مشاهد من شهداء كورونا

ناجح إبراهيم
ناجح إبراهيم

آخر تحديث: الجمعة 26 مارس 2021 - 9:50 م بتوقيت القاهرة

المشهد الأول
نعاه شيخ الأزهر بكلمات رائعة وكذلك مفتى الجمهورية، فهو إمام المالكية فى مصر والعالم، أشهر علماء الفقه المقارن، وجهه يشع بالنور يعيش فى القرن الحادى والعشرين بروح وقلب القرن الأول الهجرى.
مات إخوته جميعا فأشفق عليه والده من مصيرهم فكان يحمله على ظهره خمسين كيلومترا لحضور مولد عبدالرحيم القناوى.
كان والده فقيرا ولكنه كان عفيفا، كان سكان القرى يأخذون القصب من أى مزرعة لأنه مباح فى عرفهم أما هو فكان يمنع أسرته من ذلك، فكان لا يتذوقه رغم شوقه إليه.
والده صاحبه طوال حياته، كان فى والده يسافر من قنا إلى القاهرة سيرا فيقطع المسافة فى 15 يوما للعمل فى القاهرة فى غير موسم الزراعة.
كافح مثل أبيه حتى كان يعمل وهو طالب 8 ساعات فى ورشة بلاستيك ورغم ذلك كان الأول دائما على دفعته فى علم صعب هو الفقه المقارن وكلية صعبة هى الشريعة.
ساهم فى تقنين الشريعة حسب المذهب المالكى أيام الإمام الراحل عبدالحليم محمود، وهو أول من بدأ موسوعة الفقه فى الستينيات، وكانت تسمى موسوعة «ناصر الفقهية» جمع بين العلم بالله «الفقه والشريعة» والعلم بأمر الله «التقوى والزهد والورع والتواضع».
كان يرى أن التصوف هو انضباط بالشرع وذكر لله وأن تكون دوما فى معية الله ومراده حيث أرادك.
كان فقيها موسوعيا وعالما ربانيا، لا يغضب نفسه ولا يدور حولها، رحم لله العلامة الدكتور/ أحمد طه ريان.
المشهد الثانى
تخصص فى جراحات الرأس والرقبة على أيدى الجراح المصرى العالمى د/ عمر شاهين وجراح ملكة بريطانيا هنرى شو، كان رائدا فى الجراحات الميكروسكوبية فى بريطانيا ثم مصر وعضوا بالجمعية الدولية لهندسة الأنسجة، ورئيسا لقسم الجراحة الأسبق بطب إسكندرية ونقيبا لأطباء إسكندرية دورتين بالتزكية، هذا عن الطب والجراحة والمهنة.
أما معارفه وفكره وثقافته فهى تمثل الجانب الأوسع من شخصه وحياته ليس على مستوى مصر بل على مستوى العالم، فهو عضو مجلس إدارة جمعية مبدعى أوروبا والبحر المتوسط بإيطاليا، وبينالى شباب أوروبا، رئيس أتيليه إسكندرية، نائب رئيس جمعية الآثار بالإسكندرية، مؤسس كونسترفوار إسكندرية، مؤسس جامعة أبو للو الشعرية بالإسكندرية فى الستينيات.
لم يشرف على رسائل الدكتوارة فى الجراحة فقط بل أشرف عليها فى كلية الآداب فى الفلسفة وتاريخ العلم رغم أنه يتقن الإنجليزية والفرنسية والألمانية إلا أنه من كبار عشاق العربية.
له حظ كبير من اسمه رفيق رقيق خليل لمن يصاحبه ويصادقه، متواضع غاية فى التواضع دمث الأخلاق محب للخير والمعروف كما يحب الجمال.
إنه الجراح السكندرى الشهير «محمد رفيق خليل» الذى نال الشهادة عبر معركته الشرسة مع كورونا.
المشهد الثالث
لم يعش فى ثوب الوزير ولا كبريائه وغطرسته أبدا، كان يبتسم دائما فى المنصب وخارجه، لم يغيره كرسى الوزارة أو يلتفت إليه.
تشرف بلدتى ديروط بانتسابه إليها كما شرفت بانتساب شاعر النيل حافظ إبراهيم ومحمد حسنين هيكل قطب الصحافة، الثلاثة جميعا يجمعهم الاعتزاز بأنفسهم وعدم قبول الهوان والذل حتى لو كان مغموسا بالحياة، الموت أحب إليهم من ذلك.
أهم ما يميز صاحبنا اليوم هو التواضع والاقتراب من الناس، لا تفتنه المناصب والكراسى حتى لو كانت الوزارة، ليس له برستيج، هو أشبه بالزهاد، قريب من أخلاق المتصوفة الزاهدين فى الجاه والمال والمدح.
أما فى العلم والأدب والشعر فهو عميق عمق البحر المملوء بالصدفات الجميلات، محب للناس والكون لا يكاد يكره أحدا، لم يتكسب كغيره من مناصبه، ولم يوزع الجوائز على المحاسيب ليتبادل معهم الكراسى بعد ذلك، رحم الله الدكتور/ شاكر عبدالحميد عاش شريفا ومات نظيفا.
هؤلاء العظام فقدتهم مصر فى الأسبوعين الماضيين معظمهم نال الشهادة جراء كورونا، رحمهم الله رحمة واسعة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved