الصحة النفسية في إطار التغطية الصحية الشاملة

علاء غنام
علاء غنام

آخر تحديث: الأحد 26 مارس 2023 - 8:05 م بتوقيت القاهرة

الصحة النفسية نسبية ومتغيرة وشاملة ومرتبطة بالعمر والمكان والزمان وبقدرات الأفراد واستجابتهم الشخصية للضغوط، وهى أشمل من المرض العقلى النفسى الذى يحتاج إلى علاج دوائى أو مستشفى متخصص، وهى أيضا قدرة الفرد الشخصية على التكيف مع الواقع أو التعايش معه بكل سيئاته.

وهذا أيضا نسبى ومتغير لنفس الفرد من لحظة لأخرى، فلا يوجد شخص يشعر بالسعادة أو الحزن طوال الوقت، الأمر مرتبط بمراحل نمو الفرد المعرفى والجسدى ولذلك فهى نسبية فأنت لو عشت فى العصر المملوكى لكنت شخصا مختلفا نفسيا تماما عن نفسك إذا عشت فى أيامنا الحالية وتوافقك بالطبع مختلف.

أما المرض النفسى العقلى فهو حالات محددة تشخص بأدوات محددة طبية معروفة ونسبها فى أى مجتمع تحددها مسوح مقننة دورية. وتوفير الخدمات الأساسية للصحة العقلية مهمة النظام الصحى والطبى الأساسية والواجبة بخطط عامة واضحة وبنية تحتية مرخصة معتمدة مراقبة من هيئة اعتماد الجودة، ويشمل ذلك العيادات والمراكز الخاصة التى قد يصل ثمن الكشف فى بعضها إلى 3 آلاف جنيه! سيأتى المقال لاحقا على سلوكيات القطاع الخاص فى تقديم الصحة العقلية.

نلاحظ فى الحالة المصرية نقص عدد أطباء النفس عموما قياسا لعدد السكان، ومحدودية عدد المستشفيات النفسية أيضا إذ قد يصل حوالى 18 مستشفى ومركزا نفسيا بإجمالى عدد أسِّرة لا يتجاوز ألفى سرير؟ فما الحل وما خطط التطوير الضرورية خاصة فى ظل أزمة بدأت وتصاعدت أثناء كوفيد ــ 19 ويتابعه الباحثون.

تاريخيا، شهد قطاع الصحة النفسية فى مصر تطورا بعد قانون عام 2009 الذى زود الحصانات القانونية التى تراعى حقوق المرضى، وبشكل كبير نظم ممارسات المهنة بعد أن كان هناك فجوة كبيرة وقطاع غير منظم على الإطلاق.

رغم هذا التحسن فى الإطار التنظيمى الذى أعطى ضمانات لحقوق المرضى، مازالت المشكلة الكبيرة فى ضعف تمويل هذه الخدمات فى القطاع العام، وتهالك البنية التحتية التى من خلالها يتم تقديم الخدمات. هذا التهالك ونقص التمويل، يجعل الغالبية تلجأ للقطاع الخاص عبر العيادات والمصحات وخلافه. إذا تم النظر لهذا فى سياق نقص الأطباء النفسيين، ندرك أن هناك مشكلة كبيرة تحتاج لنقاش وحلول.

هناك العديد من الأدبيات العلمية وأوراق السياسات الإرشادية من منظمات الصحة العالمية، لتقديم توصيات لتحسين خدمات الصحة النفسية على مستوى تقديم الخدمة المباشر، أو مستوى السياسات العامة الصحية وكيف يتم دمجها فى نظم التأمين القائمة.

على سبيل المثال، تعرف المنظمة المفاهيم الأساسية المتعلقة بالصحة النفسية على أنها «حالة من الرفاه النفسى تمكّن الشخص من مواجهة ضغوط الحياة، وتحقيق إمكاناته، والتعلّم والعمل بشكل جيد، والمساهمة فى مجتمعه المحلى. وهى جزء لا يتجزأ من الصحة والرفاه اللذين يدعمان قدراتنا الفردية والجماعية على اتخاذ القرارات وإقامة العلاقات وتشكيل العالم الذى نعيش فيه. والصحة النفسية هى حق أساسى من حقوق الإنسان. وهى حاسمة الأهمية للتنمية الشخصية والمجتمعية والاجتماعية الاقتصادية. والصحة النفسية لا تقتصر على غياب الاضطرابات النفسية. فهى جزء من سلسلة متصلة معقدة، تختلف من شخص إلى آخر، وتتسم بدرجات متفاوتة من الصعوبة والضيق، وبحصائل اجتماعية وسريرية يُحتمل أن تكون مختلفة للغاية».

فى هذا السياق، وبعد شرح ما تقدم، يمكن القول إن القطاع العام يواجه مشكلتين أساسيتين، بعيدا عن الكلام المستهلك (الذى قد يكون حقيقيا) عن الوصم المجتمعى والخوف من الإقبال على خدمات الصحة النفسية. فالتجارب المختلفة تشير إلى أنه بالرغم من العوائق، عند وجود خدمة صحية مجانية ومقدمة بشكل يحترم آدمية وكرامة المواطنين والمواطنات سيقبلون عليها.

الواقع الآن، أن العيادات والمصحات الخاصة هى مقدم الخدمة الأساسى. المشكلة هنا فى التكلفة الخيالية لأسعار هذه الخدمات الصحية فى القطاع الخاص، وثانيا: غياب الرقابة على ممارسات وسلوكيات القطاع الخاص.

فى الخلاصة، موضوع خدمات الصحة النفسية فى مصر معقد وإحراز تقدم فيه ليس بالحل السهل، وتشير العديد من أدبيات منظمة الصحة العالمية إلى أن خدمات الصحة النفسية تحديدا مرتبطة بالعديد من العوامل الأخرى (المحددات الاجتماعية والاقتصادية للصحة مثلا). ولكن، يمكن إحراز تقدم ولو بسيط فى وجود رقابة حقيقية على القطاع الخاص يضع حقوق المريض أو المريضة فى المركز، وثانيا الاستثمار الحكومى وتخصيص المزيد من الأموال للقطاع الصحى، والبدء فى إجراءات لعلاج مشكلة نقص الأطباء.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved