خطاب من شرف إلى الكونجرس

محمد المنشاوي
محمد المنشاوي

آخر تحديث: الأحد 26 يونيو 2011 - 8:45 ص بتوقيت القاهرة

 تابعت الأسبوع الماضى أعمال جلسة لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ لاعتماد أول سفيرة أمريكية لمصر ما بعد الثورة «آن باترسون». وتخيلت خطابا كتبه رئيس الوزراء عصام شرف للكونجرس معلقا فيه على ما دار فى هذه الجلسة ويقول فيه:
السيدات والسادة أعضاء مجلسى النواب والشيوخ.

تحية طيبة لكم من القاهرة،،
كان من اللافت للنظر عدم استيعابكم لما يجرى فى مصر خلال هذه الفترة الانتقالية الحرجة فى بداية تجربتنا الديمقراطية. وقد أستطيع أن أفهم صعوبة استيعابكم للمشهد السياسى المصرى، نتيجة تعودكم على العمل مع نظام حكم مصرى دكتاتورى لعقود طويلة.

وبداية أريد أن أشير إلى اتفاقى فى الرأى مع ما ذكره السيناتور جون كيرى من أن طريقة إدارة مصر للمرحلة الانتقالية ستؤثر ليس فقط على مواطنيها، ولكن ستؤثر على كل الشرق الأوسط، فمصر كما تعلمون تمثّل أهم وأقوى دول المنطقة، ولذلك اختارها رئيسكم باراك أوباما منبرا للتحدث لما يزيد على 1.4 مليار مسلم حول العالم. وينتظر ملايين المواطنين فى الشرق الأوسط ما ستؤول إليه عملية الانتقال الديمقراطى عندنا لأنها ستضىء لهم ظلمة طريق بناء ديمقراطيات جديدة.

أعضاء الكونجرس الأعزاء، لم يعد سرا أن هناك العديد من القضايا الخلافية بين دولتينا.

إلا أن أحد أهم أسباب هذه الخلافات سواء المتعلقة بالقضايا الدولية، أو القضايا المصرية، تعود لعدم إدراككم لوجود عامل جديد لم يدخل حساباتكم مطلقا خلال عهد الرئيس السابق، وأشير هنا إلى الرأى العام المصرى. وقد يكون لكم بعض العذر، فالنظام المصرى السابق لم يعتد أبدا بالرأى العام لشعبنا. أنتم تعلمون أننى أقوم بمهام منصبى معتمدا على شرعية ميدان التحرير، ولم يعد من الممكن، أو المقبول، تجاهل الرأى العام للشعب المصرى، لذا أود منكم، ومن مستشاريكم، ومن مراكزكم البحثية أن تأخذ هذا العامل المهم فى حساباتها من الآن وصاعدا.

تعرفون أن مصر تمر بظروف اقتصادية صعبة، إلا أنه من المؤكد أن لدى المصريين جميعا إصرارا على النجاح وعبور هذه المرحلة. لقد توقف الاقتصاد المصرى تماما لما يقترب من الشهر أثناء الثورة، وها هى عجلة الإنتاج تعود للعمل مرة أخرى.

ورغم أننا قد توقعنا أن تبادروا بإظهار حسن النية تجاه ثورتنا بالتفكير فى عقد اتفاقية تجارة حرة مع مصر الديمقراطية، وهى تلك الاتفاقية التى وقعتموها بالفعل مع عدد من الدكتاتوريات العتيدة فى منطقتنا، أو القيام بإلغاء كل الديون التى تراكمت على النظام المصرى، إلا أنكم لم تكونوا عند مستوى توقعات الشعب المصرى.

وأود أن أشير هنا إلى انزعاجى الكبير مما أشار إليه السيناتور جون كيرى من وجود محادثات أمريكية مع الشيخ حمد بن خليفة، أمير دولة قطر الشقيقة، بشأن دعم الاقتصاد المصرى، وأن السيناتور سيقوم بزيارة الدوحة هذا الأسبوع لهذا الغرض! الحكومة المصرية تقوم من جانبها بالتفاوض الثنائى مع عدد من الدول العربية الشقيقة، ولم ولن نطلب منكم دورا فى هذا الموضوع، فبرجاء البقاء بعيدا عن هذا الملف الذى لا يخصكم.

كما أود أن أعبر عن رفض حكومتى الكامل لما ذكرته السفيرة الجديدة من أن تقديم منح مالية مباشرة لمنظمات المجتمع المدنى لا يمثل أى إهانة للسيادة المصرية! لقد جاءت وثيقة مبادئ وأهداف منظمة الوقف القومى للديمقراطية، وهى أهم الجهات التى يتم من خلالها ضخ أموال أمريكية لدعم الديمقراطية فى الخارج، مشتملة على ستة شروط تحدد ما يجب أن تفعله المنظمة، ونص أحد هذه لشروط «أن تشجع تطوير المؤسسات الديمقراطية والأنظمة الأجنبية بطريقة تتماشى مع مصالح الولايات المتحدة ومصالح الجماعات التى تساندها المنظمة»... فهل ما زلتم تعتقدون أن هذا لا يمثل انتهاكا للسيادة الوطنية؟!

هل توافقون على قيام الحكومة الصينية أو السعودية أو حتى الفرنسية بتخصيص ملايين الدولارات من أجل تشجيع ودعم عملية انتخابية حرة ونزيهة فى الولايات المتحدة بما يسهم فى رفع نسبة الناخبين الأمريكيين فى انتخابات الكونجرس. ولتسمحوا لى أن أذكركم بأن نسبة المشاركة فى انتخابات الكونجرس عام 2010 بلغت 37.8% وبلغت عام 2006 فقط 37.1%!!

لقد قمتم بإصدار تشريع مهم عام 1966 ثم تم تطويره عام 1974 ليمنع أى حكومة أجنبية، أو حزب سياسى أجنبى، أو مؤسسات أجنبية أو مواطنين غير أمريكيين من التبرع أو المساهمة أو إنفاق أموال بطرق مباشرة أو غير مباشرة بما يؤثر على الانتخابات الأمريكية، فلماذا تنكرون على مصر ممارسة ذات السيادة فى حياتها السياسية؟

إن تفاخر السفيرة بتقدم 600 منظمة مصرية بطلبات للحصول على المنح المقدمة لمنظمات المجتمع المدنى فى مصر، تتجاهل تماما استطلاعا للرأى العام أجراه معهد جالوب الأمريكى مبكرا هذا الشهر، وهو الاستطلاع الذى أظهر أن أكثر من ثلثى المصريين قلقون من التدخل الأمريكى المحتمل فى شئونهم السياسية، كما عبر فيه 81.5% من المصريين عن رفضهم تقديم واشنطن مساعدات مالية لجماعات المجتمع المدنى وللجماعات السياسية الأخرى.

كما أرفض أيضا وبشدة مخاوف السيناتور ريتشارد لوجار الذى دعته للسؤال عن مخاطر إجراء الانتخابات البرلمانية فى توقيتها المعلن فى ظل عدم استعداد الأحزاب السياسية المصرية بالصورة الكافية لخوضها، وإشارته إلى أن الإخوان المسلمين هم القوى الوحيدة المستعدة لها.

كما أن ما ذكره السيناتور مارك كيرك، مؤخرا، من ضرورة أن تقوم «الولايات المتحدة بما فى وسعها من أجل منع جماعة الإخوان المسلمين الراديكالية من الوصول لحكم مصر» يمثل عملا غير ديمقراطى، بل يصل لحد الإرهاب السياسى.

وأود أن أستغل هذه المناسبة لأعيد تأكيد أن الإخوان المسلمين جماعة مصرية تمثل شريحة مهمة من الشعب المصرى، ولها كل الحق فى خوض الانتخابات، وفى الحصول على مقاعد، إن اختار الشعب ذلك، ولا يحق لكم مجرد أن تتمنوا أن يبقوا خارج العملية السياسة الديمقراطية الجديدة فى مصر.

استمرار خضوعكم لتصورات لوبى «دعم الديمقراطية فى الخارج» الموجود فى واشنطن ليس له ما يبرره. وعلى المئات ممن يعملون فى صناعة الترويج للديمقراطية أن يغيروا بوصلة اهتمامهم من الدول التى تتحرك فى اتجاه بناء ديمقراطية وطنية، إلى تلك الدول التى لا تعرف من الممارسات الديمقراطية شيئا مثل الحليف السعودى أو الشريك الصينى.

الشعب المصرى يريد أن يعرف كيف لم يمنع هذا اللوبى علاقاتكم الممتازة خلال العقود الماضية مع نظام حكم مصرى مستبد وفاسد ومنتهك لحقوق الإنسان.

ولتسمحوا لى فى النهاية أن أختم خطابى الأول لكم بأن أعرض عليكم فكرتين مختلفتين:
الأولى: أن توجهوا كل أموال برامج المساعدات الاقتصادية ومساعدات الديمقراطية نحو خطة طموح للقضاء على أمية اللغة العربية لدى 21 مليون مصرى، أو تخصيصها لإقامة مراكز أمريكية لتدريس اللغة الانجليزية فى صعيد مصر.

الثانية: أن تبادروا بإلغاء كل برامج المساعدات الأمريكية لمصر جملة وتفصيلا من جانبكم قبل أن تفاجأوا بإلغائها من قبل أول رئيس مصرى يصل للحكم عن طريق انتخابات حرة وعادلة العام القادم.

ولكم خالص التحية،،،

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved