فرقة (الوطنى) الناجية

فهمي هويدي
فهمي هويدي

آخر تحديث: الأربعاء 26 مايو 2010 - 9:56 ص بتوقيت القاهرة

 حين ذهب استاذ الجامعة إلى رئيسها الذى كان زميلا له ليستفسر منه عن سبب تخطيه فى وظيفة استحقها حين حل الدور عليه، فإن الرئيس اتكأ على زمالته وصارحه بالحقيقة. وكان مما قاله إنه جرى تخطيه لسبب جوهرى، هو أنه ليس من أعضاء الحزب الوطنى.

وأنه رفض عضوية لجنة السياسات. كان الاستاذ قد سمع قبل ذلك تفسيرا آخر من عميد الكلية لم يقتنع به، خلاصته أن الأمن اعترض على اسمه. ولم يكن ممكنا تجاهل ذلك الاعتراض، لأن ملاحظات الأمن أوامر. صحيح أنه لم يستغرب أن يكون للأمن كلمة فى الموضوع، لأنه تعلم من خبرته أنه الذى يدير الجامعة. فرجاله هم الذين يجيزون رئيسها وعمداءها.

وهم أصحاب القول الفصل فى التعيينات والترقيات والبعثات والمهام العلمية. ولأن نفوذ الأمن بهذا الانتشار وتلك الأهمية، فلم يشك صاحبنا فى أن الأمن يعلم جيدا أنه أكاديمى مستقل، ليس له أى نشاط سياسى أو انتماء إلى أى حزب سياسى، وهو ما شككه فى جدية ما سمعه عن الاعتراض الأمنى عليه.

من ثم فإنه ظل مشغولا بتحرى السبب الحقيقى «غير الأمنى» الذى أدى إلى تجاوزه وإعطاء الوظيفة لغيره، كان زاهدا حقا فى الوظيفة التى حرم منها، لأنها لم تكن ذات طبيعة أكاديمية، لكنه كان حريصا على فهم العوامل الخفية التى تتحكم فى القرارات الإدارية التى تتخذ، والتى تهدر الأعراف المتبعة ولم تعد تبالى بالتقاليد الجامعية المعتبرة.

استراح صاحبنا لما سمعه من رئيس الجامعة، وشكره على صراحته ثم انصرف. وحين سمعت منه القصة التى رجانى ألا أنشر أسماء أطرافها، فإنه كان مشغولا بشىء آخر أدرك أنه يتشكل فى البلد فى هدوء، ودون أن يشعر أحد. ذلك أن ما جرى معه دفعه إلى إعادة النظر فى قراءة أخبار وأسماء الذين يعينون فى مختلف المواقع، وحين أشركنى معه فى بحث الموضوع فإننى تساءلت عما إذا كنا بصدد إحياء فكرة «التنظيم الطليعى» التى عرفتها مصر فى ستينيات القرن الماضى، واقتبستها من أسلوب الأحزاب الشيوعية فى الحكم والإدارة.

إذ بمقتضاها كان يتم اختيار أناس يفترض فيهم أكثر التزاما وولاء، وإعدادهم ثقافيا وسياسيا لكى ينتشروا فى أعصاب أجهزة الدولة ومفاصلها، لضمان سيطرة النظام على كل شىء فى البلد. لكننا تراجعنا عن فكرة استنساخ تجربة التنظيم الطليعى، التى وجدناها أكبر وأوسع من الموجود حاليا، لأن التنظيم الطليعى كان ينطلق من مشروع وفكرة يجرى إعداد نفر من الشباب والفتيات لحراستها والدفاع عنها، لكن الذين يدفعون إلى المواقع الأمامية فى مصر الآن يتم اختيارهم بناء على عنصر الولاء وحده، والحالة التى نحن بصددها تشهد بذلك. خصوصا أنه لا يوجد «مشروع»، بالمفهوم السياسى للكلمة، تدعى النخبة لحراسته والدفاع عنه. وإنما هناك نظام مطلوب تأمين استمراره وتثبيت قواعده.

لذلك فإن هؤلاء الذين يتم اختيارهم لمختلف المواقع لا يتعرضون لأى شىء من التثقيف أو الإعداد الفكرى والسياسى، وإنما هم يتحركون من خلال التلقين ليس أكثر. ولأن الأمر كذلك فالأغلبية الساحقة منهم تعتبر أن الالتحاق بالحزب هو باب الترقى والترفيع وجنى المكاسب.

لذلك فليس غريبا أن تكون النسبة الأكبر من الضالعين فى مختلف مظاهر الفساد فى البلد من أعضاء الحزب الوطنى وأركانه.

معلوماتى أن الحاصل فى الجامعة مطبق فى الهيئات الأخرى والوحدات المحلية التى سلمت مقاليدها إلى المنتسبين إلى الحزب الوطنى، وبذلك قسم المواطنون إلى فئتين. الأولى ضمت المحظوظين من أعضاء الحزب، والثانية شملت كل من عداهم، الأمر الذى طبق عمليا فكرة «الفسطاطين» التى رددتها بيانات تنظيم القاعدة، وبمقتضاها اعتبر التنظيم أن أعضاءه هم النخبة المتطهرة والفرقة الناجية.

أما من عداهم فى الفسطاط الآخر فهم العصاة والمنبوذون وأهل الجحيم. هل يفسر لنا ذلك ما يتحدث به قادة الحزب بين الحين والآخر عن أهمية وضرورة الالتحام «بالقاعدة»؟!

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved