عاجل إلى القمتين الخليجية والعربية

رخا أحمد حسن
رخا أحمد حسن

آخر تحديث: الأحد 26 مايو 2019 - 9:50 م بتوقيت القاهرة

بادرت السعودية بالدعوة إلى عقد قمتين ــ الأولى خليجية والثانية عربية ــ وذلك عشية انعقاد القمة الإسلامية فى السعودية فى 31 مايو 2019. وأوضحت فى دعوتها أن الدافع هو تزايد الأعمال العدوانية ضد بعض المدن، والسفن السعودية، ودول الخليج، من قبل الحوثيين وجماعات أخرى مدعومة من إيران، وكذلك تصاعد حالة التوتر بين واشنطن وطهران سياسيا وعسكريا وإعلاميا، بما فى ذلك كله من تهديد لأمن واستقرار دول الخليج العربية.

وقد نشط الوسطاء والمساعى الحميدة من داخل المنطقة وخارجها للعمل على احتواء الموقف قبل وقوع أى خطأ يؤدى إلى انفجار غير محسوب، مع اعتماد هؤلاء الوسطاء على مؤشرات واضحة من جانب واشنطن التى تؤكد دائما أن هدفها ليس تغيير النظام الإيرانى وإنما تغيير سلوكه ودفعه إلى التوقف عن دعم الإرهاب، وقبول الدخول فى مفاوضات بشأن الملف النووى، وبرنامج الصواريخ الباليستية الإيرانية. كما أن إيران من جانبها تؤكد أنها لا تسعى للحرب وإنها مستعدة فى كل الأحوال للحرب أو الدبلوماسية، وأن أمريكا هى التى انسحبت من الاتفاق النووى، وتطالب إيران الشركاء الآخرين فى الاتفاق، خاصة بريطانيا وفرنسا وألمانيا، بضرورة تعويضها عن العقوبات الاقتصادية، والمصرفية الأمريكية حتى لا تضطر للانسحاب من الاتفاق النووى والذى بدأت طهران عدم الالتزام بكمية اليورانيوم المخصب ردا على العقوبات الأمريكية.

***
كان واضحا من البداية أن هذا التصعيد الأمريكى ــ الإيرانى، مظاهرة استعراض قوة، تظهر بها واشنطن قادرة على توجيه ضربات موجعة لإيران دون دخول حرب شاملة معها، وتظهر أن إيران قادرة على إلحاق أضرار كبيرة بالقوات الأمريكية فى المنطقة، وخسائر فادحة بالمصالح الأمريكية ومصالح حلفائها فى المنطقة، إذا ما تعرضت إيران لعدوان أمريكى.

أى أنه تصعيد مشروط من كلا الجانبين بما يجعله محكوما. إلا أن هدف واشنطن من هذا التصعيد هو:
• ممارسة أقوى الضغوط الاقتصادية والسياسية والعسكرية على إيران لدفعها إلى قبول المفاوضات من جديد على الملف النووى وبرنامج الصواريخ البالستية الإيرانية.

• إظهار القوة الأمريكية لحلفائها فى المنطقة أنها على استعداد، وقادرة على التحرك السريع لحمايتهم إذا دعت الحاجة لذلك.
• العمل على ترسيخ فكرة أن إيران هى العدو وليست إسرائيل.

• التغطية على صفقة القرن بشأن القضية الفلسطينية والتى تشير تسريباتها إلى إحلال الحل الاقتصادى بديلا لإقامة دولة فلسطينية.

أما إيران فإنها تهدف من وراء التصعيد إلى ما يلى:
• إثبات عدم خضوعها للعقوبات والتهديدات الأمريكية، وأنها لن تكون فريسة سهلة.

• التأكيد على أن أمريكا هى التى أخلت بالاتفاق النووى بانسحابها منه، وأن على الأطراف الأخرى فى الاتفاق النووى تعويض ومساعدة إيران فيما أصابها من خسائر نتيجة للعقوبات الاقتصادية والمصرفية الأمريكية، وإلا فلن يكون أمام طهران إلا الانسحاب من الاتفاق.

• أن إيران قوية بما فيه الكفاية ومدعومة من أصدقاء لها ويمكنها إلحاق أضرار كبيرة بالمصالح الأمريكية ومصالح حلفائها فى المنطقة.

***
ولكن إذا ما تعمقنا فيما وراء هذا التصعيد بعيدا عما يثيره من أجواء متوترة، سيتضح أن أمريكا يهمها بقاء إيران طوال الوقت بمثابة فزاعة لدول الخليج العربية على الرغم من سعيها وعملها الدءوب على تحجيم قوتها وانتشارها فى المنطقة، حتى تبقى إيران الفزاعة والمبرر للوجود الأمريكى القوى فى منطقة الخليج، والحصول على ثمن هذا البقاء مضاعفا من الدول العربية وتبرير مبيعات الأسلحة الأمريكية لها لدعم صناعة الأسلحة الأمريكية وإحكام السيطرة على هذه الدول، ودفعها للتعايش السلمى، بل والتعاون مع إسرائيل.

بينما نجد أن الواقع العملى يؤكد أنه لا يمكن تناول أمن منطقة الخليج بدون أخذ إيران فى الحسبان بحكم وجودها وسيطرتها على الضفة الشرقية للخليج، والمصالح الاقتصادية والتجارية والسكانية والثقافية والدينية والمذهبية بينها ودول الخليج العربية، وتداخل هذه المصالح بصورة بالغة التعقيد.

لا شك أن إيران ــ شأنها شأن قوى إقليمية أخرى ــ لها طموحات واسعة للانتشار فى المنطقة من خلال أى ثغرات فى الكيان العربى المتفرق، وقد ساعدها على ذلك فى السنوات الأخيرة غزو أمريكا للعراق، وثورات الربيع العربى التى فتحت الأبواب على مصراعيها لتدخل إيران وعدة أطراف أخرى فى سوريا وليبيا واليمن، وتقوية العلاقات بين إيران وحزب الله فى لبنان وحماس فى غزة. وهذا كله لا يرجع إلى قوة غير عادية تختص بها إيران، وإنما لاستثمارها الخلافات والصراعات العربية على عدة مستويات.

ومن ثم فإن انعقاد القمتين المشار إليهما فى السعودية بمثابة فرصة لتجاوز الخلافات والصراعات بين الدول العربية، ومراجعة العلاقات العربية مع إيران، وصياغة موقف عربى جديد يقدم للقمة الإسلامية وللعالم. ويمكن أن تنظر القمتين المشار إليهما جديا فى اتخاذ ما يلى:
1 ــ وقف القتال فى اليمن وليبيا وسوريا، ومساعدة كل الأطراف المتصارعة على الدخول فى مفاوضات جادة للتوصل إلى صياغة تسويات سياسية على أساس المرجعيات الدولية والإقليمية التى سبق التوصل إليها، والمشاركة الفعالة والإيجابية للدول العربية فى هذه التسويات.

2 ــ التأكيد على أن حل الدولتين هو الحل المقبول من الفلسطينيين والدول العربية والذى يقوم على أساس المرجعيات العربية والدولية واتفاق أوسلو وخارطة الطريق وإقامة دولة فلسطين على حدود 4 يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وعدم شرعية المستوطنات الإسرائيلية على الأراضى الفلسطينية المحتلة، وحل قضية اللاجئين الفلسطينيين وفقا لقرارات الأمم المتحدة.

3 ــ احترام الأوضاع الخاصة بلبنان وتركيبته السياسية دون التدخل فى تصنيفها على أساس أنها جزء من الحياة السياسية والبرلمانية والسلطة التنفيذية فى لبنان، واحترام خصوصيته.

4 ــ إعلان عزم الدول العربية، كل بما لديه من إمكانيات، المشاركة فى عملية إعادة اللاجئين وإعادة الإعمار فى كل من سوريا واليمن وليبيا، حتى لا يترك ذلك كلية لدول غير عربية وماله من تأثير فى المستقبل.

5 ــ إعادة تنشيط الوساطة الكويتية فى موضوع الخلافات بين قطر والدول العربية الأربعة، والعمل على عقد مؤتمر لوزراء خارجية هذه الدول بحضور قطر للتوصل إلى تسوية لصالح مجلس التعاون الخليجى وقطر والدول العربية الأخرى.

6 ــ الاستجابة لمساعى الوساطة بين الدول العربية الخليجية وإيران، وخاصة وساطة كل من عمان والعراق، وفتح حوار على عدة مستويات بينها وإيران من منطلق حسن الجوار وتوسيع مجالات التعاون وتضييق مجالات الخلافات والتنافس، وذلك لصالح الأمن والاستقرار فى منطقة الخليج بعيدا عن أجواء المواجهة والتصعيد والتوتر.

وقد تبدو هذه المقترحات مثالية، ولكن التجارب أثبتت أن حل الصراعات وتسوية الخلافات يبدأ بالخروج من دائرة الفعل ورد الفعل إلى دائرة المصالح المشتركة والعملية على المدى القصير والمتوسط والطويل. وكما يقال المصالح تتصالح.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved