نحو حل سياسى للأزمة السياسية الراهنة

إبراهيم العيسوى
إبراهيم العيسوى

آخر تحديث: الخميس 26 يونيو 2014 - 9:00 ص بتوقيت القاهرة

لقد آلت سلطة الحكم منذ الثالث من يوليو 2013 إلى تحالف ثلاثى يتألف من الجيش وأجهزة الأمن وقوى الرأسمالية الكبيرة. وهو التحالف ذاته الذى قامت عليه دولة مبارك، وإن كان وزن مكونه العسكرى قد ازداد كثيرا. وإذا كان هذا التحالف قد سعى لاكتساب نوع من الشرعية بوضع دستور أضاف للمؤسسة العسكرية امتيازات جديدة، وبانتخاب قائد هذه المؤسسة رئيسا للبلاد، فإن هذه الإجراءات لا تعنى أن وضعا جديدا مستقرا وقابلا للاستمرار قد نشأ. فما زالت عوامل عدم الاستقرار قائمة ومرشحة للاستمرار مع استمرار أزمة الانقسام والإقصاء ومع ما يرافق هذه الأزمة من عداء سافر تجاه معارضى سلطة 3 يوليو 2013 ــ 8 يونيو 2014، ومع استمرار السلطة الحاكمة فى التعامل مع هذه الأزمة السياسية بالمنهج الأمنى، واعتمادا على ذريعة مبارك التى كان يطلق عليها «فزاعة» الإخوان.

ولا يبدو أن هناك مخرجا من الأزمة السياسية الراهنة سوى بالانتقال من الحل الأمنى إلى الحل السياسى، ومن الإجراءات القمعية إلى الأساليب الديمقراطية. وجوهر الحل السياسى هو الاعتراف بحق جميع القوى والحركات والتنظيمات السياسية فى التواجد والتعايش والتنافس السلمى فى الساحة السياسية، واعتماد القواعد الديمقراطية المتعارف عليها فى إدارة الخلافات السياسية، وكفالة ما ترتبط به هذه القواعد من حقوق وحريات لجميع المواطنين. فهذا ما يكفل قيام مصالحة وطنية تحترم الحق فى الاختلاف وتحول دون تحول الخلافات السياسية إلى مناسبات لاضطهاد المعارضين وإلى حروب تستهدف إقصاءهم أو تصفيتهم.

•••

أتصور أن الحل السياسى للأزمة الراهنة مرهون بتصرفات ثلاثة أطراف: السلطة الحاكمة، والإخوان وحلفاؤهم الإسلاميون، وذلك القطاع من النخبة الثقافية والسياسية والإعلامية والمجتمع المدنى والشباب الذى تزايد لديه الاعتقاد بأن ما جرى منذ أحداث 30 يونيو- 3 يوليو 2013 قد مهد الطريق لعودة دولة مبارك بتوجهاتها الاستبدادية والبوليسية وبسياساتها الاقتصادية والاجتماعية المنحازة للأغنياء. وقد كنت ممن يرون أن عبء المبادرة بالحل يجب أن يقع على عاتق من يملك سلطة الحكم. إلا أن ممارسات النظام القائم وتكرار إعلانه أن المصالحة لم تعد واردة واستمراره فى تأجيج مشاعر الكراهية ضد تيار الإسلام السياسى عموما وجماعة الإخوان خصوصا، قد جعلنى أميل إلى إلقاء عبء المبادرة على الإخوان وحلفائهم وعلى تلك العناصر من النخبة وقيادات المجتمع المدنى والشباب الرافضة لما آلت إليه الأمور، وذلك حتى لا يطول أمد انغلاق الأفق السياسى.

•••

فلنبدأ إذن بتحديد الأمور المطلوبة من الإخوان وحلفائهم. الأمر الأول هو الإعلان الصريح والواضح عن نبذ العنف والإرهاب ودعوة الأطراف التى تحسب عليهم إلى نبذ العنف والتبرؤ من أى ممارسات إرهابية تقوم بها، وإعلان القبول بالتحقيق من جهة دولية مستقلة فيما يقع من أعمال عنف وفيما ينسب إلى عناصر الإخوان من ممارسات إرهابية. والأمر الثانى هو أن يقوم الإخوان وحلفاؤهم بإعادة تقديم أنفسهم للمجتمع من خلال: (1) إصدار وثيقة نقد ذاتى جاد لمواقفهم وتصريحاتهم وسياساتهم منذ فوزهم بأغلبية مقاعد مجلس الشعب المنحل وخلال سنة رئاسة مرسى وخلال اعتصامى رابعة والنهضة، بحيث تتضمن الاعتراف بما وقعوا فيه من أخطاء- ولو بحسن نية- والاعتذار عنها للشعب، و(2) الإعلان الصريح عن أهداف الجماعة ومراميها البعيدة، وتفنيد ما ينسب إليها من أهداف مثل بناء دولة دينية وإعادة الخلافة الإسلامية، وإظهار الحقائق بشأن التنظيم الدولى للإخوان، و(3) صياغة خطة لتصحيح أوضاع الجماعة والحزب فكريا ومؤسسيا، على أن تشمل الفصل التام بين الجماعة والحزب، والاستعداد لتوفيق أوضاعهما وفق قانون الجمعيات وقانون الأحزاب على الترتيب، و(4) إعلان ميثاق شرف إعلامى للتيار الإسلامى يحكم ممارسات أجهزتها الإعلامية عندما تعود للعمل، وينقى هذه الممارسات مما شابها فيما سبق من شطط فى القول والفتوى، وقبول مراقبة تنفيذه من جانب جهة مستقلة. ويمكن أن يتكامل هذا الميثاق مع ميثاق عام للشرف للمشتغلين بمختلف وسائل الإعلام.

أما الأمر الثالث فهو إقرار الإخوان وحلفائهم بأن القضية المحورية هى استعادة المسار الديمقراطى وإدماجهم بشكل طبيعى فى المجال السياسى، وليست هى الدفاع عن الإسلام بحسبان أن الإسلام ليس فى خطر، ولا هى عودة مرسى ومجلس الشورى باعتباره هدفا تجاوزته الأحداث. والأمر الرابع هو التعهد بوقف التظاهرات وما إليها من أعمال احتجاجية مقابل تنفيذ السلطة لإجراءات محددة مثل الإفراج عن المعتقلين السياسيين وإسقاط القضايا الملفقة والأحكام الجائرة بحق المعارضين.

•••

وثمة أمور أربعة مطلوبة من النخبة الثقافية والسياسية والإعلامية وقيادات المجتمع المدنى والشباب ومن إليهم من الرافضين لما يجرى من ممارسات. الأمر الأول هو ممارسة نقد ذاتى جاد لتأييدهم أحداث 30 يونيو- 3 يوليو، تتضمن مراجعة المواقف بشأن حملات الكراهية وترويج الاتهامات المرسلة ضد الإخوان وحلفائهم الإسلاميين وغيرهم من الرافضين للخروج عن المسار الديمقراطى، وامتلاك شجاعة الاعتراف بأن ممارسات السلطة المرفوضة من جانبهم كانت النتيجة الواجب توقعها من قيام تحالف سيطرت عليه القوى المضادة لثورة يناير، ومن اللجوء إلى تداول السلطة بقوة السلاح، ومن الترويج لفكرة الرئيس القوى. والأمر الثانى هو العودة لمطلب الدولة المدنية الديمقراطية غير الدينية وغير العسكرية أيضا. وهو ما يقتضى تبنى تعديل دستور 2014 لتنقيته من الامتيازات التى منحت للقوات المسلحة، وللفصل بين نشاطها العسكرى ونشاطها الاقتصادى، وللتأكيد على ابتعادها عن المجال السياسى. كما يجب تبنى تعديلات دستورية تؤكد استقلال القضاء وحياده، وتعديل قانون السلطة القضائية بما يكفل عدم إقحام القضاء فى المنازعات السياسية، والتمسك بمطلب تطهير الشرطة وتطهير القضاء.

أما الأمر الثالث فهو التأكيد مجددا على مطلب العدالة الانتقالية باعتبارها خطوة ضرورية لتنقية الأجواء وجبر الأضرار والقصاص لضحايا ما شهدته الفترة منذ ثورة يناير من أحداث دامية، فضلا على التحقيق فيما وقع خلال عهد مبارك من فساد سياسى وإدارى وانتهاكات لحقوق المواطنين. والأمر الرابع هو المساعدة فى تهيئة الأجواء لقيام نظام سياسى ديمقراطى يتسع لجميع الأطراف، وبيان ما يترتب على إقصاء أى طرف من إطاحة بالديمقراطية وبالأمل فى الاستقرار والأمن.

•••

أما الأمور المطلوبة من السلطة الحاكمة، فهى أربعة. أولها الإفراج عن المعتقلين والمسجونين السياسيين وشطب القضايا الملفقة بحقهم وإسقاط ما صدر بشأنها من أحكام جائرة، وإلغاء قرار إعلان الإخوان جماعة إرهابية وإسقاط الحكم الصادر فى هذا الشأن، وإلغاء أحكام حل الجماعة والجمعيات والمؤسسات المرتبطة بها وإلغاء التحفظ على أموالها أو مصادرتها، وفتح الباب أمام تواجد جماعة الإخوان وحزب الحرية والعدالة بعد توفيق أوضاعهما مع القوانين السارية، وكذلك إلغاء قرار إغلاق فضائيات التيار الإسلامى وصحفه، ووقف ما تدعو إليه السلطة أو تسانده من حملات للكراهية فى وسائل الإعلام.

وثانيها إظهار الحقائق بالوثائق والبيانات الدقيقة بشأن ما تم ترويجه من اتهامات للإخوان أثناء ثورة يناير وخلال فترة حكمهم، كالاتهامات المتعلقة بموقعة الجمل وأحداث الاتحادية وبالتنازل عن حلايب وشلاتين للسودان، وعن جزء من سيناء لحركة حماس، والاتهام بأخونة أجهزة الدولة. وكذلك الكشف عن حقيقة ما يجرى فى سيناء من عمليات عسكرية وشرطية بدعوى محاربة الإرهاب، وبشأن ما رافق هذه العمليات من انتهاكات لحقوق الأبرياء من أهالى سيناء. ومن الضرورى الاعتماد على التقريرين اللذين وضعا فى ثلاجة النظام الحاكم والمتعلقين بالتحقيق فى الأحداث التى وقعت أثناء الأيام الأولى لثورة يناير وخلال فترة حكم المجلس العسكري (لجنة المستشار قورة ولجنة المستشار شرباص)، واستدعاء لجنة دولية للتحقيق فى الوقائع التى جرت فى فترة حكم الإخوان وما بعدها، بما فى ذلك وقائع اقتحام وتدمير وحرق مقرات الجماعة وحزبها وبعض مقار حزب الوسط، ووقائع فض الاعتصامات والتظاهرات، وكذلك لتقصى حقيقة ما يجرى من جانب الجيش والشرطة فى سيناء. ومن المهم رد الاعتبار وجبر الضرر لمن قتلوا أو أصيبوا أو سجنوا فى الأحداث التالية لوقوع الانقلاب، واعتبار من قتل منهم من شهداء ثورة يناير بكل ما يترتب على ذلك من استحقاقات. ويمكن أن يتم ذلك كله منفصلا عن مطلب مهم آخر أو متصلا به، وهو إقرار نظام للعدالة الانتقالية وتنفيذه.

أما الأمر الثالث المطلوب من السلطة فهو التعهد بتعديل الدستور بما يضمن قيام دولة مدنية ديمقراطية، ومن ثم بما يؤمن إبعاد الجيش عن السياسة، وإخضاع موازنته للرقابة البرلمانية، والفصل بين نشاطه العسكرى ونشاطه الاقتصادى، وإعادة النظر فى النصوص الخاصة بالسلطة القضائية بما يكفل استقلالها وحياديتها (راجع خطاب رئيس المحكمة الدستورية فى حفل أداء السيسى لليمين لتبين مدى انغماس القضاء فى السياسة)، وتعديل القانون الحاكم لها بما يضمن عدم الزج بالقضايا السياسية فى ساحتها، وتحرير قانون التظاهر من القيود المخلة بالدستور. ورابع الأمور المطلوبة من السلطة هو الالتزام بتنفيذ الضمانات اللازمة لحرية ونزاهة الانتخابات والتى يتم التوافق عليها بين القوى السياسية كسبيل للتوصل إلى تمثيلها فى البرلمان وفق أوزانها الحقيقية فى المجتمع، مع التعهد بتعديل الدستور والتشريعات الخاصة بالانتخابات ومباشرة المواطنين لحقوقهم السياسية وغيرها بما يحقق هذه الغاية.

•••

وختاما فإن الأمل فى إنجاز الحل المقترح مرهون بإسراع الطرف الأول (الإخوان وحلفاؤهم) والطرف الثانى (القطاع المعنى من النخب والمجتمع المدنى والشباب) بتنفيذ ذلك القدر من المطالب الذى يساعد على تهيئة الأجواء للالتقاء بينهما وقيامهما بأنشطة مشتركة لتبصير الجماهير بضرورة الحل السياسى وحشدها للضغط على الطرف الثالث (السلطة الحاكمة) لتنفيذ المطلوب منها وفق عملية تفاوضية يتحدد بمقتضاها تلازم تنفيذ بعض المطالب وتتابع بعضها الآخر.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved