اللاجئون أولوية أى تسوية أو حل سياسى فى سوريا

العالم يفكر
العالم يفكر

آخر تحديث: الأربعاء 26 أبريل 2017 - 9:25 م بتوقيت القاهرة

نشر مركز كارنيجى للشرق الأوسط مقالا لـ«مهى يحيى» ــ مديرة مركز كارنيجى للشرق الأوسط ــ وجان قصير ــ منسق البرامج بمركز كارنيجى للشرق الأوسط ــ حول أن عودة اللاجئين بسوريا باتت أولوية يجب أن تتضمنها أى تسوية أو حل سياسى لإنهاء النزاعات بسوريا، وإلا زاد الوضع الراهن صعوبة وحرجا.

تستهل «يحيى» المقال بأن النزاع السورى لاشك قد ولَّد أكبر أزمة لاجئين فى التاريخ الحديث. ففى ديسمبر 2016، كان هناك أكثر من 4.8 مليون لاجئ سورى حول العالم، وحوالى 6.3 مليون نازح داخلى فى سوريا؛ أى أن واحدا من كل خمسة نازحين فى العالم هو سورى. وتُعزى هجرات السكان إلى نزاعات وحروب متداخلة تشارك فيها جهات دولتية وغير دولتية. وقد ازداد الواقع السورى الراهن قتامة بسبب الوضع الجيوسياسى المعقد، والمعارضة الشعبية، والاضطرابات المدنية.
نظرا إلى تباين أجندات وأولويات أطراف النزاع بسوريا وتنافرها، ثمة قلق من تعثر عودة اللاجئين والنازحين فى الداخل إلى بيوتهم بفعل اعتبارات سياسية ومذهبية وإثنية. وتسهم ثلاثة عوامل متداخلة فى احتدام هذا القلق: أوّلا، تورط قوات النظام فى ترحيل السكان عبر فرض الحصار وإبرام اتفاقات سلام محلية؛ وثانيا، تذرر الأراضى السورية والدمار الكاسح فى المراكز الحضرية والمناطق الريفية؛ وثالثا، انتشار عصابات وميليشيات مسلحة فى المناطق الواقعة فى قبضة كلٍّ من النظام والمعارضة على حد سواء.
من جهة أخرى فقد أسفر دور النظام السورى المحورى فى النزاع وتورطه فى جرائم الحرب عن تقويض قدراته القمعية والمالية، وإضعاف مؤسسات الدولة، بما فى ذلك تلك التى توفر خدمات اجتماعية وغيرها، وتقلص مشروعية النظام فى أوساط العديد من السكان. ونتيجة لذلك، ستتضاءل حظوظه بالحكم بفاعلية إثر أى اتفاق سلام. وعلى المستوى العسكرى، اضطر النظام إلى الاستعانة بحلفاء خارجيين ــ مثل إيران وروسيا ومنظمات غير دولتية مثل «حزب الله» وميليشيات عراقية شيعية ــ لاستعادة مناطق خسرها، ولبسط نفوذه فى تلك التى لا تزال تحت سلطته، كما لجأ إلى ميليشيات محلية لحكم مناطق بالغة الأهمية. وعلى المستوى المالى، تُقدر كلفة إعادة إعمار سورية المادية ما بين 100 إلى 200 مليار دولار، وهذا مبلغ يعجز النظام عن تأمينه.
تضيف «يحيى» بأن أى اتفاق سياسى لابد أن يتمحور حول اللاجئين، كما أنه على الأطراف المشاركة فى أى تسوية سياسية التزام مقاربة شاملة إزاء اللاجئين تتطرق إلى التحديات الأمنية الرئيسة وتوفر العدالة والخدمات. وفى غياب مثل هذه السياسة، ستكون العودة الطوعية صعبة إن لم تكن مستحيلة. كما أن طلب الدعم الدولى لعملية الإعمار للمطالبة بالعودة الآمنة للاجئين، والإصلاح الاقتصادى والسياسى من شأنه التخفيف من حدة الأزمة.
***
على صعيد آخر يقول «قصير» إن البلاد قد باتت اليوم مقسمة إلى مناطق نفوذ منفصلة ومتجاورة خاضعة إلى سيطرة النظام وعدد كبير من المنظمات غير الدولتية، من ضمنها تنظيم الدولة الإسلامية، وهيئة تحرير الشام المتحدرة من القاعدة، والقوات الكردية العربية الديمقراطية، وعدد من مجموعات الثوار (وبعضها متحالف مع تركيا). ويعيش حوالى 10.1 مليون شخص فى مناطق سيطرة النظام، بينما يقطن فى مناطق سيطرة كل من الثوار والأكراد والدولة الإسلامية نحو مليونى نسمة على التوالى، مع بروز شبكات اقتصادية تتربّح من اقتصاد الحرب.
فى ضوء ذلك تدور نقاشات حول شكل التسوية السياسية المُحتملة وأى مجموعات ستشارك فى التفاوض بشأنها. وتتناول المفاوضات الحالية حول أشكال الحوكمة صيغا متنوعة من اللامركزية الإدارية أو الفيدرالية المستندة إلى هويات إثنية ومذهبية، وغيرها من الصيغ. لكن هذه المحادثات تجرى فى وقت تسعى أطراف إلى فرض وقائع عسكرية جديدة، ولا يبدو أن شروط عودة اللاجئين والنازحين فى الداخل مدرجة على طاولة المفاوضات فى جنيف، التى تشهد جولة جديدة من مفاوضات السلام بين النظام السورى والمعارضة تحت إشراف الأمم المتحدة.
يضيف «قصير» بأنه مع الغموض الذى يلف المستقبل السياسى لسوريا، فلا مناص من التركيز على تحديات عودة اللاجئين الطوعية، لبلورة إطار شامل يرسخ حق العودة كركن أساسى من أركان أى اتفاق يتم التوصل إليه. وفى حين أن بعض شروط العودة تقنية الطابع، بما فى ذلك الحاجة إلى إعادة بناء البنى التحتية وتوفير الخدمات الصحية والتعليمية، يتسم البعض الآخر من الشروط بالطابع السياسى، مثل تأمين التمويل اللازم لإعادة الإعمار وتوفير الأمن والعدالة، ويقتضى بالتالى تدخل المجتمع الدولى ولاعبين محليين موثوق بهم، بمن فيهم شيوخ القبائل وناشطو المجتمع المدنى.
إجمالا، فإنه إذا ما تم الالتزام بمقاربة للتسوية السياسية، يحتل فيها اللاجئون منزلة الصدارة، ستتوافر حين ذاك الحماية الضرورية للاجئين والنازحين فى الداخل، بغض النظر عمن يتولى مقاليد الحكم، وسيتم إرساء آليات لجبه التحديات المحدقة بالتماسك الاجتماعى على المستوى المحلى.
فى الوقت نفسه، لابد أن ترسى الأمم المتحدة آليات تضمن الطابع المؤقت لصفة اللاجئ، على ألا يصبح راسخا مع بقاء أشخاص لاجئين إلى أجل غير مُسمى، كما حدث مع الفلسطينيين. وفى حالات تتعذر فيها العودة أو الاندماج، حرى بالمجتمع الدولى مباشرة برنامج لجوء يضمن ألا يبقى اللاجئون فى حالة إهمال وتجاهل لأجيال. كما ينبغى على المجتمع الدولى التركيز على المساعدة الايجابية والدعم فى سوريا، بدلا من سحب الدعم والحماية عن الدول المضيفة، متى توقفت الأعمال القتالية. ويحظى ذلك بأهمية خاصة نظرا إلى أن النزاع فى سوريا مترافقٌ مع أزمة لاجئين مديدة، وسيستمر على الأرجح لفترة من الزمن.
إضافة إلى كل ذلك لابد من إعطاء الأولوية لإصلاح التعليم فى أى تسوية يتم التوصل إليها، خاصة وأن حوالى 3 ملايين طفل سورى خارج المدرسة أو يتلقّون تعليما غير نظامى، فمن دون إرساء البنى التعليمية والتربوية اللازمة، قد يقع هؤلاء الأطفال ضحية أنشطة غير مشروعة، أو ينتهى بهم الأمر بين براثن شبكات إجرامية، أو يلتحقون بالمجموعات المتطرفة.
***
ختاما.. يؤكد الكاتبان مرارا وتكرارا على تعذر تصور سلام مستدام فى سوريا من دون بنية واضحة تتناول تحديات عودة السكان، ويُعزى ذلك إلى عوامل عدة، منها الطابع المعقد للنزاعات فى سوريا، وكثرة اللاعبين، والديناميكيات المحلية لنزوح السكان.

النص الأصلى:

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved