الأمن والحرية.. وسد النهضة!

محمد عصمت
محمد عصمت

آخر تحديث: الإثنين 26 أبريل 2021 - 7:10 م بتوقيت القاهرة

لا أعتقد أن أحدا فى مصر يختلف مع ما قاله الرئيس عبدالفتاح السيسى فى الحوار الذى أجرته معه صحيفة «دى فيلت الألمانية»، ونقلته وكالة أنباء الشرق الوسط، من أن «الأمن لا يجب أن يأتى على حساب الحرية، حتى فى بلد يعانى من أوضاع صعبة مثل وضع مصر»، لكن الأمر يحتاج إلى فتح أبواب الاجتهادات لمعرفة ما إذا كان قرار الرئيس بتجديد حالة الطوارئ لثلاثة أشهر أخرى جاء تحسبا لقرارات مهمة سيتم اتخاذها قريبا قد تتعلق مثلا بسد النهضة، أم فقط بسبب الأوضاع الأمنية والصحية التى وصفها قرار التجديد بـ «الخطيرة» فى البلاد، وأنه لن يؤثر على توجهات ما تبحث عن إعادة الروح لحياتنا السياسية التى تعانى من الجمود، منذ عدة سنوات.
قد يكون تفعيل مواد الحريات فى الدستور المصرى الحالى مدخلا مناسبا لترجمة ما قاله الرئيس حول الحريات إلى ممارسات فعالة على أرض الواقع، ومنها المواد الخاصة بكفالة حق إبداء الرأى والنقد بكل وسائل التعبير، والتأكيد على حرية الصحافة ومنع أى رقابة عليها بأى صورة من الصور، والحق فى تنظيم الاجتماعات الخاصة والمواكب والتجمعات، والتى للأسف يكبلها القانون بقيود متعددة.
صحيح أن الرئيس تحدث أيضا فى سياق حواره عن ضرورة تطوير التعليم، حتى «يتمكن المصريون من التمييز بين حرية التعبير والوقوع فى الفوضى»، لكن هذه المخاوف يمكن تجاوزها بتنفيذ القانون بشفافية وعدالة بين الجميع، وبأن نقبل المخاطرة ونعترف بأن هناك تجاوزات ما سوف تحدث، وإلا فإننا سوف ننتظر لأجل غير معلوم حتى يصبح التعليم عندنا فى مستوى التعليم فى ألمانيا.
كل تجارب التاريخ تؤكد أن الحرية ولا شىء غيرها هى التى توفر الأمن الحقيقى لأى مجتمع وتمنع انكساراته وهزائمه، نكسة 67 مثلا كانت بسبب غياب الحرية فى عهد عبدالناصر، وإقامتة لدولة بوليسية تضع كل معارضيها فى السجون والمعتقلات، السادات دفع حياته ثمنا لقرارات سبتمبر التى اعتقل بمقتضاها كل معارضيه من مختلف التيارات، بعد أن تصور أنه الوحيد الذى يعرف مصلحة مصر وشعبها، مبارك سقط بعد التزوير الفادح لانتخابات 2010 التى أشرف عليها أحمد عز.
نظام الاخوان ــ بعيدا عن أى اعتبارات أخرى قد لا تسمح الظروف بسردها حاليا ــ سقط بعد أن حاول الهيمنة على أجهزة الدولة المختلفة، ورشح محمد مرسى للرئاسة بعد أن كانت كل قيادات التنظيم تؤكد أنها لن ترشح رئيسا للبلاد.
ما نحتاجه الآن هو فتح المجال العام أمام الجميع بدون وصاية، فالأخطار التى نواجهها خارجيا وعلى رأسها «سد الخراب» الإثيوبى تحتاج إلى اصطفاف وطنى حقيقى، لن يتأتى إلا إذا شعر جميع المصريين أنهم يشاركون فى صنع القرار الخاص بمواجهته، خاصة إذا قررنا حتمية ضربه إذا ما استمر تعنت إثيوبيا ومؤامراتها لاحتكار مياه النيل، وساعتها سيكون كل المصريين على أهبة الاستعداد لتحمل تداعيات هذا القرار مهما كانت صعبة ومؤلمة.. فهل يكون تحرير نهر النيل من سد النهضة إيذانا بوصولنا إلى معادلة تحقق التوازن بين الأمن والحرية فى حياتنا السياسية؟!

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved