ملاحظات حول التعليم فى حوار المشير

ايمان رسلان
ايمان رسلان

آخر تحديث: الإثنين 26 مايو 2014 - 8:20 ص بتوقيت القاهرة

رغم أن حوارات المشير السيسى مع وسائل الإعلام كشفت الكثير عن رؤيته فى العديد من القضايا لاسيما القضايا الاقتصادية وإعادة بناء الدولة المتعثرة على حد وصفه، إلا أن قضية التعليم تحديدا لم تحظ بالاهتمام الكافى وتم القفز عليها رغم أهميتها القصوى فىإعادة البناء.

تتيح الكلمات القليلة للغاية التى صرح بها المشير عن رؤيته للتعليم أن نفتح بابا للنقاش لإلقاء الضوء على قضية محورية قد تكون المفتاح الحقيقى والعصا السحرية التى يمكن أن نمتلكها للعبور إلى المستقبل شريطة أن نبدأ بالسؤال الرئيسى، ألا وهو هل لدينا رؤية استراتيجية للتعليم؟ وما الهدف منها؟ أم أن الأمر متروك لبعض الإصلاحات والمسكنات يقوم بها كل وزير أو مسئول عن التعليم ثم تختفى باختفائه ونعود بعدها إلى نقطة الصفر مرة أخرى مع مسئول جديد! من هنا قد يتفق المجتمع ويوافق على أن ثورة التعليم مؤجلة فى المرحلة الآنية ولكن فى نفس الوقت علينا أن نتساءل ومتى ستبدأ ثورة التعليم، وهل هناك جدول وقتى لضربة البداية، ومن أين نبدأ الإصلاح؟

هل يكون بإصلاح الأحوال المادية للمعلمين وهى القضية الرئيسية التى تحدث عنها المشير وقال إنه لا يستطيع الآن البدء فيها نتيجة للظروف الاقتصادية التى يمر بها الوطن، ولكنه أضاف ولكنه ليس ما أريده. ثم تحدث عن الدروس الخصوصية ورغم أنه قلل منها إلا أنه اعترف بعدها أنها ظاهرة وأنها تستنزف حوالى 17 مليار جنيه من جيوب الأسرة المصرية. وهنا مربط الحل إلى حد كبير للازدواجية التى نعيشها، فالدولة تخلت عن المعلم وعن دفع الأجر العادل له فاتجه إلى جيوب أولياء الامور ليحصل على حقه، ووجدت الدولة فى ذلك الحل العبقري للتخلى عن مسئوليتها، وتبنى بموازنات التعليم القليلة أنواعا جديدة من المدارس الحكومية بمصروفات حتى أصبحت لها الاولوية الآن والدليل أن أغلب المدارس التى تبنيها الدولة الآن هى مدارس بمصروفات!

•••

ومن اللافت للنظر أن المشير اعترف بأن لدينا مشكلة فى عدد الأبنية التعليمية والمدارس وأننا نحتاج إلى 500 مليار جنيه لبناء مدارس جديدة والوصول إلى كثافة طلابية معقولة، وهو رقم ضخم للغاية أزعجنى وعدت للأوراق والدراسات فوجدت أن الرقم الصحيح هو 50 مليار جنيه فقط للبناء خلال الخمس سنوات القادمة، والأرقام على عهدة وزارة التعليم ووزيرها الحالى.

ومع التجاوز عن دقة الأرقام التى يبدو أنها زلة لسان لن نتوقف كثيرا عندها لأن الهدف ليس التصيد بقدر ما هو تسليط الضوء على معضلة التعليم المصرى وكيفية الوصول إلى أصل الأزمة ومحاولة الحل، ويبقى السؤال الهام الذى يجب أن نجيب عنه بصدق هل تقبل أى أسرى مصرية الآن باستثناء الفقراء أن يلحقوا أبناءهم أو أحفادهم بالمدارس الحكومية الرسمية حتى لو تم توفير مبلغ الـ50 مليار جنيه لبناء المدارس التى نحتاج إليها؟ أخشى ان أجيب «بلا» فلن يقبل أحد إلحاق أبنائه أو أحفاده بالتعليم الحكومى.

فى مضمون الإجابة سنجد الحل للمعضلة والذى يبدأ من حتمية توحيد النظام التعليمى لكل الطلاب، فلا مجال لاختيار نوع التعليم من الكرنفال الحالى الموجود الآن من تعليم حكومى عربى.. وحكومى لغات.. وحكومى لغات متميز.. وأجنبى حكومى.. وخاص عربى ولغات.. ومستورد أجنبى.. وأزهرى حكومى وخاص ولغات أيضا! وتلك الخطوة لن تتم إلا بتقديم التعليم بالجودة المطلوبة. والحل كما قاله المشير، ولكنه قاله فى سياق آخر، وهو السياق الاقتصادى وضبط الأسعار وبناء المساكن والطرق، أى أن المشير مقتنع بأنه لا حل للفوضى إلا من خلال تدخل الدولة القوى.

والسؤال متى نطبق نفس المنطق والاتجاه ونوحد نظم التعليم فى المناهج وهى القضية المحورية والأساسية لأى تغيير ننشده للتعليم. وقد يسارع البعض بالإجابة أنه من المستحيل على أرض الواقع، وأنه مجرد «طق حنك» ولكن الحل ممكن بشرط توافر الإرادة السياسية لتطبيقه وإجراء حوار مجتمعى حوله حتى يقتنع أصحاب المصلحة وهم الأغلبية العظمى بتطبيقه ويقفوا فى وجه المعارضين وهم أثرياء الوطن والتيارات المحافظة والمتطرفة. والاقتراح هو أن نستورد منهجا متكاملا من الخارج بشرط أن يكون منهجا أجنبيا معمولا به فى مصر الآن (أى تم تجربته فى الواقع)، ولدينا أمثلة عديدة ناجحة والدليل ازدياد عدد المدارس الدولية سنويا، أما عن التكلفة المالية مقابل الملكية الفكرية للمناهج. فيمكن أن نطلب معاونة الدول العربية مثلما فعلنا مؤخرا مع الإمارات واستوردنا منهم منهج اللغة الإنجليزية البريطانى، وأيضا نطلب معاونة اليونيسكو والدول المتقدمة ونبدأ مفاوضات معهم لتخفيض الأسعار ولنا فى تجربة الدواء الامريكى لعلاج الكبد أسوة حسنة يمكن اقتباسها. عند تلك النقطة سنكون قد حققنا انتصارا وتم صهر المجتمع المصرى وخاصة الأجيال الجديدة فى منبع واحد لمصادر المعرفة الرئيسية والأولية تماما كما ينصهر المجندون جميعا فى الجيش المصرى والمشير احد أبطاله ويعلم كيف يصهر الجيش المواطنين، وعلينا أن نتذكر أن هذا النظام ليس جديدا على مصر فقد كانت لدينا حتى منتصف السبعينيات نفس التجربة حتى جاء الانفتاح الاقتصادى وبدء تقديم التعليم على أنه سلعة وخدمة لمن يدفع فحدث الانهيار.

•••

تبقى ملاحظة أخيرة وهى أننا فشلنا عبر العقود الماضية فى القضاء على الإخوان وما انبثق عنهم من تنظيمات لأننا حاربناهم أمنيا والآن شعبيا ولم نواجه فكرهم أبدا بالعلم والتعليم، فما يلبث أن يعودوا مرة أخرى بعد سنوات قليلة. وحتى لا يكون آفة حارتنا النسيان ارجعوا إلى 85 عاما الماضية، أو ادرسوا تجربة «بوكو حرام» وتعنى «التعليم الحديث حرام». أو ما يحدث فى مؤسساتنا التعليمية من حرق وقتل وتدمير فتلك نتيجة لمنهج الحفظ والتلقين وغياب المدرسة والمدرس وشيوع ثقافة الدروس الخصوصية.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved