سوبر ماركت ثقافى

سامح فوزي
سامح فوزي

آخر تحديث: الأربعاء 26 يونيو 2013 - 8:00 ص بتوقيت القاهرة

استمعت إلى وزير الثقافة فى مجلس الشورى وهو يسبح فى بحر بلا رؤية، يتحدث عن العمل الثقافى، بما يحمله من مؤسسات وقيم ورموز بوصفه عملية تجارية يصدق فيه البيع والشراء، والمكسب والخسارة، وهى نظرة لا تصلح فى الثقافة، ولا فى غيرها من المنافع العامة التى تقدمها الدولة. لا يأخذ بها وزير التموين الذى يقدم الدعم للمواطنين، ولا يتبناها وزير التعليم الذى يقدم خدمة التعليم، رغم تدهورها، مدعمة للمواطنين، ولا هيئة تعليم الكبار التى تمحو أمية أهالينا الذين لم يلتحقوا بالسلم التعليمى، ولا وزارة الداخلية التى تقدم خدمات الأمن ــ بالمجان ــ للمواطنين، وهكذا تسير بقية الوزارات، فما بالك بوزير الثقافة الذى ينبغى أن تكون خدمة الثقافة لا علاقة لها بالمال، ولا تُقيم بالتسعير السوقى، ولكن بقدرتها على بناء الهوية، والاستنارة، ورفع الوعى، والتفكير النقدى.

 

وصف الزميل الأستاذ مجدى المعصراوى ما ذكره الوزير بأنه «منطق البقالة» مما دفع الوزير الذى كانت ملامحه تنضح توترا إلى حالة من الهياج، يداه لم تهدأ عن طرق الطاولة التى أمامه بعنف شديد أطاح بفنجان القهوة وكأس الماء. لا يشفع للوزير أنه لا ينام سوى «ساعتين»، أو أنه تمكن منذ يومين من زيارة صالون الحلاقة نظرا لانشغالاته أو أنه استعان بمهندس مسيحى فى تطوير مسرح، كلام لا معنى له أن يقال فى لجنة برلمانية، أو يجرى على لسان وزير بات واضحا أن نظرته غير صافية تجاه المثقفين، وأجندته ملتوية، تحمل كراهية وعنفا وغضبا من نخب مثقفة لا تعتبره واحدا منها.

 

بالتأكيد وزارة الثقافة مثل غيرها من مؤسسات الدولة بها فساد، وسوء إدارة، فهى ليست استثناء، ولن يكون إصلاحها عن طريق الوزير الحالى الذى يبدو أنه جاء لتصفية العمل الثقافى، وليس لتنميته أو إصلاح مساره. إدارة المؤسسات الثقافية فى كل دول العالم علم وثقافة، هناك من برع فيها، وارتقى بخبراتها، كما هو الحال فى مكتبة الإسكندرية، لماذا هى متقدمة رغم أنها تعمل فى نفس ظروف الهيئات الثقافية الأخرى؟ هل يعلم البعض أن نصيبها من الموازنة العامة مائتان وثمانية ملايين، فى حين أن هيئة قصور الثقافة تتحصل وحدها على أكثر من ضعف هذا الرقم؟

 

البداية ينبغى أن تكون بخطة واضحة للارتقاء بالمنتج الثقافى المصرى، تنويعه، وإثرائه، ووضع استراتيجيات لإدارة أفضل للمؤسسات الثقافية ثم الاستعانة بقيادات سواء من داخل الوزارة أو خارجها تنفذ هذا التصور الذى ينبغى أن يكون واضحا أمام المجتمع، فالثقافة هى جزء من هوية شعب، لا ينبغى أن تدار بليل أو تسعى إلى تصفية حسابات مع تيارات سياسية وفكرية، ولكن من خلال مشروع ثقافى معلن، وواضح، ينتصر لهوية البلاد ولا يسعى لإعادة صياغتها على مقاس تيار سياسى أو فصيل معين.

 

هذا الوزير فضلا عن أنه لا يصلح لإدارة الشأن الثقافى، غير مؤهل للعمل العام الذى يتطلب صبرا، ووضوح رؤية، وقدرة على الحوار، والتواصل مع الآخرين. الأكرم له أن يستقيل، قبل أن يجرف السيل حكومته الهزيلة الفاشلة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved