى يطرح نفسه بتوقيته وسياقه على القمة العربية، عنوانه مستقبل القضية الفلسطينية.
بالنظر الاعتيادى فهو عنوان دائم على اجتماعات القمة، تكتب بشأنه صياغات معتادة، تنسى اليوم التالى، حتى يعاد كتابتها مرة أخرى فى مناسبات مماثلة.
وبالنظر الماثل فهو قضية حياة أو موت.
إذا كان هناك من يتصور أنه يمكن إنكار «العامل الإسرائيلى» فى مجريات معارك المصير فى المشرق العربى، وفى مناطق مشتعلة أخرى، أو أنها بصدد اقتناص الفرصة التاريخية السانحة لإنهاء القضية الفلسطينية؛ فهو واهم.
أسوأ ما يحدث الآن الهرولة المتزايدة، وبعضها معلن، إلى استرضاء إسرائيل، بظن أن ذلك مما يحفظ النظم، بينما تضفى عليها أسباب القوة والإملاء وحصد الجوائز دون استحقاق.
الهرولة بذاتها تشجع على ضياع ما تبقى من حقوق، وتفتح المجال للتوسع الاستيطانى فى الضفة الغربية، وتهويد القدس، وإعادة طرح سيناريوهات «الوطن البديل» فى الأردن، أو سيناء، أو ربما العراق إذا ما جرى تقسيمه، فضلا على ضم الجولان السورية.
بكلام آخر مستقبل القضية الفلسطينية أصبح فى عهدة الخرائط المنتظرة والقوى التى ترسمها وفق مصالحها وحساباتها.
من المتوقع أن يتضمن بيان القمة تأكيد الالتزام بـ«حل الدولتين»، وإدانة الاستيطان، غير أن غياب المواقف العملية يخفض من قيمة هذا الالتزام وجدواه.
إذا ما جرت تقسيمات على خرائط وأنهيت القضية الفلسطينية، فإن أى مفهوم للأمن القومى يكون قد انتهى، وينهار معه النظام العربى الحالى ممثلا فى الجامعة العربية، وينشأ على أنقاضه نظام إقليمى جديد، العرب هم الطرف الضعيف فيه.
هل يمكن تجنب مثل ذلك السيناريو المروع والماثل؟ هل يمكن منع تقوض دول فى الإقليم وتفشى الإرهاب بصورة ربما أكثر شراسة؟ وهل يمكن رد اعتبار العروبة من جديد بحد أدنى من التوافقات الضرورية؟ ثم هل يمكن التطلع بشىء من الأمل إلى بناء دول حديثة حرة وعادلة؟
إذا لم تكن هناك إجابات لها قوة الإلهام فإن لعنة الكوابيس سوف تأخذ مداها.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved