الذكاء الاصطناعي والدعم النفسي.. بديل آمن أم خطر صامت؟

صحافة عالمية
صحافة عالمية

آخر تحديث: الإثنين 26 مايو 2025 - 9:05 م بتوقيت القاهرة

نشرت جريدة the Guardian مقالًا لهيلين ديفيدسون عن عصر تتسارع فيه التكنولوجيا بوتيرة غير مسبوقة، بات الذكاء الاصطناعى يتغلغل فى مختلف جوانب حياتنا، من التعليم والرعاية الصحية إلى الفنون والخدمات، ومع تزايد الضغوط النفسية وتراجع فرص الوصول إلى الدعم النفسى فى كثير من المجتمعات، بدأ الذكاء الاصطناعى يفرض نفسه كبديل محتمل أو مكمل للعلاج النفسى التقليدى، فهل يشكل الذكاء الاصطناعى طوق نجاة فى لحظات الانهيار أم أنه حل مؤقت قد يحمل فى طياته مخاطر خفية؟ ونعرض من المقال ما يلى:
فى السنوات الأخيرة، ومع ازدياد الضغوط النفسية وتفشى القلق والاكتئاب، لجأ العديد من الأفراد حول العالم، وخاصة فى آسيا، إلى التكنولوجيا بحثًا عن عزاء أو توجيه، وفى طليعة هذه التكنولوجيا يأتى الذكاء الاصطناعى، وتحديدًا روبوتات المحادثة مثل ChatGPT ففى الصين وتايوان، حيث لا يزال الوصول إلى خدمات الصحة النفسية صعبًا أو موصومًا، بدأ الناس باللجوء إلى الذكاء الاصطناعى كبديل سرى وسهل وسريع.
ساعات الوحدة.. وحوار مع آلة.
امرأة تايوانية فى الثلاثين من عمرها، عانت من قلق شديد بعد تشخيص صحى خطير، لم تستطع البوح لعائلتها، وكان أصدقاؤها نائمين، وجدت نفسها تتحدث إلى ChatGPT تقول: «كان من الأسهل الحديث إلى الذكاء الاصطناعى فى تلك الليالى». لم تكن تجربتها فردية. «يانج»، شابة صينية من قوانجدونج، بدأت محادثتها مع روبوت دردشة دون أن تكون قد زارت طبيبًا نفسيًا قط. صرّحت: «التحدث بصدق إلى البشر كان مستحيلًا، لكن مع الذكاء الاصطناعى، استطعت أخيرًا أن أفرّغ مشاعرى».
هذه الحالات ليست معزولة، يشير المختصون فى الصين وتايوان إلى ازدياد عدد المرضى الذين يستشيرون روبوتات الذكاء الاصطناعى قبل أو بدلًا من رؤية مختصين نفسيين، وتشير دراسات مثل تلك التى نشرتها Harvard Business Review إلى أن الدعم النفسى أصبح أحد أبرز أسباب استخدام الذكاء الاصطناعى حول العالم.
لماذا يتجه الناس إلى الذكاء الاصطناعي؟
تعود شعبية الذكاء الاصطناعى فى هذا المجال إلى عدة عوامل: سهولة الوصول، وانخفاض التكلفة، وسرعة الرد، والخصوصية، خاصة فى المجتمعات التى لا تزال تنظر للصحة النفسية بوصفها "عيبًا" أو "ضعفًا". فى تايوان، يعد ChatGPT الخيار الأكثر استخدامًا، بينما يستخدم الصينيون بدائل محلية مثل Ernie Bot وDeepSeek بسبب حظر التطبيقات الغربية.
يقول الدكتور يي-هسين سو، أخصائى نفسى من تايوان: "الذكاء الاصطناعى يساعدنا بطرق محددة، خصوصًا فى الثقافات التى تميل إلى كبت المشاعر". ويتابع: "جيل الشباب أكثر استعدادًا للحديث عن مشاكلهم، لكن لا يزال هناك طريق طويل أمامنا".
• • •
رغم الفوائد الظاهرة، فإن هذه التقنية لا تخلو من المخاطر، رغم ارتياحها لمحادثات الذكاء الاصطناعى، قالت الكاتبة إنها تفتقد لعملية "الاستكشاف الذاتي" التى توفرها الجلسات العلاجية التقليدية، وأشارت إلى أن الذكاء الاصطناعى يمنح "الإجابات الجاهزة" دون المرور بالتدرج العلاجى الحقيقى.
أما نابى ليو، شابة تايوانية تعيش فى لندن، فقد شعرت بأن ChatGPT يمنحها تفاعلًا جادًا وفوريًا، وهو ما لا تجده دائمًا فى أصدقائها البشر، ومع ذلك، يحذر المختصون من تحول هذا الاعتماد إلى بديل دائم، ما قد يؤدى إلى تفويت أعراض خطيرة تستوجب العلاج المباشر.
مخاطر التعلق الزائد بالتكنولوجيا
تقول «يانج»، إنها بدأت تدرك مؤخرًا أنها بحاجة لتشخيص حقيقى من مختص. الانتقال من التحدث مع آلة إلى الحديث مع شخص حقيقى كان خطوة هائلة. لكن البعض لا يخطوها أبدًا. ففى بعض الحالات المأساوية، لجأ شباب يعانون من اضطرابات نفسية إلى روبوتات الدردشة، دون أن يحصلوا على الدعم المهنى، وانتهى الأمر بانتحارهم.
الدكتور سو يوضح: «الذكاء الاصطناعى يعالج النصوص فقط، لكنه لا يلتقط الإشارات غير اللفظية التى نراها كأطباء - كالتصرفات، نبرة الصوت، النظرات.. إلخ». أما «جمعية الإرشاد النفسى فى تايوان»، فتعتبر الذكاء الاصطناعى «أداة مساعدة» لا يمكن أن تحل محل المعالج البشرى، خصوصًا فى أوقات الأزمات.
الذكاء الاصطناعي: شريك محتمل.. لكن بحذر
رغم كل التحذيرات، يرى المختصون أن الذكاء الاصطناعى يمكن أن يكون حليفًا فعالًا إذا تم استخدامه بشكل سليم: فى التدريب، فى التحفيز المبدئى، أو فى مراقبة السلوكيات الرقمية التى قد تشير إلى حاجة لتدخل مهنى.
لكن فى النهاية، يشدد الدكتور سو: «إنه محاكاة. أداة جيدة، لكنها محدودة، لا تعرف كيف أو لماذا تمت صياغة الإجابة. يجب استخدام هذه التكنولوجيا بحذر».
• • •
اختتمت الكاتبة المقال بأن الذكاء الاصطناعى قد يُحدث ثورة فى دعم الصحة النفسية، لكن لا يجب أن يُنظر إليه كبديل للعلاج المهنى، فبينما يمدّ يد العون فى لحظات الوحدة، تبقى الحاجة إلى الحضور الإنسانى والتقييم المهنى ضرورية لضمان سلامة الإنسان النفسية.

 

ترجمة وتحرير: يارا حسن
النص الأصلي


https://bitly.cx/8DHLZ

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved