الهدنة بين أمريكا والثوار العـرب تقترب من نهايتها

جميل مطر
جميل مطر

آخر تحديث: الخميس 26 مايو 2011 - 8:32 ص بتوقيت القاهرة

 حل موعد انعقاد قمة الدول الثمانى. مر عام من أشد الأعوام إثارة وصخبا وسوف يترك آثارا واضحة فى مستقبل العالم. كان أيضا من الأعوام الأكثر أهمية إعلاميا وسياسيا. وكانت آخر قضاياه المثيرة سقطة رئيس صندوق النقد الدولى. وفى هذه القضية تحديدا كانت الإثارة مضاعفة، فالرجل شخصية اقتصادية مرموقة عالميا، ويتولى منصبا بارزا فى أحد أهم المؤسسات المالية العالمية، وفى الوقت نفسه كان يستعد، ومعه فرنسا بأسرها، ليترشح رئيسا لجمهورية فرنسا منافسا لنيكولا ساركوزى فى الانتخابات المقبلة. أضاف إلى الإثارة أن شريكته فى السقطة مهاجرة سمراء من دولة نامية وأن وجهته كانت قمة الثمان ليقدم تقريره عن إنقاذ اقتصادات العالم النامى الذى تغلى بعض أطرافه بالثورة. كان أمرا لافتا للانتباه والامتعاض والتساؤل أداء شرطة نيويورك، التى تصرفت هى والقنوات التليفزيونية وغيرها من وسائط الإعلام كما لو كانت فى انتظار هذه السقطة، فجعلت من حادثة عادية قنبلة مدوية هزت الاقتصاد العالمى والإعلام الدولى والنظام السياسى الفرنسى، ووضعتها بندا غير معلن على مائدة اجتماع قمة الثمانية. الحادثة، كما يقول مديرو الفنادق، عادية وتكاد تتكرر يوميا ويبدون استغرابهم للضجة التى رافقت هذه الحادثة تحديدا. وقد يذكر البعض حادثة مماثلة أثارت قدرا كبيرا من الضجة وكان الغرض إحراج مسئول مصرى كبير لم يكن طرفا مباشرا فيها، ولكنه كان على وشك أن يتسلم منصبا عظيما.

●●●


قد تكون سقطة رئيس صندوق النقد الدولى حادثة مهمة ستؤثر حتما فى أعمال القمة، ولكن لا يوجد شك فى أن ثورات الشرق الأوسط سوف تحتل موقع الصدارة فى اهتمامات القمة. فمن الشرق الأوسط خرج خلال العام أكبر عدد من الأخبار والتحليلات الصحفية والسياسية. تنوعت التحليلات فى الغرب وإن كان أساسها واحد وهو الحاجة الى الحرية. ولم تتنوع فى قصور الحكام العرب والأساس أيضا واحد وهو المؤامرة والتدخل الأجنبى.

لم يعرفوا أن الثورات العربية لم تنبت من فراغ ولم تزدهر فى فراغ ولن تنتهى فى فراغ. نشبت فى تربة متأزمة عالميا وإقليميا وداخليا. ففى الغرب نشبت الأزمة المالية العالمية تعبيرا عن حال فوضى اقتصادية تفاقمت فيها التجاوزات فى تطبيق الرأسمالية حتى توحشت فأفسدت ثم خربت. بدأت الأزمة فى الولايات المتحدة وانتقلت إلى أوروبا وتأخرت فى الوصول إلى الشرق الأوسط والأقصى. تصور حكام مصر ومخربوها، على سبيل المثال. أنها لن تصل إلى شواطئها ولن تمس استقرارها. وكان فى صدارة من شجعوا على نشر هذا التصور مفكرون وسياسيون آمنوا بأن العولمة لم تترك بقعة فى الكوكب لم تحط فيها ولكن مصر كانت استثناء. قالوا إنها لم تنل من العولمة إلا إيجابياتها.

●●●


نشبت الثورات العربية وتمددت أصداؤها خارج حدود الشرق الأوسط. كان الظن أن الثوار بتركيزهم على الحقوق والكرامة والحرية يقلصون من تأثير أصداء ثورتهم، فالدول التى تتمتع بقدر من الحريات الديمقراطية لن تهتم كثيرا بها. لم يقدروا وقتها أن أوروبا التى تعانى منذ عامين أو ما يزيد من أزمة اقتصادية، هى نفسها تواقة لثورة ومعبأة بمزاج الاحتجاج. وبالفعل اختلطت الثورات وتبادلت الرموز وتعاطفت شعوب غربية معها.

شعارات العصيان المدنى مثل شعار «لن ندفع»، خرجت من اليونان إلى تونس واليمن وممارسات نصب الخيام والاعتصام بالميادين خرج من مصر إلى إسبانيا، حيث يعتصم الآن ومنذ أسابيع فى كبرى ميادين مدريد وفالنسيا وبرشلونة مئات الألوف من الشبان. أطاح الثوار فى تونس ومصر بحاكمين عربيين لم يرتفعا بالفهم إلى مستوى غضب المواطن فى بلديهما، ولم يقدرا تقديرا سليما الغليان الاجتماعى فى بلاد أوروبا وفى بلاد أخرى كثيرة ولم يتصورا حجم استعداد شعوب هذه البلاد لاحتضان الثورات العربية إن نشبت.

لم يأت التأييد المعنوى الأوروبى تلقائيا من حكام أوروبا وأكثرهم حريص على استمرار وصول المادة الخام والمال الفائض من الحكام العرب، وإنما جاء تحت ضغط جماهير أوروبية غاضبة بسبب أوضاع اجتماعية واقتصادية سيئة وبعضها مستعد للنزول إلى الشارع. وبالفعل، وفى أول انتخابات خلع المواطنون ممثلى الحزب الحاكم فى المقاطعات والمجالس المحلية مصوتين باعتصاماتهم وأصواتهم ضد الحكومة، التى فرضت عليهم التقشف ومنعت عنهم الوظائف. جدير بالانتباه أن عددا هائلا من مقالات وتحليلات الصحف والتليفزيون التى سمحت ظروفى بالاطلاع عليها لم تخل من الإشارة إلى «إلهامات» الثورات العربية وشعاراتها وأساليبها.

●●●


لا جدال فى أن الثورات العربية الناشبة حاليا تتحول وتتطور. بدأت ثورات للحرية والديمقراطية وتتحول الآن بالتفاعل مع قطاعات واسعة من شعوب أوروبا إلى ثورات للعدالة الاجتماعية إلى جانب الحريات والديمقراطية. وفى الوقت نفسه لم يفتها أن تجرب ما تعمدت تأجيله من قبل وهو أن تكون فى جانب رئيسى منها ثورات استقلال وتحرر قومى. حدث هذا عندما بدأت تستخدم حقها فى الثورة على استقرار ممارسات الاحتلال فى فلسطين وفكر الخذلان والاستسلام لإسرائيل باعتبارها من موروثات معظم الأنظمة الحاكمة العربية وثوابتها.

ويغمرنى شعور جارف بأن السياسات الأمريكية فى الشرق الأوسط وبخاصة تجاه الحقوق الفلسطينية والعنصرية الإسرائيلية ستفرض نفسها خصما للثورات العربية، وهو الأمر الذى حاولت جميع الثورات العربية تجنبه حتى الآن. تجنب أكثرها لبعض الوقت الانشغال بالقضايا الخارجية على حساب القضايا الداخلية وتعامل بعضها معها بحرص أملا فى أن تحرم الحكومات من دعم الولايات المتحدة أو تضعف التحالف القائم معها.

سمعت كثيرين ينقلون عن تحليلات صحفية وسياسية غربية أفكارا تتفاءل باحتمال أن تدفع الثورات إسرائيل إلى إعلان مواقف جديدة فى صراعها مع الفلسطينيين، باعتبار أن المنطقة تتغير ولن تعود إلى الوضع الذى حقق لإسرائيل أقصى درجة من الأمن بأقل التكلفة، ثم اتضح أن هذه التحليلات كانت واهمة وأن إسرائيل على العكس تتخذ مواقف معادية لهذه الثورات وتتدخل لإجهاضها وتخطط للاستفادة من الوضع العربى الراهن. أظن أن الثوار فى الميادين كالثوار فى البيوت والمقاهى وعلى الآرائك كلهم عادوا إلى قناعاتهم فى شأن صدقية أمريكا بعد المناظرات السخيفة التى جرت فى الولايات المتحدة بين الرئيس أوباما وبنيامين نيتناهو، وهى المناظرات التى تؤكد أن نفوذ إسرائيل فى أمريكا يزداد قوة وأمريكا ونفوذ أوباما فى العلاقة مع إسرائيل يزداد ضعفا، وتؤكد أن أوباما غير مستعد لأن ينفذ ما وعد به فى خطابه فى القاهرة، بل إنه يبتعد عنه مع اقتراب الانتخابات المقبلة.

●●●


يخطئ المناصرون لإسرائيل والمحافظون الجدد إن تصوروا أن السياسة الأمريكية المتغطرسة تجاه الفلسطينيين والعرب بشكل عام يمكن أن تستمر من دون رد فعل مناسب من الثوار العرب، حتى لو استمرت واشنطن فى تقديم الدعم المادى والمعنوى لهم. هؤلاء وأمثالهم كثيرون فى النخب الحاكمة والإعلامية العربية، يتجاهلون أن التغيير وقع ولا عودة إلى ما سبق حتى لو عاد الحكام المخلوعون، وعلى غير ما يتوقعون سيكون لهم الفضل فى تعميق ثوراتنا وتوسيع آفاقها.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved